فيما رجحت أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية نجاح الوساطة المصرية في تحقيق تفاهمات مع حركة «حماس» في القطاع لوقف النار، حوّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو اهتمامه من التطورات الأمنية على الحدود مع قطاع غزة، إلى اشتعال الوضع في البلدات العربية داخل إسرائيل التي شهدت في الليلتين الماضيتين أعمال احتجاج واسعة احتجاجاً على خطف الفتى المقدسي محمد أبو خضير وقتله، وسط تحذيرات المؤسسة الأمنية من أن عدم إخماد النار داخل البلدات العربية «حيث يمكن السيطرة»، سيشعل انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية «حيث سيطرتنا أقل بكثير». وأفادت الإذاعة العامة أن إسرائيل انتظرت أمس رد مصر على شروطها لعدم التصعيد العسكري في القطاع تحت معادلة «الهدوء يقابَل بالهدوء». وأضافت أن إسرائيل وافقت على تفويض مصر العودة إلى تفاهمات وقف النار التي تم التوصل إليها قبل عام ونصف العام بعد عملية «عمود السحاب». وأشار معلقون إلى أن إسرائيل بلغت مصر أن ردها الحالي على قصف بلدات الجنوب «سيكون معتدلاً» في انتظار نتائج وساطتها. ونقلت وسائل إعلام عبرية عن أوساط أمنية رفيعة المستوى قولها إنه «على رغم أن النيران تراجعت بعض الشيء، لكن ما زالت المسافة طويلة ليعلن رجال الإطفاء عن وقف النار». وأضافت أنه باستثناء المتطرفين في الجانبين، فإن جميع الأطراف يريد العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل أربعة أسابيع، وأن «أحداً لا يريد الدخول في فوضى انتفاضة ثالثة، أو حرب في غزة تنجر معها الجبهة الداخلية في إسرائيل». وقال مصدر أمني كبير إن جل نشاط المؤسسة الأمنية ينحصر الآن في احتواء احتجاجات العرب في الداخل خلال أيام لخشيتها من أن يتدحرج جمرُها في القدس إلى المدن الكبيرة في الضفة حيث نفوذ إسرائيل للسيطرة عليها أقل بكثير عنه في المدن العربية في إسرائيل». وأضاف منتقداً «الوزراء المعربدين» الداعين إلى القيام بعمل عسكري في القطاع: «لنرَ ماذا سيفعل هؤلاء الأبطال في حال سقوط صواريخ على تل أبيب وشمالها خلال العطلة الصيفية». وحملت تصريحات نتانياهو في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته تلميحاً إلى نية إسرائيل عدم التصعيد العسكري على القطاع، إذ قال إن «التجربة تثبت أنه في هذه اللحظات يجب علينا التحلي ببرود أعصاب وبمسؤولية لا بالعربدة والعنترية والتسرع». وأضاف أن «إسرائيل تعمل على جبهات عدة في آن ... الليلة قبل الماضية ضربنا أهدافاً عدة تابعة لحماس في قطاع غزة... والهدف من كل العمليات التي نقوم بها هو إعادة الهدوء والأمان لجميع المواطنين في إسرائيل وعلى رأسهم سكان الجنوب، وسنقوم بما يلزم لتحقيق ذلك». مخاوف من انتفاضة ثالثة وتطرق نتانياهو إلى التظاهرات الاحتجاجية التي قام بها فلسطينيو الداخل في الليلتين الماضيتين التي شملت إشعال إطارات سيارات وإغلاق مفترقات طرق رئيسة وإشعال النيران في مؤسسات عامة أو تخريبها ورشق الشرطة بالحجارة وسط أنباء عن محاولات مستوطنين متطرفين دخول بلدات عربية، وأعلن أن الشرطة ستتعامل بصرامة «مع المخلّين بالنظام العام والمشاغبين»، و»سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد من يخالفون القانون وضد المحرضين من أي طرف كان». وتابع: «لن نسمح برشق الحجارة على أفراد الشرطة أو إلقاء الزجاجات الحارقة أو إغلاق محاور طرق في إسرائيل وتخريب الممتلكات العامة، ولا التحريض ضد وجود إسرائيل». ومنّن نتانياهو المواطنين العرب بأنهم يتلقون مخصصات إعانة من الحكومة أسوة بسائر المواطنين، وقال: «لا يمكن إمساك الحبل من الطرفين. لا يمكن الحصول على مخصصات الأطفال من جهة، ومن الجهة الأخرى مخالفة القوانين الأكثر أساسيةً في إسرائيل». ودعا قيادات الجمهور العربي إلى «تحمل المسؤولية والوقوف ضد هذه الموجة من الاضطرابات من أجل إعادة الهدوء». وأضاف: «من لا يحترم القانون، سيُعتقل ويعاقب أشد عقاب». وتصدرت احتجاجات فلسطينيي الداخل وإغلاقهم مفترقات طرق وإشعال النيران في إطارات السيارات وتخريب مؤسسات عامة في بعض المواقع، عناوين الصحف، فاعتبرتها صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية «موجة أعمال عنف، الأقرب إلى انتفاضة»، فيما كتبت «يديعوت أحرونوت» بالبنط العريض: «البيت يشتعل». وكتبت «هآرتس: «الاضطرابات اتسعت من القدس إلى المثلث ووادي عارة والناصرة». وأعلنت الشرطة أنها اعتقلت في اليومين أكثر من أربعين شاباً عربياً بشبهة مشاركتهم في التظاهرات، وهددت باعتقال المزيد منهم. وقال وزير الأمن الداخلي اسحاق أهارونوفتش إن «الأوضاع قيد السيطرة ولا مكان للحديث عن انتفاضة ثالثة». على صلة، حذر عدد من قادة الأحزاب العربية من «انفلات الأمور» ودعوا الشباب إلى ممارسة حق التظاهر والاحتجاج لكن ليس عشوائياً وليس من خلال تصرفات غير مسؤولة. اليمين و»يد من حديد» ويثير موقف نتانياهو والمؤسسة الأمنية إلى اعتماد سياسة «الهدوء مقابل الهدوء» مع قطاع غزة، احتجاجات اليمين المتطرف المتمثل أساساً بحزبي «إسرائيل بيتنا» بقيادة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، و»البيت اليهودي» ممثل المستوطنين في الحكومة بزعامة وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، اللذين كررا أمس أن «سياسة التحلي بضبط النفس خطأ لأنها تنم عن ضعف وعدم جرأة في مواجهة المشكلة». واعتبر بينيت معادلة «الهدوء يقابَل بالهدوء» استراتيجية فاشلة تمس بالردع الإسرائيلي وتتيح لحركة «حماس» تعزيز قوتها استعداداً للجولة المقبلة. ووصف الوزير عوزي لنداو (إسرائيل بيتنا) هذه السياسة «انبطاحاً وخنوعاً شجعت العرب في إسرائيل على القيام بأحداث شغب». ودعا الوزير أوري أريئل (البيت اليهودي) إسرائيل إلى إنزال ضربة ب «حماس» الآن، طبقاً للقاعدة «من يقم لقتلك، اسبقه واقتله». وكان ليبرمان أشاد «بعمل الشرطة التي اعتقلت فوراً العرب الذين شاغبوا في المثلث». وقال إنه يتوقع من المؤسسة القضائية أن تتعاطى مع المعتقلين هي أيضاً بيد متشددة وبصرامة وتنزل بهم عقوبات «تكون رسالة رادعة وواضحة لجميع من يحمل المواطنة الإسرائيلية ويتصرف مثله مثل الإرهابيين». وأردف أن هذه الأحداث تثبت من جديد أن مكان هؤلاء المشاغبين في وادي عارة (داخل إسرائيل المتاخم للضفة الغربية) ليس في دولة إسرائيل «وحتى ذلك الحين مكانهم في السجن»، محاولاً بذلك تبرير أجندته الداعية إلى استبدال أراضي «وادي عارة» وسكانه بالمستوطنات في الضفة. أقطاب الوسط يدعون للتهدئة ورد زعيم حزب «يش عتيد» الوسطي يئير لبيد على نظرائه من اليمين المتشدد بالقول إن تصريحاتهم تزكي النار، «بينما ملقاة علينا جميعاً، نحن الوزراء، العمل على إخمادها وأن ندع العدالة تأخذ مجراها، لا أن نمنح المتطرفين اليهود والعرب على السواء إدارة شؤون الدولة». وأضاف: «لن تكون انتفاضة ثالثة لأنه أيضاً في المجتمع العربي يدير الأمور قادة معتدلون». وهدد «حماس» بأنها «تعرف أننا لن نمر بصمت على قصف الجنوب... كل قوة الجيش ودولة إسرائيل سنمارسها إذا لم يعد الهدوء إلى الجنوب... هذا لا يطاق ولن نحتمله أكثر». وقالت زعيمة «الحركة» (يسار الوسط)، وزيرة القضاء تسيبي ليفني إن الوزراء الذين يدّعون أنه يمكن حل مشكلة سكان الجنوب بسرعة ووقف الصواريخ من القطاع «يتصرفون بلا مسؤولية». وأضافت أن المعركة ضد «حماس» ستستمر وقتاً طويلاً، وأن العمليات العسكرية الماضية حققت ردعاً لزمن محدد فقط. كذلك أعلن قادة أحزاب المعارضة دعمهم «سياسة ضبط النفس» التي ينتهجها نتانياهو، وقال زعيم «العمل» اسحق هرتسوغ إنه يجب معاقبة الأفراد الذين قاموا بأعمال شغب وليس الوسط العربي كله، «وهنالك في الجانبين من يريد الاستفادة الحزبية من اشتعال الأوضاع وعودة العنف».