الخليل، الناصرة، نيويورك، باريس - «الحياة»، رويترز، أ ف ب - شهدت الجمعة الأولى بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي ضم الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل المحتلة ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم (قبر راحيل) إلى قائمة ما يسمى بمواقع التراث الإسرائيلي، تظاهرات حاشدة في مدن فلسطينية وعربية تنديداً بالقرار، كما تواصلت المواجهات في الخليل. وأدى رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض صلاة الجمعة في الحرم الإبراهيمي تضامناً مع أهالي الخليل وتأكيداً لرفض السلطة والحكومة قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وقال للصحافيين بعد الصلاة: «القرار يحمل بعداً سياسياً خطيراً ينطوي عليه من الناحية الفعلية أن هذه المناطق إسرائيلية، وهي ليست كذلك، فهي أرض فلسطينية احتلت عام 1967». وأضاف: «هذا هو السبب الرئيس والجوهري لرفضنا هذا القرار، كما هو سبب لرفضنا للقرارات والاجراءات الاسرائيلية كافة التي اتخذت منذ الاحتلال». وتابع: «في كل صلاة تقام في هذا الحرم الإبراهيمي وفي كل آذان يرفع، نؤكد ارتباطنا بهذا المكان، ونؤكد أن هذا المكان جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967... كل الشعب الفلسطيني اليوم مع الخليل. شعبنا موحد لرفضه قرار نتانياهو». واعتبر ما حدث استفزازاً، لكنه شدد على أن الفلسطينيين «لن ينجروا إلى العنف». وخرجت مسيرات تضامنية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات اللاجئين في مدن عربية تضامناً مع الأماكن المقدسة. ونشرت قوات الاحتلال الاسرائيلي قوات كبيرة من الشرطة و «حرس الحدود» في البلدة القديمة في مدينة القدسالمحتلة، وفي مدينة الخليل في محيط الحرم الإبراهيمي، لقمع المسيرات السلمية. تحركات في نيويورك وفي نيويورك، التقت مساء أول من أمس مجموعة من سفراء الدول العربية والإسلامية لدى الأممالمتحدة الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون لمطالبته بالضغط على إسرائيل للتراجع عن قرارها ضم الموقعين. وحضر اللقاء سفراء بينهم المندوب السوري بشار الجعفري بصفته رئيس وفد منظمة المؤتمر الإسلامي، والسفير الفلسطيني رياض منصور بصفته رئيس المجموعة العربية للشهر الجاري، والمندوب المصري سفير الجامعة العربية ماجد عبدالعزيز، رئيس مجموعة عدم الانحياز وممثل إيران. وقال منصور بعد اللقاء إن الوفد عبر «عن القلق من التطورات في الخليل وبيت لحم والقدس، ونريد من الأمين العام أن يستخدم منصبه للتعبير عن موقف ضد ما تقوم به إسرائيل وأن يطلب منها التراجع عن قرارها ... والأمين العام قال لنا إنه يشاركنا إحباطنا». ونقل عن بان قوله لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك خلال لقائهما أول من أمس، إن ما تقوم به إسرائيل «ليس صحيحاً». «المؤتمر الاسلامي» يدين ودان أعضاء مجموعة «منظمة المؤتمر الاسلامي» القرار الإسرائيلي بعد لقاء لهم على مستوى السفراء في الاممالمتحدة. وقال الجعفري إن المجموعة «تشدد في شكل قاطع على أهمية وقدسية هذين المسجدين للمصلين المسلمين و للتراث الإسلامي ويجب عدم التعدي عليهما أو مصادرتهما تحت أي ذريعة أو ظرف». ودعا الهيئات الدولية إلى «تحمل مسؤولياتها في اتخاذ التدابير العاجلة اللازمة». وحذر من أن هذا القرار العدواني يمثل «استفزازاً خطيراً للمسلمين وللقانون الدولي ويؤجج توترات خطيرة». «يونيسكو» تعرب عن «قلقها» من جهتها، أعربت «منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (يونيسكو) عن قلقها من القرار الإسرائيلي ضم الموقعين. وقالت في بيان أمس إن الأمينة العامة للمنظمة ايرينا بوكوفا «أبدت قلقها من القرار ومن تفاقم العنف نتيجة لذلك في المنطقة». وأضافت: «أضم صوتي إلى صوت منسق الأممالمتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط روبرت سيري الذي اعتبر أن الموقعين ليست لهما اهمية تاريخية ودينية لليهودية فحسب، بل للإسلام والمسيحية كذلك». انتقادات إسرائيلية لنتانياهو وعلى الجانب الإسرائيلي، تصدرت المواجهات المتواصلة في الخليل اهتمامات الصحف العبرية وكبار معلقيها. وتناولت عناوين كبرى الصحف تحذيرات من اشتعال انتفاضة جديدة، مشيرة إلى محاولات قادة عسكريين إسرائيليين تهدئة الأوضاع من خلال اتصالات مع قادة السلطة الفلسطينية، فيما حملت تعليقات كبار المحللين بشدة على نتانياهو لقراره، واعتبرته «قراراً غير ذكي»، وأعربت عن القلق من انعكاسات «نمط سلوك» نتانياهو على مجمل الأوضاع في الدولة العبرية والمنطقة عموماً. وأشارت الصحف إلى أن قوات الاحتلال أعلنت التأهب في صفوفها تحسباً لاتساع التحركات الاحتجاجية. وأفادت صحيفة «هآرتس» أن أوساطاً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فوجئت بقرار الحكومة في شأن المواقع الأثرية، وانتقدت عدم تبليغها به مسبقاً لاتخاذ الخطوات المستوجبة لمنع اندلاع مواجهات في الخليل. وتناولت كبرى الصحف «يديعوت أحرنوت» العاصفة التي أحدثها قرار نتانياهو المتمثلة في «تهديدات الفلسطينيين والغضب الأميركي». وحذرت من «انفجار في الخليل التي تبدو كبركان يهدد بالانفجار»، خصوصاً في حال نفذ غلاة المتطرفين اليهود مخططهم لإحياء ذكرى الإرهابي باروخ غولدشتاين الذي نفذ مذبحة بحق 29 من المصلين في الحرم قبل 16 عاماً، بمحاذاة قبره. نتانياهو: سوء فهم وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية طالبوا أول من أمس رئيس الحكومة الإسرائيلية بالظهور أمام كاميرات التلفزيون ليعلن بصوته وبملء فمه أن لا نية لإسرائيل لتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود في الضفة. وتابعت أن أركان الحكومة الإسرائيلية باشروا فعلاً بذل جهود سياسية لتهدئة المجتمع الدولي الغاضب، وكان أولهم نتانياهو الذي أعلن أن قرار حكومته «ليس سياسياً ولا يغير الوضع القائم»، معتبراً أن الغضب الفلسطيني الذي نجم عن القرار نابع من «سوء فهم». وأضاف أن «لا نية لدينا لتغيير الوضع القائم، لا في الأماكن الدينية ولا في ترتيب الصلوات، وسنحافظ على حرية العبادة لليهود والمسلمين». واشنطن تريد موقفاً واضحاً وزادت الصحيفة أن المحاولات الإسرائيلية للتهدئة لم تقنع واشنطن، وأن الأخيرة تصر على أن يطلق نتانياهو تصريحات أكثر وضوحاً تسهم في تهدئة الأوضاع. وتابعت أن نائب وزير الخارجية الأميركي جيمس شتاينبرغ الذي يترأس الوفد الأميركي إلى الحوار الاستراتيجي مع إسرائيل، نقل إلى نظيره الإسرائيلي داني ايالون تحذيره من أن تتسبب الإجراءات التي تتخذها حكومة نتانياهو بحريق كبير في المنطقة. وأشارت إلى أن الأجواء التي سادت الحوار كانت مشحونة بالغضب. من جهتها، أفادت «معاريف» أن قادة قوات الاحتلال في الضفة توجهوا إلى فياض بطلب مساهمته في التهدئة، وأن تعمل قوى الأمن التابعة للسلطة على لجم الاحتجاجات الشعبية. وتناول المعلق الأبرز في صحيفة «معاريف» بن كسبيت في مقال على صدر الصفحة الأولى ما أسماه «تراث نتانياهو»، في استعارة من «المواقع التراثية» التي أقرت الحكومة ترميمها. وكتب أنه على رغم أن «الحرم الإبراهيمي» موقع تراثي يهودي، فإن القرار الذي اتخذه نتانياهو «ليس حكيماً» ويؤكد أن الأخير لم يعتبر من «أحداث النفق» عام 1996، وأنه «إذا زأر اليمين خنع نتانياهو». وأضاف: «ثمة رياح حرب في الشمال، و(الرئيس محمود) أحمدي نجاد يُستقبل كالملوك في سورية، والولايات المتحدة تتهم إسرائيل، وعندنا نتانياهو لا يستطيع السيطرة في الخليل ولا على مجمل الأمور». وأشار كبير المعلقين في «هآرتس» يوئيل ماركوس إلى أن نتانياهو في ولايتيه كرئيس للحكومة «يتورط، بل للدقة، يورط الدولة في مسائل قابلة للاشتعال». وأضاف: «في ولايته الاولى ورط الدولة في اضطرابات دموية عقب فتح النفق بداعي أن حائط المبكى هو صخرة وجودنا، والآن قرر تحت ضغط اليمين في حكومته، ضم مغارة المكفيلا (الحرم) وقبر راحيل إلى قائمة المواقع لحفظ التراث اليهودي، وسمح بذلك لرئيس السلطة الفلسطينية بأن يهدد إسرائيل بإشعال نار حرب دينية». وتابع أن «إسرائيل تعود الى فترة ما قبل قيامها ... ايام خوف وجنون وهوس، وكأن كارثة أخرى تهددنا». وزاد أنه في تاريخ إسرائيل أقدم رؤساء لحكوماتها على «خلق حرائق لأمور لا تجلب لها منفعة حقيقية». وأضاف أن من يحدد نبرة الحكومة الحالية هما حزبا «اسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف الذي يمثل الروس و «شاس» الديني الشرقي المتزمت، «وبدل الانشغال بالأمر الأساس، فإننا ننشغل في أمور لا تؤدي إلى أي مكان. ننثر عيدان الثقاب القابلة للاشتعال التي تشعل الحرائق وتحدث أضراراً بالمكانة الدولية لإسرائيل، سواء في الموضوع الايراني أو في مواضيع السلام. بيبي (كنية نتانياهو) بقي بيبي الذي عرفناه، فارس الخوف».