تطرح حال الاضطراب السياسي التي تصاعدت في العراق، بالتزامن مع الانسحاب الاميركي، سيناريوات عدة لمستقبل العملية السياسية وادارة الحكم في هذه البلاد، لكنها في الوقت ذاته تفرز خيارات ملتبسة لجهة صعوبة تحقيق اي منها في المدى القريب. السيناريو الاول الذي عكسته الاحداث الاخيرة ومذكرة اعتقال نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وطلب اقصاء نائب رئيس الحكومة صالح المطلك، يفترض توجه «القائمة العراقية» الى الانسحاب من الحكومة التي يرأسها نوري المالكي وقد علقت حضورها اجتماعات البرلمان. هذا السيناريو يكاد يكون مشابهاً تماماً لظروف انسحاب كتلة «التوافق» السنية عام 2007 من الحكومة السابقة التي كان المالكي يراسها ايضاً، بعد اتهام زعيمها عدنان الدليمي بالتورط في الارهاب واعتقال عدد من ابنائه. لكن عدم استجابة عدد من وزراء «التوافق» وضعف الكتلة حينها لم يسمح بتغييرات كبيرة في السلطة، إذ استمر الدعم الكردي لحكومة المالكي، وهذا ما يستبعد حدوثه في حال انسحاب «العراقية» فالقادة الأكراد يؤكدون ان انهيار مشروع «التوافق الوطني» وتشكيل حكومة غالبية (جوهر تحركات كتلة المالكي هذه الايام) سيناريو مستبعد تماماً لانه يتيح المجال مستقبلاً لاقصاء الاكراد في لعبة توازنات عربية غير مستبعدة. أما «العراقية « المدعومة من السنة فلن يكون بامكانها بسهولة تمرير سيناريو آخر اعلنه القيادي صالح المطلك امس، وهو السعي الى اسقاط حكومة المالكي وتشكيل حكومة جديدة يرأسها ابراهيم الجعفري او عادل عبد المهدي. فالائتلاف الذي يجمع كل الاحزاب الشيعية «التحالف الوطني» ويشمل كتل الصدر (40 مقعداً) والحكيم (20 مقعداً) إضافة الى المالكي يعتمد في تحقيق تماسكه على توازنات دقيقة حصلت بعد عام كامل من المفاوضات فرضت خلالها كتلة المالكي حقها في رئاسة الحكومة باعتبارها اكبر الكتل الشيعية، ولن تقبل بأي حال التنازل عن المنصب، فيما تتدخل اعتبارات أخرى تتعلق بطبيعة الصراع في المنطقة والاستقطاب المذهبي الاقليمي في جعل تشظي الائتلاف خياراً صعباً، على رغم ان «العراقية» حاولت في مراحل مختلفة استمالة الصدر والحكيم لتشكيل حكومة بعيداً من المالكي. رئيس كتلة «العراقية» اياد علاوي كان دعا بدوره الى ابدال حكومة بحكومة تسيير اعمال الى حين اجراء انتخابات جديدة، في تجديد لمطلب سبق له ولعدد من قادة «العراقية» طرحه ويتضمن اجراء انتخابات مبكرة، تبدو بدورها صعبة التحقق، في ضوء انتهاء مهام الهيئة المستقلة للانتخابات والحاجة الى تشكيل هيئة جديدة واقرار قانون جديد لن يكون متاحاً الا بقرار برلماني يصعب الوصول إليه من دون موافقة كتلة المالكي. ويبرز سيناريو آخر يشير الى امكان نجاح رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني وزعيم تيار الصدر مقتدى الصدر في تفعيل مبادرات لجمع الاطراف السياسية للاتفاق على حل للمشكلات العالقة وتنقية الاجواء، في ما بينها والتوقيع على ميثاق شرف لمرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي. لكن حدوث هذا الامر ليس يسيراً في ضوء وصول التصادم السياسي الى مراحل من الصعب العودة عنها في جلسة «مصالحة» بعد فشل مبادرات جاءت في اجواء اقل توتراً. السيناريو الاقرب إلى الواقع في ضوء التجارب يشير الى استمرار الوضع الحالي على اضطرابه، وتعليق مذكرة القبض على الهاشمي وعدد من قادة «العراقية» من دون ابطالها، في انتظار الانتخابات المقبلة عام 2014. ف «العراقية» ليس من مصلحتها، على ما يؤكد قادتها ابقاء مقاطعتها للبرلمان لحاجتها الى ترتيبات سياسية وانتخابية وحل مشاكل المحافظات المتأزمة ما يفقدها فرصة التدخل لتعديل قوانين قد لا تنسجم مع مصالحها، فيما كتلة المالكي «دولة القانون» لن يكون في مصلحتها احداث قطيعة واسعة النطاق مع الاوساط والمدن السنية قد تقود الى انفصال حقيقي للسنة في نطاق الاقاليم وحدوث تغيير كبير في توازنات المنطقة. المقربون من المطبخ السياسي العراقي يشيرون الى ان دول المنطقة ليس من مصلحتها ايضاً تقسيم العراق، على الاقل في الوقت الحالي، ما قد يولد حروباً وحواضن متنافرة على مقربة من حدودها، في انتظار ان ينجلي غموض الموقف الاميركي من مستقبل هذا البلد، خصوصاً بعد اشارات متضاربة إلى أن دور واشنطن في الاشتباك السياسي يكمن في حصول المالكي على ضوء اخضر من واشنطن خلال زيارته الاخيرة لتصعيد مواقفه ضد خصومه، فيما يؤكد آخرون ان قادة العراقية يتلقون دعماً اميركياً للغرض نفسه عبر بوابة تركية وعربية.