يفشل الصحافي يوست بان دير فالك، مخرج فيلم «خيريت فيلدرز... الفيلم» الذي عرضته القناة الثالثة الهولندية أخيراً، في اجراء مقابلة مع السياسي الهولندي «الظاهرة» خيرت فيلدرز. هو يقترب منه كثيراً. ينتظره امام قاعات اجتماعات البرلمان الهولندي. يضع الميكروفون امام وجهه. لكنّ زعيم «حزب الحرية» الهولندي المعروف بتصريحاته العدائية للإسلام كان مصراً على قراره في مقاطعة وسائل اعلام هولندية بعينها، وبخاصة القنوات التلفزيونية التي تتلقى اموالاً من الحكومة الهولندية، والتي وصفها في اكثر من مناسبة بأنها يسارية التوجه، وأنها احد اسباب تراجع احوال البلد في العقدين الأخيرين. وبين كل محاولة وأخرى للقاء فيلدرز، يقدم الفيلم محطات من حياته، طفولته، شبابه، حياته السياسية المبكرة كأحد اعضاء «حزب الشعب للحرية والديموقراطية»، قبل ان يطرد منه عام 2004، ليبدأ بعدها بتأسيس حزبه الخاص. كما يتطرق الفيلم الى ظروف صناعة فيلم «الفتنة» المناهض للإسلام الذي أنتجه وروّج له، ونجاح حزبه في الانتخابات الأخيرة ب 24 مقعداً، لينضم للمرة الأولى الى الحكومة الهولندية التي تشكلت قبل اسابيع قليلة فقط. ويلتقي الفيلم مجموعة من الناخبين الذين فضلوا السياسي المتشدد على سياسيين هولنديين عريقين. ويكشف هؤلاء في تلك اللقاءات عدم رضاهم عن اداء الأحزاب الهولندية التقليدية، وخوفهم من تزايد اعداد المسلمين. ويذكرون امثلة صارت شائعة في الحياة اليومية الهولندية، عن ارتفاع اعداد المسجونين بين الشباب المغربي، والذين يشكلون الجالية المسلمة الأضخم في هولندا نسبة الى عدد السجناء الكلي في البلد، كما يشيرون الى نسبة البطالة بين المسلمين. كذلك يفرد الفيلم مساحة للحديث عن علاقة فيلدرز بإسرائيل، التي قضى فيها سنة من شبابه، وهي الفترة التي ستغير حياته بالكامل، ليتحول الى اكثر سياسيي أوروبا تأييداً للمشروع الصهيوني. بل ان الفيلم الذي سافر الى اسرائيل وأجرى مجموعة من اللقاءات مع أناس عرفوا فيلدرز في تلك الفترة او لا تزال تربطهم به علاقة، يوحي بأن الاستخبارات الإسرائيلية جندته في ذاك الحين. كذلك يتعرض لموضوع المساعدات التي يتلقاها الحزب الذي اسسه من شخصيات اسرائيلية في اسرائيل او اميركا، وهو الموضوع الذي يرفض فيلدرز الحديث عنه نهائياً. لا يقدم الفيلم الكثير من الوقت لخصوم فيلدرز. فباستثناء لقاءات سريعة مع هولنديين من اصول مغربية ولقاءات قصيرة مع زملاء سابقين له، يبقى الفيلم مع فيلدرز والظاهرة التي يشكلها، وعلاقتها بهولندا المعاصرة، والمشاكل التي تعيشها لأسباب تاريخية او عالمية ليس لها علاقة بالضرورة بأخطاء سياسية في البلد الذي كان يعرف بأكثر البلدان تسامحاً في العالم. ولأن الفيلم منح اهمية كبيرة لإمكان اجراء مقابلة مع فيلدرز، وقدم لقطات طويلة لحوارات على الهاتف بين المخرج والمكتب الإعلامي الخاص بالسياسي الهولندي لترتيب هذا اللقاء، بدا ناقصاً من دونها. فعلى رغم ان كثراً صاروا يعرفون ما الذي يمكن ان يتحدث به الرجل، ضيّع الفيلم فرصة البحث في شكل اعمق عن ظاهرة «فيلدرز» الهولندية، وكيف يمكن اعتبارها احدى نتائج العولمة الجديدة. ألم يقل فيلدرز نفسه أن ما يحدث في الشرق الأوسط وفلسطين وإسرائيل يؤثر بقوة على أحياء امستردام؟