رفض معظم مقدمي ومقدمات البرامج التلفزيونية المعروفة في القنوات الهولندية الرسمية والخاصة، في تحقيق أجرته صحيفة هولندية مهمة حول أداء القنوات التلفزيونية الهولندية قبل أشهر، الحديثَ عن انتماءاتهم السياسية والفكرية. واعتبروا أن الربط بين خلفياتهم السياسية «المفترضة» وأدائهم الإعلامي، إهانة كبيرة لمهنيتهم وحياديتهم، والتي يجب أن تبقى بعيدة من أية توجهات فكرية خاصة. التحقيق كشف أيضاً عن الأسى الذي يحمله هؤلاء من الهجمات التي يشنها حزب «الحرية الهولندي»، والذي يقوده اليميني المتطرف خيريت فيلدرز، منذ سنوات على الإعلام الهولندي التقليدي. إذ وصف فيلدرز هذا الإعلام بأنه أحد أسباب «خراب» البلاد، وبأنه خذل المواطن الهولندي العادي عندما نسي الذين يعدون سياساته، مشاكل هذا المواطن، واتجهوا إلى تمجيد نظريات «بالية»، مثل المجتمع الهولندي «المتعدد الثقافات»، والذي يوفر الفرص والظروف المناسبة لكل أفراده وعلى اختلاف إثنياتهم للعيش بتناغم! لم يكتفِ حزب «الحرية» بتوجيه نقد شرس ومستمر لما يقدمه الإعلام الهولندي، بل دعا إلى إعلام «بديل»، يعبر عن «هولنديين مغيبين»، لا يصل صوتهم إلى الشاشات. بل إن الحزب وبعد فوزه المدوي في انتخابات العام الماضي في البرلمان الهولندي، اعتبر أن غياب الإعلام عن تمثيل ما يقارب مليون هولندي ممن صوتوا له، يعد فضيحة يجب أن تتوقف. دعوات حزب «الحرية»، وجدت في النهاية من يستجيب لها في الوسط الإعلامي الهولندي نفسه، لتنطلق في بداية العام الماضي، مؤسسة «هولندا الصاحية» الإعلامية والتي انضمت، وبسبب حصولها على الدعم الشعبي الكافي، إلى مؤسسات الإعلام الرسمي الهولندي، لتحصل على ساعات بث يومية محددة في القنوات التلفزيونية الرسمية ومحطات الراديو التي تتلقى دعماً حكومياً مالياً. ولكن، وبسبب خلافات عصفت بالمؤسسة الجديدة، تأخرت الإطلالة التلفزيونية ل «هولندا الصاحية» عن الوقت المحدد حتى بدأت برامجها الجديدة بأخذ الهوية «المنشودة» التي سعى إليها الذين يقفون خلفها، والتي عبروا عنها مراراً، بأنها ستكون مختلفة كثيراً عما يقدم في الإعلام التقليدي. تبدو الفروقات واضحة كثيراً بين ما يقدم على «هولندا الصاحية» من برامج، ومثيلاتها من القنوات الهولندية الأخرى. فالانتباه يتجه في البرنامج الإخباري الذي تعده المؤسسة ويقدم كل صباح على القناة الأولى، إلى القضايا المحلية، مع التركيز وبعاطفة كبيرة، على المواضيع التي تثير عواطف المشاهد، وبخاصة تلك التي تتعلق بضحايا الجرائم، من مسنين أو أطفال. على الجانب الآخر، وفي تغطياتها للأخبار حول العالم، تقوم المؤسسة الإعلامية الجديدة، باستضافة مجموعة مثيرة للجدل من كتّاب محليين معروفين بتوجهم المتشدد حول قضايا معينة. فأحد الكتاب الهولنديين المتطرفين بانحيازه لدولة إسرائيل، والتي يحمل جنسيتها، تحول إلى معلق دائم على ما يجري في منطقة الشرق الأوسط. وكاتب آخر معروف بقربه من اليمين الأميركي المتشدد، احتل منصب «محلل» ثورات الربيع العربي. لكنه لا يتوقف عن البحث عن أسباب للتشاؤم مما يحدث في المنطقة، «مبشراً» بخريف عربي آتٍ سريعاً. وعلى رغم أن من المبكر الحكم على نجاح أو سقوط هذا النموذج الإعلامي الجديد، وقدرته على جذب جمهور دائم، إلا أننا بالتأكيد أمام ظاهرة جديدة على الإعلام الأوروبي، حيث يتزلّف الإعلام للشارع، ناسياً مثله وهويته وأحيانا أخلاقياته، ليقترب من الإعلام اليميني في الولاياتالمتحدة، كنموذج قناة «فوكس» التلفزيونية، والتي غالباً ما ترد في هولندا نفسها، في سياقات الحديث عن إعلام فوضوي ذي أجندات خاصة. الإعلام الرسمي في هولندا، والذي يحصل على دعم حكومي، يتألف من مؤسسات إعلامية تتشارك في زمن البث التلفزيوني والإذاعي على محطات الراديو الحكومية، حيث يمكن أي مؤسسة تحصل على أعضاء يصل عددهم إلى حد معين، الحصول على ساعات بث تناسب عددهم.