من المنتظر ان تعرض الحلقة الاخيرة من برنامج الطبيعة والطيور «طيران الأرض» الذي تبثه القناة الاولى ل «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) مساء كل خميس، أسراراً وخفايا التكنولوجيا المستخدمة في تصوير حلقات البرنامج الست، بخاصة تلك التي تخص وضع كاميرات على طيور (تستخدم للمرة الأولى على هذا النحو)، لتصور ما تراه الاخيرة، خلال هجراتها حول الارض. إطلاق وصف «الاسرار» على تكنولوجيا التلفزيون المستخدمة في تصوير البرنامج، لا يعد مبالغاً أبداً، فالتقنيات المستخدمة في برامج الطبيعة التلفزيونية خلال السنوات العشرين الاخيرة، تحمل الكثير من المفاجآت والابتكار، حتى بالنسبة الى المشتغلين في التلفزيون او المتابعين لتطوراته، لأن بعضها يتم بالتعاون (لا يتم الإعلان عنه غالباً) بين محطات تلفزيونية مختصة وشركات تصنيع معدات التصوير والصوت والاضاءة، والتي تحاول ان ترضي متطلبات هذه القنوات ومخرجي برامج الطبيعة، بإنتاج أجهزة خاصة، تصبح بعد استعمالها الاول في تلك البرامج، متوافرة لقنوات تلفزيونية اخرى، وللراغبين في اقتنائها، لتكون برامج الطبيعة احياناً، مؤشراً على حال التكنولوجيا. كما يمكن متابعة تطور الاخيرة، بالعودة الى تاريخ هذا النوع من البرامج. سحر التكنولوجيا وبالعودة الى التقنية الخاصة الاخيرة (الاستعانه بالطيور كتقنيي تصوير) والتي روّجت لها «بي بي سي» بحماسة اثناء الدعاية الخاصة بالبرنامج، فإن المشاهد التي تصور بكاميرات مثبتة على ظهور طيور مدربة - والتي وصفتها القناة البريطانية بمشاهد «العالم كما يبدو للطيور»-، تحمل سحرها الخاص، بخاصة عندما تمر الطيور في مدن عريقة، صارت معروفة للمشاهد من السينما والتلفزيون والصور الفوتوغرافية. وهنا، بدا تمثال الحرية الذي يحرس مدينة نيويورك من البحر، جزءاً من الطبيعة، واقرب الى الشيء المتحرك منه الى الحجر المصنوع على رغم ان وضوح الصورة التي تقدمها هذه المشاهد أقل من تلك التي تصورها كاميرات مثبتة بطائرات صامتة من دون طيار، وبقية المشاهد الارضية في البرنامج. ومع هذا، فإن الاهتزاز المتناغم لحركة تلك الطيور، ورأس الطير في منتصف الشاشة، واحياناً الحركات المفاجئة وغير المحسوبة التي تقوم بها الطيور، جعلت تلك المشاهد تتميز بطزاجة غير مسبوقة، وتقترب في شكل مدهش من الطبيعة. حركة الطبيعة يرافق البرنامج مجموعات مختلفة من الطيور في هجراتها السنوية للبحث عن الدفء او المأوى الموقت، كما يقدم من خمس قارات مشاهد شديدة الجمال، للحياة اليومية لهذه الطيور، وتنافسها على الطعام، وهربها الدائم من طيور اكبر حجماً تحاول ان تفترسها. كما يوجه البرنامج الاهتمام، للارض التي تمر بها هذه الطيور، جغرافياتها ومناخاتها، وعلاقتها مع الطيور، والتبدل الذي يطرأ على هذه العلاقة بفعل حركة الطبيعة ذاتها. والحديث عن برامج الطبيعة والحيوانات التلفزيونية يقود بالتالي الى الدور الذي تلعبه «هيئة الاذاعة البريطانية» منذ اربعين عاماً تقريباً في انتاج هذه البرامج، فالمؤسسة البريطانية التي تعاني منافسة شرسة من قنوات اميركية في مجال مسلسلات الدراما والجريمة، للاستحواذ على السوق الاوروبية، تهيمن في المقابل تماماً على سوق برامج الطبيعة، فلا تكاد تخلو برمجة تلفزيونية بريطانية او اوروبية من برنامج تقف «بي بي سي» وراء انتاجه، ولا يفصل زمن طويل بين نهاية عرض برنامج وبداية آخر. بل إن «بي بي سي» تنتج منذ سنوات قليلة «افلام طبيعة» خاصة بالصالات السينمائية، للجمهور المتلهف والذي لا يكفيه ما يشاهده على شاشاته التلفزيونية. ويعرض حالياً في الصالات الاوروبية فيلم «حياة واحدة» الذي يتنقل بدوره ايضاً بين قارات مختلفة، ليرصد عالم الحيوان واسراره، ويقدمها بوحشيتها وجمالها الآخاذ على الشاشات البيضاء الكبيرة.