لعل من أبرز النتائج التي فرضتها «ثورة 25 يناير» في مصر أنها حرَّرت التلفزيون الرسمي مما كان فيه من حال انغلاق تامة ضد عدد من الوجوه المصرية. الآن، بات من الممكن الانتباه إلى حقيقة غياب (الأصح تغييب) عدد وافر من الأسماء المصرية، التي ولمزيد من الغرابة تنتمي إلى اتجاهات فكرية مختلفة، بدءاً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. كما أنها تتوزع على طيف واسع من الاهتمامات، يستوي في ذلك المفكر السياسي، والرجل الحزبي، مع المحلل الرياضي. كأنما التلفزيون الرسمي المصري جرى تحريره، وبدأ يتنفس هواء التنوع، اعتباراً من لحظة قطف الثورة الشبابية أولى أهدافها، وحال أن تفككت القبضة الحديد الصارمة، التي كانت تمسك زمام البوابة الرئيسية لمبنى «ماسبيرو»، وتغلقها. تحرَّر التلفزيون القومي المصري، وانطلق على سجيته. بدأ الجمهور يكتشف حضور عدد من الوجوه والأسماء، تلك التي لم ينتبه إلى مأساة تغييبها، ومنعها من الظهور على الشاشة الرسمية. لعل الشاشات غير الرسمية كانت تعوض ذلك، وتذهل الانتباه عن ذاك. سيأتي الإعلامي اللامع محمود سعد، على سبيل المثال، بأسماء تطأ رخامات التلفزيون المصري للمرة الأولى في حياتها الإعلامية، على رغم أنها من طراز الحياة الطويلة العريضة والغنية. تتحرَّر البلدان بقرار من أبنائها. يثور الشعب، الشباب منهم، وينتفض، ويقدم الشهداء. ويكون ليل، ويكون نهار... ومن البعيد نرنو إلى المشهد، وإذ نتلقف الصورة، ندرك عملياً أن الإلكتروني منها، يمكن له أن يتحايل على السلطات، وقراراتها، عبر خيارات «البروكسي» الفيّاضة، بينما الصورة التلفزيونية تبقى محكومة بأمر الوزير، والمدير... وبالتالي فإن تحرير التلفزيون، وحرية صورته، ترتبطان جدلياً، بحرية البلدان ذاتها. ما بين تونس ومصر، يمكن لنا الاعتراف، بشيء من الخجل، بأن التلفزيون التونسي لم يشكل حضوراً يومياً في حياة المشاهد العربي. على الأقل، وبالمقارنة، بمقدار ما تشكله التلفزة المصرية. وعلى الأقل أيضاً، ومن دون شك، ارتباطاً بمقدار الوزن الإقليمي والقومي الذي تشكّله مصر، على المستويات كلها. واحدة من ثمار ثورة الشباب المصري، تتجلّى في أنه صار لدينا شاشة تلفزيونية رسمية، فاعلة ومتفاعلة، نرى عبرها من نريد، ونسمع من خلالها ما نهوى! لم يعد الأمر حكراً على سدنة نظام، ولا على ناطقين باسمه، أو مجموعة مدافعين عنه، بالحق وبالباطل. وإن كان ثمة من أمنية لشعب ما، في زمن الثورات هذه، تتلخَّص في أن يرى بلده حراً مدنياً ديموقراطياً، خالياً من الفساد... فهو أيضاً، في زمن ثقافة الصورة، وعصر البث الفضائي، يطمح، من دون شك، لأن يرى تلفزيونه محرراً، وحراً. تحرير التلفزيون، هو تحرير الصورة ذاتها، التي طالما اعتُقلت، ووُضعت في محجر!