اليوم أول أيام شهر رمضان المبارك، فكل عام وأنتم بخير، تقبل الله منكم الصيام والقيام، وجعل مقدم هذا الشهر خيرا على أمتنا الإسلامية ورزقها رؤية الحق ووفقها إلى اتباعه وكتب لها بذلك النصر المبين على جهلها وضعفها وتشرذمها وهوانها الغارقة فيه. يأتي رمضان هذا العام وجراح كثيرة تنزف في جسد أمتنا العربية، فعسى الله أن يمن عليها بفرج قريب فيبدل الضعف قوة، والهزيمة نصرا، والهوان عزة وعلوا. يحل رمضان هذا العام في قلب فصل الصيف، ومن طبيعة الصيف إلى جانب شدة الحرارة، طول النهار وقصر الليل، فيزيد ذلك من وطأة الصيام على الصائمين. ولابن الرومي الشاعر العباسي المعروف، أبيات يصف فيها تجربته في صيام رمضان في فصل الصيف ومدى إحساسه بمشقة الصيام في الحر يقول فيها: شهر الصيام مبارك ما لم يكن في شهر آب خفت العذاب فصمته فوقعت في نفس العذاب اليوم فيه كأنه من طوله يوم الحساب والليل فيه كأنه ليل التواصل والعتاب ابن الرومي كان عابثا لاهيا، أما الأتقياء فإنهم يتحرجون من التذمر من قسوة الصيام خشية أن يذهب أجرهم، فهم ينتظرون من ربهم زيادة في الأجر بزيادة المشقة، ومع ذلك، قد يكون من الجور لوم ابن الرومي على تذمره من الصوم في الحر، ففي أيامه لم يكن مهيأ للناس مثل ما هم فيه الآن من ترف التنعم بمكيفات الهواء البارد، تلاحقهم في بيوتهم ومقار أعمالهم وعلى الطريق داخل سياراتهم، حتى لا يكادون يميزون في أي فصل هم صائمون، فشتان بين صائم تحت نسائم المكيف الناعمة وصائم يعاني من هبوب السموم. إلا أنه ليس كل الناس في عصرنا هذا يعيشون حياة مترفة، فهناك من يعانون قسوة الصيام في الصيف كما كان يعانيها ابن الرومي، وأعني بهم أولئك الذين يمارسون العمل تحت أشعة الشمس مباشرة، في الرعي وفي المزارع وفي أعمال البناء وتشييد الطرق وتنظيم حركة السير وحراسة المداخل، وفي المطابخ وبجانب الأفران قريبا من اللهب، وفي المصانع وفي مصافي الزيت وغيرها من أعمال تؤدى في بيئة ترتفع فيها درجة الحرارة. وهذا يدفعنا إلى الثناء على وزارة العمل التي أخذت الجانب الإنساني بعين الاعتبار، فحظرت العمل في ساعات الظهيرة التي يزيد فيها توقد حرارة الشمس. إلا أنه في شهر رمضان وسط هذه الحرارة المرتفعة، يبدو الاكتفاء بحظر العمل في ساعات اشتداد الحرارة مناسبا للعمال غير المسلمين الذين لا يصومون، أما العمال الصائمون فإنه من الرحمة بهم أن تكون أوقات أعمالهم في الليل أو بعد صلاة الفجر مباشرة تجنبا للعمل في ساعات سطوع الشمس الحارة. تقبل الله من الجميع.