منذ عرضه بداية العام الماضي، والفيلم السينمائي «حياة في يوم واحد» الذي أشرف على إنتاجه المخرج ريدلي سكوت، يلهم مخرجين ومؤسسات فنية وثقافية أوروبية، إذ يتم التحضير لمشاريع مماثلة في اسكتلندا، وعدد من مدن بريطانيا، من دون أن ننسى البرنامج التلفزيوني الضخم الذي انشغلت به هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» لأكثر من عام، وعرض أخيراً على شاشة القناة الثانية للمؤسسة بعد دعاية كبيرة. سار البرنامج التلفزيوني البريطاني الذي حمل عنوان «بريطانيا في يوم واحد» على خطى الفيلم الأصلي، بالطلب من أشخاص عاديين يعيشون في بريطانيا إرسال أفلام عن حياتهم شرط أن يصوّروها في يوم واحد، ليقوم بعدها المخرج (مورغان ماثيوز) وفريقه من المساعدين باختيار مقاطع منها تعرض خلال ساعة ونصف الساعة من وقت البرنامج. ومثل الفيلم الأصلي، أعلنت «بي بي سي» نيتها إنتاج البرنامج عبر شبكة الإنترنت، خصوصاً على موقع الفيديو الأشهر في العالم «يوتيوب»، للوصول إلى جمهور مهتم بأفلام الفيديو (تصويرها أو مشاهدتها)، ودعوته للمشاركة في اليوم الموعود: 12 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي. يبدأ بعض الذين ساهموا في البرنامج، بالتصوير بعد ثوانٍ قليلة من منتصف ليلة 12 تشرين الثاني، ويستمر التصوير إلى منتصف الليلة التالية. هناك بعض القصص التي ستنال اهتماماً كبيراً من البرنامج، مثل البريطاني الذي يصارع الموت والذي يصر على حضور زواج ابنته وما حملته مشاهد تلك القصة من تأثير كبير، وهناك حكاية الشاب الذي يعود إلى مدينته الصغيرة في اسكتلندا ليقابل الأم التي لم يرها خمسة أعوام بسبب خلاف عائلي. كما يفرد البرنامج اهتماماً بقصة شاب لاجئ من دولة أفريقية، يقرر أن يزور زملاءه السابقين في مركز الترحيل البريطاني، حيث يعيشون كالسجناء فيه. ووسط هذه القصص الكئيبة، تطل قصة مفرحة عن الرجل الذي يقرر أن يطلب من صديقته الزواج بعد علاقة دامت 11 عاماً... عدا تلك القصص يتنقل الفيلم بين مئات الأفلام (اختير 320 فيلماً من أصل 13 ألف فيلم أرسلت إلى البرنامج) التي عرضت في البرنامج وفق توقيت تصويرها الفعلي، مع التركيز على «ثيمات» معينة، مثل علاقة البريطانيين بالأديان، فنتابع صوراً لمسلمين ويهود ومسيحيين وهم يمارسون طقوسهم بخشوع، كما يرافق الشريط شاباً بريطانياً وهو يحمل صليباً كبيراً سائراً في مدينته لتذكير الناس بالتضحيات التي قدمها المسيح للبشرية. فيما تنوعت الموضوعات الأخرى بين علاقة البريطانيين بأطفالهم إلى شغفهم بحيواناتهم المنزلية والهوايات المختلفة التي يمارسونها. يخيم الحزن وأحياناً السوداوية على الفيلم بمجمله، فلا مسرات كبيرة تقطع رتابة الأيام التي نشاهدها على الشاشة الصغيرة. فالصباح يبدأ بتناول الأدوية عند كثر، واليوم تقطعه انشغالات ومشاكل بعضها يفجر الغضب والخيبة، وهناك الهموم الجماعية أيضاً في البرنامج. ففي إحدى الساحات البريطانية، يصور أحد المشتركين في البرنامج احتجاجات ضد جشع البنوك والشركات الكبيرة، وعلى مقربة من ذلك التجمع، نسمع نقاشاً عن الأديان والاختلافات بينها. حياة كاملة عرضها برنامج «بي بي سي» لنكون شهوداً على حيوات بأفراحها وأحزانها، إذ تختزل تلك القصص التي تمر بسرعة كبيرة على الشاشة، حياة معظم البريطانيين بطموحاتهم وأحلامهم وغضبهم وخوفهم من المستقبل. وإذا كان جزء من المشروع الفني، بعرض أفلام بشر عاديين عن حياتهم اليومية، يسعى لإفساح مساحة لرغبة التوثيق عند كثيرين، بخاصة أن الغالبية أصبحت تملك الإمكانية لتسجيل لحظات من حياتها عبر الهواتف المحمولة والكاميرا الصغيرة الشخصية، يوفق المشروع تماماً في تسخير التكنولوجيا للربط إنسانياً بين المشاهدين لينتهي كجهد اجتماعي ذي أهداف نبيلة. يبقى أنه يسعى إلى زيادة التفهم تجاه المختلفين في المجتمع البريطاني، خصوصاً أن الذين شاركوا في المشروع يأتون من طبقات وخلفيات اجتماعية وعرقية مختلفة، لكنهم يتشابهون كثيراً في تفاصيل حياتهم اليومية، وبحثهم المتواصل عن الحب والاستقرار.