مع بدء العد التنازلي لأول انتخابات اشتراعية تشهدها مصر في أعقاب الثورة التي أطاحت النظام السابق، كثّفت القوى السياسية المتنافسة جهودها لحصد أكبر حصة من المقاعد البرلمانية البالغ عددها 768 مقعداً (498 مقعداً لمجلس الشعب و270 للشورى). وفي حين احتدمت حرب اللافتات بين المرشحين، بدا أن كل فريق يبتدع وسائل مستحدثة لجذب الناخبين. وعلى الجانب الآخر، ظهر صراع محموم بين القوى السياسية وبين من ينعتون ب «فلول الحزب الوطني»، إذ سُجّلت حملات تحمل مسميات مختلفة لكنها تعتمد كلها على «توعية» الناخب المصري للحؤول دون وصول أعضاء سابقين في الحزب الوطني «المنحل» إلى «برلمان الثورة». ففي أحد الشوارع الرئيسية في ضاحية شبرا (غرب القاهرة) تنتشر على الجدران لافتات لأحد المرشحين على قوائم حزب «المواطن مصري»، والذي تقول قوى سياسية إنه خرج من رحم الحزب الحاكم سابقاً، وقد نُزعت غالبية أجزاء تلك اللافتات أو شُوِّهت بكتابات تقول «إحذر.. هذا المرشح من الفلول.. لا تصوِّت لمن أفسد مصر». لكن يظهر من بقايا الملصق شعار الحزب الذي ينتمي إليه المرشح ودعوته الناخبين إلى التصويت لمصلحته. ويتكرر هذا المشهد في محافظات وشوارع عدة في المحافظات المصرية. والظاهر أن القوى السياسية التي انتظرت طويلاً استصدار قانون لعزل أعضاء الحزب الوطني أو من ينعتون ب «الفلول» عن العمل السياسي، لم تجد أمامها إلا التعويل على «وعي» الشعب لعله يكون الحائل دون وجود «الفلول» في البرلمان المقبل. ورصدت «الحياة» مئات اللافتات لقيادات ورموز في الحزب الوطني والذين يخوضون الانتخابات سواء كمستقلين أو تحت لافتات أحزاب خرجت إلى النور في أعقاب الثورة، بعدما لم يجدوا أي مانع قانوني يحول بينهم وبين الوصول إلى البرلمان الذي سيطروا عليه لسنوات طويلة. وفي مقدم هؤلاء المرشحين رجل الأعمال طارق طلعت مصطفى الذي كان يرأس لجنة الإسكان في البرلمان السابق والذي ترشَّح على أحد مقاعد محافظة الإسكندرية الساحلة، وعبدالرحمن الغول المرشح في محافظة قنا. ونظَّمت حركة شباب «6 أبريل» التي لعبت دوراً كبيراً في الثورة، سلسلة من الفعاليات للتوعية تضمنت ندوات ومعارض وزّعت خلالها آلاف الملصقات التي تتضمن أسماء الأحزاب التي خرجت من رحم الحزب «المنحل» والمرشحين من قياداته. وحسب المنسق الإعلامي لشباب «6 أبريل» محمود عفيفي، فإن حركته «ستقف بالمرصاد أمام وصول فلول الوطني» إلى البرلمان. لافتاً إلى أن الحركة تعوِّل على «وعي الشعب المصري». وقال ل «الحياة» إن الحركة تقوم بحملات في الشوارع تحمل شعار «الدوائر البيض والسود» تهدف لمساعدة الناخب في اختيار من يمثلونه في برلمان ما بعد الثورة، والتحذير من تسلل «الفلول» من جديد. وانتقد في الوقت ذاته تأخر السلطة الحاكمة في مصر في استصدار قانون «لعزل من أفسدوا الحياة السياسية على مدى العقود الماضية ... لكننا سنتغلب على ذلك بتكثيف حملاتنا في الشوارع لتوعية الناخب. غالبية القوى السياسية تتعاون معنا من أجل الوصول إلى برلمان من دون فاسدين». وشهدت صفحات التواصل الاجتماعي حملات موازية دشَّنها نشطاء الإنترنت للغرض نفسه، وحذَّرت إحدى الصفحات على موقع فايسبوك حملت عنوان «خد بالك»، من وصول «الفلول» قائلة: «إنت واخد بالك إن مجلس الشعب اللي جاي ده أهم مجلس شعب في تاريخ مصر، لأن المجلس ده اللي هيحط دستور مصر وهو اللي هيحط القوانين وهيراقب الحكومة والرئيس يبقى لازم تاخد بالك». ونشرت تلك الصفحة أسماء وصوراً لمن اعتبرتهم أركاناً أساسيين من «النظام البائد». وعلى النهج نفسه، دعا القيادي البارز في حزب «الحرية والعدالة» الجناح السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد البلتاجي، في تصريحات إلى «الحياة» كل القوى السياسية إلى «توحيد صفوفها ونبذ كل ما يعكر الصفو في هذه المرحلة الدقيقة»، داعياً إلى ضرورة التنسيق مع كل القوى الوطنية ل «فضح الفلول، ومنعهم من الوصول إلى قبة البرلمان». من جانبها، رفضت مصادر عسكرية التعليق على تلك الحملات، وإن كانت أكدت التعويل على الناخب المصري في اختيار من يمثله تحت قبة البرلمان. وشددت المصادر ل «الحياة» على أن المجلس العسكري «لا يقف مع فصيل ضد آخر، ووعي الناخب هو الفيصل». لكنها أعربت عن تمني قيادات الجيش أن يعبّر البرلمان المقبل عن كل التيارات والفصائل السياسية في مصر، وأن يشهد تمثيلاً متوازناً لكل الكتل... وألا تكون الغلبة لفريق على آخر. وعلى صعيد الاستعدادت المكثفة لإجراء الانتخابات المقرر أن تنطلق مرحلتها الأولى في 28 الشهر الجاري، أكد رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبدالمعز إبراهيم أن اللجنة أغلقت أمس الباب أمام استكمال القوائم الحزبية، بعدما شهدت حالات تنازلات ووفاة وقبول طعون ضد مرشحين، مشيراً إلى أنه سيتم الإعلان الجمعة المقبل عن أسماء المرشحين بعد اكتمال الكشوف النهائية وتلقي القوائم المستكملة. من جانبه، ذكر مصدر قضائي، رفض ذكر اسمه، أن اللجنة العليا للانتخابات حذرت عدداً من الأحزاب السياسية التي تستخدم دور العبادة والمساجد وبعض الجامعات في الدعاية الانتخابية، موضحاً أن هذا مخالف تماماً للقواعد والضوابط التي وضعتها اللجنة ونصَّ عليها القانون في إجراء العملية الانتخابية والدعاية للمرشحين.