ينتظم رعاة الدواب في جبال جازان وسهولها في مهنتهم كل يوم من رمضان، عبر أعمال أشبه بالأعمال الرسمية للموظفين في القطاعات الحكومية والخاصة، التي اعتادوا على القيام بها بمستوى عال من الانضباط، من دون أن يتخلف أحد منهم، مستحدثين «شفتاً» جديداً خلال فترة العصر تفادياً لارتفاع درجة الحرارة. العاملون في تربية الدواب من الأغنام والأبقار تحديداً، لا يعتبرون العمل في رمضان مشقة مضاعفة كما جرت العادة عند الموظفين الرسميين في المنظمات المختلفة، التي يتقاضون منها أجراً نهاية كل شهر، لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة وتزامن شهر رمضان مع موسم الصيف. الراصد لمنطقة جازان يجد رعاة البقر والأغنام منتشرين في قرى الخوبة والعارضة والمناطق الجبلية على وجه الخصوص خلال الساعات الأولى من كل يوم رمضاني، ضاربين بمشقة العطش والجوع عرض جبال المنطقة غير مبالين بالفروقات المالية بينهم وبين الموظفين الحكوميين، بيد أنهم لا يرجون من مهنة الرعي سوء العناية بدوابهم التي تعد مصدر رزق وحيداً لغالبيتهم، ولم يلقوا بالاً لمساعدات وزارة الزراعة التي تعطى للرعاة بشروط مشددة. فاطمة الكعبي تجاوز عمرها ال80 عاماً، ولم تتغيب يوماً عن رعي أبقارها حتى وهي صائمة، تستظل بظل شجر «السدر» تارة و«الضبر» و«الدوم» تارة أخرى، حتى تنتهي أبقارها من الرعي والشرب من مياه الأودية الجارية، التي تخشى الكعبي جفافها بسبب ارتفاع درجة الحرارة، ما يعني أن المسنّة ستتحمل عبء السقاية لأبقارها وهي صائمة. أوقات الرعي في شهر رمضان اختلفت بحسب فاطمة الكعبي عن أيام العام الأخرى، فبعد أن كانت تبدأ يومها بعد شروق الشمس، تخرج فاطمة ورفاقها من رعاة الماشية للرعي بعد صلاة الفجر مباشرة، للاستفادة من برودة الطقس قبل أن تحتد أشعة الشمس اللاذعة، التي تجبرهم على العودة إلى منازلهم. مستوى الإقبال على الرعي في هذه الأيام من الصيام والقيام والعبادة المضاعفة في الأجر تحدثت عنها فاطمة الكعبي إلى «الحياة»، بقولها: «جميع الرعاة ينتظمون ويلتزمون برعي الماشية التي يملكونها خلال أيام الصيام، وما يختلف عن بقية أيام الفطر هو تقديم وقت الرعي، فعوضاً عن الرعي بعد طلوع الشمس أصبح الرعاة يخرجون بدوابهم بعد صلاة الفجر مباشرة، إلى أن تبدأ أشعة الشمس في الارتفاع، لنعود بها إلى منازلنا خلال فترة الظهيرة، فجميع رفاقي من الجنسين نسير على النهج ذاته». إلا أن الصيام فرض على رعاة الدواب «شفتاً» آخر عن الصباح بسبب ارتفاع درجة الحرار، يتولاه الرجل الذي يبدأ من بعد صلاة العصر إلى قبل أذان المغرب، فيما تتفرغ النساء لإعداد الإفطار للصائمين. دمهنة الرعي لم تكن وحدها المهنة التي تمارسها فاطمة الكعبي ورفاقها، بل أضافوا إليها جمع الحطب الذي يستفيدون منه في الطهي، لاسيما وأن حياتهم المعيشية لا تزال تقليدية، نظراً إلى الظروف المالية من جهة والعادة التي جروا عليها، ويرون في التخلي عنها مصدر قلق وانسلاخ من ثقافتهم طبقاً لما أكدت الكعبي. أحمد شراحيلي رجل سبعيني لم يسبق له العمل إلا في رعي أغنامه التي تجاوز عددها 109 من الضأن والماعز، حرص أن يسكن في موقع قريب من قريته الجابري التابعة لمنطقة الخوبة الحدودية، التي اضطروا للنزوح منها جراء أحداث الحرب على الحوثيين، لما يتوافر فيها من سبل الرعي، مكتفياً برعي أغنامه خلال فترة المساء خلال شهر رمضان، إلا أن نظيره أحمد النخيفي راعي إبل لا يجد حرجاً من رعي ماشيته بعد صلاة التراويح في منطقة قريبة من منزله لفترة قصيرة لا تتجاوز الساعة الواحدة، معتمداً على الأعلاف في تغذيتها خلال رمضان.