تتركز المنازل المبنية من القش أسفل المرتفعات الجبلية في منطقة جازان، وتمتاز ببساطة العيش فيها وانسجام سكانها ومقدرتهم على الصيام فيها في شكل طبيعي على رغم صعوبة الظروف المحيطة بهم، وأصبحت تلك المنازل شبه مهجورة بعد أن تركها أصحابها جراء النزوح بعد فترة الحرب على المتسللين. وقال أحد سكان المنازل المصنوعة من القش والجريد م. هزازي (في العقد السابع من عمره) ل«الحياة»: «تعودنا على العيش في هذه المنازل منذ القدم، وحياتنا فيها طبيعية ولم نفكر في الحياة في المنازل الحديثة». مشيراً إلى أنهم يرشون سقف منازلهم بالماء ومع هبوب الرياح تصلهم ذرات المياه وتلطف من حرارة الأجواء، وأثناء القيلولة يبللون قماشاً خفيفاً بالماء ويلتحفون به فتنعشهم ولا يتأثرون بحرارة الجو. وعن أنواع المباني قال هزازي إن المباني المصنوعة من القش والمتعارف عليها في قراهم النائية والحدودية فهي على أربعة أنواع أشهرها العشة وتبنى على شكل مثلث دائري سقفها حاد من الأعلى ويتم بناؤها من الجريد في شكل هندسي مرصوص دائري إلى الثلث الأول، وبعدها يضيق إلى الأعلى إلى أن تلتقي في النهاية في زاوية حادة وبعدها يتم ترتيبها بالطين من الداخل، ومن الخارج يتم حضوها بالقش إلى أن تتم تغطية الثغرات كافة، وبعدها يتم حبك حبال «الحلفا» وربطها في شكل منسق من الأعلى إلى الأسفل. وأضاف: «النوع الثاني هو العريش ويكون في الجزء الأسفل مستطيلاً والأعلى على شكل مظلة منسدلة إلى اليمين واليسار لتصريف مياه الأمطار انسيابياً حتى لا يدخل المطر داخل العريش. أما النوع الثالث وهو (الصبل) يستخدم للمقيل، وهو عبارة عش يقوم على ستة قوائم جانبية يسقف بالحشائش والقش والقصب من دون تغطية جوانبه، وهذا يستخدم لاستقبال الضيوف كمنطقة مفتوحة يسمح لدخول الهواء إليهم. وأن النوع الرابع وهو المنزل البسيط يبنى من الجريد والقش ويسمى ب(الخدروش)». وعن توافر المياه وطرق جلب الطعام قال هزازي: «لا زلنا نعيش على طبيعة آبائنا وأجدادنا، فالحمير تنقل لنا المياه في جرار من الأودية والآبار إلى منازلنا، ونعتمد كثيراً على الدواب كالأبقار والأغنام والضأن ونستفيد من ألبانها ولحومها والسمن في معظم وجباتنا»، وأضاف: «وبالنسبة للخضراوات والبقول كالملوخية والجرجير والباميا والبصل الأخضر والقوار والدجر، فالأمطار لا تنقطع عنا ونزرع الأراضي ونجمعها منذ الصباح الباكر ونضعها في (زنابيل) من الحصير ونتجه بها بعد صلاة الظهر إلى مدينة الخوبة لبيعها على الصائمين ونشتري مما نكسبه بعض الأغراض الأساسية لمنازلنا ونعود قبل صلاة المغرب إلى منازلنا». وأشار إلى أن وجبات الإفطار الرئيسة لا تخلو من الخضراوات والحبوب والألبان المصنعة محلياً من حليب الأبقار، إذ يخضّون الحليب في مخضّة تسمى (الدبية) ومن ثم يفرزون اللبن من السمن. وأكد هزازي أنهم في غنى عن الكهرباء والضوضاء، فحياتهم بهذه الطريقة بحسب تعبيره، متأقلمة مع الطبيعة، مشيراً إلى أنهم يستعينون بالفوانيس في المساء إلى وقت نومهم، وإذا احتاجوا إلى الضوء يستخدمون الكشافات اليدوية. وقال هزازي عن صيام الأطفال: «لا نجبرهم على الصيام حتى لا يعطشون أثناء لعبهم في النهار». وأن أبناءهم الذين تعدوا ال15 عاماً يساعدونهم على رعي الدواب في المراعي المحيطة بمنازلهم وهم يستمتعون بالرعي بجوار الأودية التي تجري في صفة دائمة. وعن زيارة الناس لهم، أشار هزازي إلى أن هناك أقارب لهم تركوا العيش معهم في تلك الأبنية، وعاشوا حياة التمدن والحضارة، إلا أن حنينهم لعيشهم الماضي يقودهم إلى زيارتهم ما بين فترة وأخرى، وأن هناك بعض المهتمين والسياح يقصدون ديارهم لالتقاط الصور ومشاهدة المناظر الطبيعية أثناء هطول الأمطار وجريان السيول. من جهتها، أفادت مسنة تسكن عشة وتبيع بعض الأواني الشعبية المستخدمة في رمضان بسوق الخوبة، بأن معظم الأواني التي تستخدم في العشش والعريش هي المصرفة والمهجان «سفرة من الحصير» والتنانير «الميفا» ومخضة اللبن «الدبية» وأن هناك قرى كثيرة في الخوبة ما زالت تستخدم هذه المنازل ولم يستغنوا عنها على رغم وجود المنازل الحضارية الحديثة، وأضافت: «العشة تكفي للعيش فيها من 10 إلى 20 عاماً بحسب قوة بنائها وتحملها لعوامل الطبيعة والأمطار»، مشيرة إلى أن العريش والخداريش قد تتعرض للتلف ويقومون بجميع الجريد والقش لبناء مسكن جديد بجوار المسكن القديم. وأشارت إلى أنهم يصومون رمضان منذ صغرهم وقد تعودوا على رغم عدم توافر مكيفات الهواء، وإذا لزم الأمر فوجود «المراوح» كافٍ. ويمارسون عملهم طبيعياً من الصباح في إطعام الدواب والأبقار ورعيها إلى وقت الضحى، ويأخذون قيلولة إلى بعد الظهر، وبعدها يقومون بتجهيز متطلبات الإفطار وأنهم لا يجدون أي مشقة في الصيام.