هل تنجح الحكومة الهولندية الجديدة بتركيبتها الفريدة من نوعها في تحقيق حكومة أقلية مستقرة؟ لقد وقعت الأحزاب الثلاثة على اتفاقين مختلفين للحكم اعتبرا تاريخيين. الأول يشمل ما اتفق عليه الأطراف الثلاثة، والثاني يتضمن تفاصيل ما تم الاتفاق بين الحزب المسيحي الديموقراطي والحزب الليبرالي فقط. خيرت فيلدرز لن يوقع على الاتفاق الثاني، لكنه وعد بعدم إسقاط الحكومة لتحقيق مطالب حزبه. يريد الاتفاق الحكومي الجديد توسيع حرية التصرف إزاء المعاهدات الأوروبية القائمة والتي تنظم الهجرة والاندماج كما نص عليها الاتحاد الأوروبي، وإذا لزم الأمر فإن الحكومة الجديدة ستعيد مناقشة هذه المعاهدات من اجل تغيير توجهات الاتحاد. الاتفاق يدعو إلى تقليص الهجرة إلى خمسين في المئة وهو أهم مطلب من مطالب الحزب اليميني المتطرف على رغم أن ذلك ينتهك دستور الاتحاد الأوروبي. لن يشارك احد من نواب حزب الحرية (بزعامة خيرت فيلدرز) في الحكومة الجديدة ولن يكون لديه أي وزير، لأن الاتفاق الأول ينص على إن الحكومة ستتألف من اثني عشر وزيراً فقط يتقاسمها الحزبان الرئيسان مناصفة. مارك روته الذي من المؤكد انه سيشكل الحكومة أطلق عليها اسم «حكومة روته - فرهاخن» في إشارة إلى تقاسم السلطة مع زعيم الحزب الليبرالي فرهاغن، في مقابل دعم حزب فيلدرز حزب الحرية في مجلس النواب. الولادة القيصرية للحكومة الجديدة مع السياسة التي ستطبقها تنذر بسقوطها قبل أن تكمل عامها الأول، إذ عاشت هولندا أزمة سياسية في العام 1977 استمرت 208 أيام حتى تشكلت حكومة جديدة، لكن العراق حطم هذا الرقم القياسي بيوم واحد حين اختار الائتلاف الوطني نوري المالكي كمرشح لرئاسة الوزراء بعد 209 أيام «. تفاصيل الاتفاق الثاني ستدفع الحكومة الهولندية الجديدة إلى ممارسة «إرهاب الدولة» إزاء المهاجرين والمجتمع الهولندي برمته، فالشعار الذي رفعته هو «الحرية والمسؤولية»، لكن أين هي الحرية وكذلك المسؤولية في طرد عشرات الآلاف من المهاجرين لم يحصلوا على تصريح بالإقامة رغم وجودهم في البلد منذ سنوات؟ أين المسؤولية في خنق المواطن الهولندي بإجباره على التقتير وتوفير 18 بليون يورو هذه السنة؟ نشرت إحدى الصحف الهولندية «مترو» التي توزع مجاناً مانشيتاً عريضاً يقول: «الاندماج أو العودة إلى البلد الأصلي»، في إشارة لا تقبل التأويل إلى الجاليات العربية والمسلمة في الأراضي الواطئة، ذلك إن مطلب خيرت فيلدرز في ما يتعلق بهجرة الأجانب، بالإضافة إلى حظر النقاب، يستثني المهاجرين من أوروبا الشرقية. الأمر الأخر الذي ينبغي على المهاجرين القيام به هو محاولة التخلي عن الجنسية الأصلية والاحتفاظ بالجنسية الهولندية فقط كشرط نهائي للاندماج في المجتمع الهولندي. واحد من بنود الاتفاق الثاني يتعلق بالمساعدات التي تقدمها هولندا إلى العالم الثالث يقضي بتقليص المساعدات واقتطاع مبلغ 900 مليون يورو ستذهب إلى تمويل ثلاثة آلاف شرطي إضافي لتقوية الأمن. يقضي الاتفاق أيضاً تقليل المساهمة في الاتحاد الأوروبي من اجل دعم الرعاية الصحية لكبار السن بتعيين 12 ألف ممرض وإنشاء شوارع جديدة. وفي ما يتعلق بالصحافة سوف تقلص قنوات التليفزيون والإذاعات الرسمية، وقبل ذلك أغلق الكثير من المؤسسات الثقافية والفنية قبل تشكيل الحكومة لأنها «غير ضرورية الآن» كما عبر أحد النواب في ندوة تلفزيونية. ما الذي تحقق لخيرت فيلدرز اليميني المتطرف في مقابل دعمه لحكومة الأقلية هذه؟ تقليص عدد المهاجرين إلى النصف والحظر الشامل لارتداء النقاب وعدم السماح لموظفي الشرطة ووزارة العدل بارتدائه. منح الجنسية بشكل مشروط للمهاجرين الجدد، على أن يتم سحبها عند ارتكابهم جريمة خلال السنوات الخمس الأولى مع إن ذلك يخالف قوانين الاتحاد الأوروبي. زيادة عدد الشرطة إلى ثلاثة آلاف عنصر إضافي من اجل القضاء على إرهاب الشارع. استحداث شرطة الحيوانات، حيث سيقوم 500 شرطي بتأمين الرعاية للحيوانات. رفع حظر التدخين في المقاهي الصغيرة. مع ذلك لم يحقق خيرت فيلدرز كل ما كان يصبو إليه في هذه الحكومة القلقة، فالقرآن الكريم لن يحظر ولن تفرض ضريبة على النقاب والمسلمون لن يرحلوا دفعة واحدة إلى بلدانهم الأصلية، خصوصاً انه متهم بإثارة الكراهية ومعاداة الإسلام وعليه أن يحضر أمام المحكمة بين وقت وآخر. إذن حكومة يمينية مرتجاة في هذا البلد الصغير الذي يشكل المسلمون فيه نسبة ستة في المئة من مجموع عدد الأجانب الذي يصل إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون تقريباً. لا شك في أن الأيام القادمة مع تطبيق السياسة الجديدة ستظهر آثارها في الشارع الهولندي المحتقن أصلاً لكي يتمكن المتابع لهذا الشأن من قراءة الانقلابات التي حدثت في المجتمع الهولندي بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وهي على كل حال انقلابات سريعة قلبت أسطورة «المجتمع المتسامح» التي طالما كنا نسمعها في السنوات الثلاثين الماضية. شيء واحد يوحي بالانقلاب الجديد هو عودة التابو الديني في المجتمع الهولندي الذي يوصف عادة بالمجتمع المتحرر، من خلال تخلي النساء الهولنديات عن الموضة الجديدة وكن لا يتورعن عن ارتداء الملابس الفاضحة وهو ما لم نعد نراه لا في الشارع ولا على شاطئ البحر. أكثر ما يضحك في اتفاق الحكومة الجديدة إن رجال الشرطة سيحصلون على نسبة جيدة من مبالغ المخالفات التي يرتكبها القاطنون في هولندا، سواء كانوا مواطنين أو مهاجرين، مهما كان نوع هذه المخالفات، لكن المؤكد في الأمر وهو ما يتداول في الشارع الآن، إن هذه النسبة ستكون كبيرة، والضحايا هم المهاجرون بالتأكيد. * كاتب عراقي.