عندما اندلعت شرارة الثورات العربية قبل 6 أشهر في تونس، حلّت أخبارها ضيفاً دائماً على شاشات التلفزة العربية والفضائيات فسرقت اهتمام المشاهدين العرب الذين هالتهم في حينه تلك المشاهد التي ما كانوا يتخيلون يوماً أنها تقع في دولهم وبلدانهم، فتسمّروا أمام الشاشات، وراحوا يتابعون بدقة كل تفصيل من تفاصيلها. وربما استمدت تلك المشاهد التلفزيونية زخمها من أمرين متباعدين، لكنهما اجتمعا في توقيت واحد: الأول، وهو الأهم على كل الصعد بما فيها التلفزيونية والتاريخية، إعطاء الثورة مفعولها ونتائجها سريعاً، فخلال أسبوعين سقط حكمان وحاكمان، كما اندلعت ثورات مماثلة في دول أخرى. والثاني هو أن اندلاع الثورات حلّ في فصل الشتاء، وهو فصل للعمل والدراسة ومتعة مشاهدة التلفزيون. لذا، سجّلت متاعبة الأحداث والشاشات، نسب مشاهدة عالية جداً لعلها الأعلى في تاريخ المحطات الإخبارية العربية. أما الآن، وقد انقضت 6 أشهر على الخبر نفسه المتكرر على الشاشات، بعضه موثوق به وبعضه غير ذلك، بعضه مؤلم وآخر أكثر إيلاماً، تحوّل الجلوس أمام الشاشة إلى أمر رتيب، ربما لأن الحدث على أهميته، يكاد يصبح مملاً، وربما أيضاً لأن الإعلام حوّله إلى أمر ممل بتقيده بمسار الأحداث، وعدم صنعه جديداً، من خلال التركيز على قصص جانبية، قد تبدو غير مهمة، لكنها في غاية الأهمية، كقصة السيدة الحامل في اليمن. فهذه القصة لا يزال عدد من المشاهدين يذكرها في تقرير لمراسل محطة «الجزيرة» في اليمن، مع بداية الأحداث هناك، إذ تضمن تقريره حواراً مع تلك السيدة الحامل في شهرها الثامن، قالت فيه إنها تريد أن تضع مولودها و (الرئيس) علي عبدالله صالح خارج الحكم. فتلك السيدة التي على رغم ثقلها (بالحمل)، كانت تأتي يومياً إلى ساحة التحرير، ولا تزال وصورتها وكلامها البسيط في أذهان كثير من المشاهدين، علماً أنها، من المؤكد، وضعت مولودها الآن، والحكم والحاكم لا يزالان على حالهما. الأداء الإعلامي بعد 6 أشهر، يبدو كأنه نأى بنفسه عن البعد الإنساني للتحركات والثورات، وبدا لافتاً أن مثل هذه القصص العفوية التي تقدم جديداً في التغطية الإعلامية، لم تعد متوافرة على الشاشات العربية. في المقابل، يبدو أن المشاهدين لم يعودوا يهتمون كثيراً بذلك، لأن اهتماماتهم ربما اتجهت إلى ترتيب مكان الإجازة الصيفية التي أصبحت على الأبواب، وتحتاج إلى صور ومشاهد جميلة من بلاد هادئة آمنة... فحتى القنوات التي كنا نعتقد أنها استفادت من حدث الثورات العربية، لإحداث «ثورة» ليس في أدائها فحسب، بل في الإعلام العربي عموماً، يبدو أنها ركنت إلى «الرتابة»، التي كانت السمة الأبرز للإعلام العربي قبل حادثة البوعزيزي... هل هو قدرنا في السياسة والإعلام، أن نعيد إنتاج أنفسنا؟