تصلح قصة أصابع «سيف الإسلام القذافي»، موضوعاً درامياً بامتياز. إنها تكاد تختزل حكاية الصعود والسقوط التراجيدي، والنهايات ذات الدلالات التعبيرية، التي يُغرم بها المؤوّلون عادة. فأن يؤكد الطبيب المختصّ، أن أصابع هذا الرجل تحتاج إلى «بتر»، لأسباب طبية محضة، وحفاظاً على ما تبقّى له من حياة، فهو ما يعيدنا مباشرة إلى تلك الخطبة (غير العصماء)، التي أطلّ بها، عبر شاشات «التلفزة الليبية» يومها، مهدداً متوعداً الليبيين، وربما المنطقة كلها، ب «الويل والثبور، وعظائم الأمور». عندما اندلعت شرارة الثورة الليبية، انطلاقاً من الشرق، في «بنغازي»، وقبل أن يطلّ القذافي نفسه!.. امتطى «صاحب الأصبع الشهيرة»، صهوة الشاشة الليبية، في خطاب متوعّد، مهدّد، مُنذر، محذراً الليبيين من أن أمامهم خيارين، لا ثالث لهما: إما العودة إلى الاستكانة، وإلى الدعة، التي كانوا عليها طيلة أربعة عقود، من عمر «الفاتح».. أو لينسوا أن لهم بلداً، واحداً موحّداً، وأن فيه ثروة من النفط، وأن يترحّموا على أيام الأمن والاستقرار، فلن يكون أمامهم سوى القتال، حتى آخر طلقة، وآخر رجل. ساعتها، تحوّلت «الشاشة الليبية»، إلى منبر خطابة؛ لغة وعيد، وهراوة تهديد؛ فّزاعة تحاول ردع الثائرين، عمّا هم يسعون إليه، أو يحلمون به، أو يأملون. بدت شاشة التلفزيون، في أفصح وظائفها الاستعمالية، واحدة من الأدوات السلطوية، تصنّع وتسوّق رواية الحاكم، وتكذِّب وتفنّد رواية الشعب، وما بينهما بقيت «إصبع سيف» المشهورة في وجه شعبه، علامة على الانتقال بين زمنين. لحظتها انطفأ الزمن، الذي اشتغلت عليه وسائل إعلام عربية، وغير عربية، على تظهير «الشاب»- حليق الرأس، و «خريج الجامعات البريطانية»-، باعتباره رجل الانفتاح، والإصلاح، والانتقال من دولة الزعيم الأوحد، والمُطلَق، إلى دولة المؤسسات العصرية. انطفأ ذاك الزمن، تماماً مع بداية زمن جديد، بات عنوانه تلك «الإصبع» التي أعادت إظهار الفتى، باعتباره «ابن أبيه»، لا أكثر ولا أقل، بل إن الظهور المتأخر ل «الأب»، على الشاشة ذاتها، غزل على المنوال نفسه، الذي استخدمه «الابن». وفي منطق النهايات الدامية؛ التراجيدية الطابع، ومع حضرة «الصورة التلفزيونية»، التي لم تعد تترك للنسيان «مطرحاً»، مع أن التلفزيون متهم كالعادة من قبل السينمائيين بأنه «للنسيان»!.. بات من الممكن، عبر الكثير من الأساليب التلفزيونية (تقرير، تحقيق، وثائقي، إعلان)، العودة لاستذكار لحظات انصرمت، ومقارنتها ومقايستها، مع لحظات راهنة، لاستخلاص العبر، لعلها تنفع ذا عقل، وبصيرة، وقدرة، وإن بالحدّ الأدنى، على الاتعاظ؛ هذا الاتعاظ الذي يبدو أنه ما زال وكأنه ممتنع، على الكثيرين، من ذوي السلطة، والقرار. لم يعد بإمكان «سيف الإسلام القذافي»، إشهار إصبعه في وجه الشعب، ولا الاتكاء على «دراما الأصابع»؛ الداخلية منها، والخارجية. ليس لأنه افتقد مفردات السلطة، والبأس، التي كان يمتلكها، وفي مقدمها الشاشات «الليبية» ذاتها، التي كان يتحكّم بها، ويطلُّ منها أن شاء، بل لأن «غرغرينا» الثورة، كان لها الرأي القاطع، «الباتر»، وإن طبّياً، هذه المرة.