على رأس سنة من تحقيق الثورة التونسية نجاحها المُظفَّر، في شكلها الأوّلي؛ عندما أطاحت النظام السابق، ومع الجدل الدائر إثر إعلان العزم عن التعيينات الإعلامية في «بلد الثورة الأوّل»، الذي كان شرارة «موسم الثورات العربية»؛ مُؤسِّس نهجها، وفاتح دروبها، ومُصدِّرها لعموم العالم العربي، يمكن المرء الانتباه إلى حقيقة البون الذي ما زال شاسعاً ما بين صورة البلد الذي أطلق «الثورة»، وحضور إعلامه، وبخاصة على صعيد المحطات التلفزيونية منها. حقيقةً، يشخص الجمهور العربي بأبصاره إلى تونس؛ «بلد الثورة»، ويتابع أخباره وأحواله عن كثب، لكن الجمهور العربي ذاته، وبغالبيته العظمى، أبداً لا يتنقّل ب «أجهزة التحكّم» إلى متابعة أيّ من تلفزيونات «بلد الثورة»!... كأنما ليس للثورة تلفزيونها. وإلا بماذا نبرِّر غياب هذا البلد (تونس) عن النسقّ الأول من الشاشات العربية، والمتصدّر منها. لو كان للثورة تلفزيونها، لكان الأحرى بالتلفزيون التونسي (أيّ محطة منه)، أن يكون في الصدارة، مرجعاً وملهماً وصورة لما يحلم به الجمهور العربي المتعلّق بأهداب الثورة منذ سنة، والذي يريد رؤية نتائجها وثمارها ليس في أروقة السياسة، بل على شاشات الإعلام أيضاً. وفي وقت يمكن الجدال أن يبقى مستمراً في أروقة السياسة إلى ما لا نهاية، على الأقل لتضارب المصالح والمنافع والأيديولوجيات، إن لم نقل المناقرات الحزبية والجهوية، فإن ثمار الثورة يمكن أن تتألّق على شاشات الإعلام، في ما لو أتاح مترصدو تلك الثمار، والساعون إلى قطافها، أن تنمو على إيقاع روح الثورة، وأخلاقياتها التي أطلقتها، وليس وفق استعادات بائسة، لا تعدو أن تكون ظلالاً لما كان في زمن ما قبل الثورة. ربما كانت مصادفة فاجرة أن يتوافق الجدال الدائر في صدد التعيينات الإعلامية التونسية، ومحاولة إعادة وضعها في قبضة الحكومة، مع الذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة التونسية. ولكن ما ليس صدفة أبداً أنه حتى بعد عام من الانتصار البديع، ما زال التخبُّط عارماً حتى حافة الانفجار، ليس على صعيد التنضيد السياسي في بلدان ما بعد الثورة، بل أيضاً على صعيد مهمة إعادة الإعلام إلى شعبه، لا إلى زجّه في حظيرة الحكومات المقبلة، التي ما زالت الخشية أن تكون تكراراً لسيناريوات الحكومات الآفلة. الإعلام (ومنه أولاً شاشة التلفزيون)، الذي تُسند إليه فضائل كثيرة، ومنها أنه كان رافعةً أساسيةً في زمن «الثورات العربية»، وكان أحد المساهمين في تأجيج شرارة الثورات، والعمل على دعم وصولها إلى لحظة النجاح، هذا الإعلام، عموماً، يبدو في كثير من تفاصيل واقعه، خلال عام مضى من عمر الثورة، أنه لم ينتقل إلى مرحلة إعلام الثورة، وما زال، يعاني سيئات زمن ما قبل الثورة... أقلّها محاولات حكومية لاستعادة الهيمنة عليه، وإعادة تدجينه بعد شوط من الإحساس بالحرية... وما جدل التعيينات الإعلامية، التي توافقت مع الذكرى السنوية الأولى، إلا واحدة من الإشارات، التي تثير الريبة، وتدلِّل بأن على الثورة أن تستمر... على الأقل بحثاً عن إعلامها، وبغية أن يصير لها تلفزيونها.