بعد سنوات من وقف عرض برامج تلفزيونية هولندية الإنتاج خاصة بشهر رمضان، عاد التلفزيون الحكومي الهولندي أخيراً عن هذه الخطوة، إذ يعرض منذ بداية الشهر الكريم برنامج «نشرة رمضان» على شاشة القناة الثانية. وإذا كانت القنوات الرسمية الهولندية لم تتوقف تماماً عن عرض برامج وأفلام عن المسلمين وشهر رمضان، منتجة غالباً في دول أخرى أوروبية أو في تركيا، إضافة إلى عرض تقارير قصيرة، من إنتاج القنوات نفسها، عن مسلمي هولندا، إلا إن البرامج التلفزيونية الكبيرة غابت، لأسباب ترتبط بالتأكيد بالمناخ العام المتأزم الذي ساد هولندا في السنوات العشر الأخيرة، ومنذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ومقتل المخرج الهولندي تيو فان كوخ على يد متطرف من أصول مغربية عام 2004، والذي أعقبه الكشف عن مجموعة مسلحة لهولنديين من أصول مسلمة، كانت تخطط لتفجيرات داخل هولندا. أمام هذا الواقع أضحى تناول شؤون المسلمين في برامج تلفزيونية يمر بقنوات معقدة، حتى بالنسبة إلى القنوات الرسمية، والتي يعرف عن العاملين فيها تعاطفهم مع المسلمين في هولندا. وهو التعاطف الذي جعل السياسي اليميني خيرت فيلدرز يوجه انتقادات لا تتوقف لإدارات هذه القنوات. لا تغيب أزمات السنوات الماضية عن موضوعات برنامج هذا العام، الذي يتضمن تحقيقات من هولندا. فالمسلمون الذين استضافوا فريق البرنامج على مائدة الإفطار ضمن الفقرة التي تتخصص باختبار كرم المسلمين، شكا معظمهم من البلد الذي تغير في السنوات الأخيرة. فالمغربي الذي يبلغ من العمر ستين سنة، والذي وصل إلى هولندا للعمل عندما كان عمره 18 سنة، تذكر بحزن الهولنديين الذين فتحوا بيوتهم له وقتها، وكيف تغيرت أشياء كثيرة اليوم. لكنه، وعلى رغم غضبه من تأثيرات حزب السياسي اليميني فيلدرز، وجّه دعوة شخصية له من خلال البرنامج، ليشاركه مائدة الإفطار، للتعرف عن قرب إلى عائلة هولندية مسلمة، تعيش حياة عادية منتجة، لا تختلف عن أي عائلة هولندية أخرى. ويؤكد لقاء عام ينقله البرنامج بين إدارة جامع إسلامي وسكان المنطقة المحيطة به، أثر السنوات الأخيرة على علاقة الهولنديين مع الإسلام والمسلمين. فالسكان الهولنديون كانوا يشكون من وجود الجامع الذي ساهم في انخفاض أسعار العقارات في منطقتهم، إضافة إلى مشاكل تجمع الشباب المسلم في حيهم. وعلى رغم أن السكان الذين حضروا الاجتماع، أكدوا أنهم لا يحملون أية مشاعر عداء للمسلمين أو للإسلام، إلا أن مطالبهم تعني، إبعاد «الجامع» كمؤسسة إلى مناطق يهيمن عليها الوجود الإسلامي، الأمر الذي يساعد على تكوين «الغيتوات» التي تحذر منها الحكومة الهولندية والجمعيات الإنسانية، لأنها من أسباب إعاقة اندماج المسلمين مع مجتمعاتهم الأوروبية وتتحول إلى رحم لنشوء الأفكار الانعزالية. لا تهيمن «الأزمات» فقط على أقسام البرنامج، بل يمكن رصد فقرات مبتكرة أيضاً. فمثلاً رافقت الكاميرا شخصية هولندية غير مسلمة امتنعت ليوم واحد عن الأكل والشرب، مسجلة مشاعرها مع تجربة «الصوم»، ومختبرة معلوماتها عن الإسلام، لتقوم بعدها أسرة مسلمة باستضافة هذه الشخصية، في أجواء عائلية محببة. وإذا كان البرنامج التلفزيوني الهولندي نقل «روح» الشارع الهولندي الذي تشير غالبية إحصاءاته إلى خوفه من الإسلام وتنامي أعداد المسلمين في البلد، إلا أن البرنامج قدّم تقارير عن تقبل شرائح واسعة من المجتمع الهولندي للمسلمين. ففي إحدى فقرات البرنامج الثابتة، ترصد الكاميرا أماكن عمل مشتركة لمسلمين وغير مسلمين، وكيف يتبادل الهولنديون غير المسلمين الأحاديث والتعليقات الظريفة مع الصائمين عن مصاعب الصوم بخاصة في صيف نهاراته طويلة جداً مثل صيف هذه السنة، وتُقابلها تعليقات لا تقل كوميدية من زملائهم المسلمين في أجواء يسودها الاحترام والتقبل.