يعتبَر عزوف المزارعين والمربّين عن تربية المواشي وإهمال قطاع الثروة الحيوانية وسنوات العقوبات الاقتصادية التي استنزفت النسبة الأعظم من هذه الثروة، من الأسباب التي تقف وراء تحوّل العراق من بلد يصدر اللحوم إلى مستورد لها. وتدخل نسبة 75 في المئة من تلك اللحوم إلى البلاد بحسب خبراء بطريقة غير قانونية، ويقطع بعضها ثلاث دول مجاورة، لكن كل ذلك لم يحل دون ارتفاع متواصل في أسعار المواشي. ومع قلة المعروض من المواشي وزيادة الطلب عليها في اول ايام عيد الاضحى المبارك، ارتفعت اسعارها بنسبة وصلت الى 60 في المئة في الأيام الأخيرة. وأفادت وزارة الزراعة العراقية بأن البلاد تشهد تراجعاً مستمراً في واقع الثروة الحيوانية، إذ انخفض عدد الأغنام خلال العقود الثلاثة الماضية بواقع 30 في المئة عما كان عليه قبل عام 1980 والماعز بنسبة 60 في المئة والأبقار ب 50 في المئة، أما الإنتاج، فتراجع بمعدلات كبيرة، إذ كان إنتاج اللحوم عام 1979 يفوق 135 ألف طن سنوياً وارتفع إلى 655 ألف طن عام 2002، ولا يتجاوز حالياً 300 الف طن. زيادة في الطلب وقدر «مركز إلانماء الأميركي في العراق»، الذي يعنى بتطوير واقع الزراعة في البلاد، زيادة معدلات الطلب على اللحوم المحلية ب 15 في المئة سنوياً، يقابلها تراجع كبير في أعداد المواشي المحلية، بسبب قلة المراعي وتراجع الأراضي الزراعية والتصحّر وكثرة الأمراض وعدم توافر الأدوية والعلاجات والرعاية الصحّية وتحول الكثير من المربين لقطاعات أخرى، مثل العمل في القطاع الحكومي والخاص وتخلّيهم عن مواشيهم. وأوضح الخبير البيطري في مركز «إنماء»، ريمون قرياقوس ل «الحياة»، أن «المناطق الحدودية مع إيران، وتحديداً الموصل وأربيل، تشهد بشكل مستمر عبور قطعان ضخمة من المواشي المهرّبة من دول عدة، منها إيران وأفغانستان والهند وباكستان ودول القوقاز وتركيا». وأضاف أن «طريقة التهريب تتم بفعل اتفاقات بين جماعات تعمل كل منها ضمن حدود دولتها، مهمتها استلام القطيع من نقطة حدودية شرقية وتسليمها في نقطة أخرى في الغرب، وصولاً الى العراق». وتابع: «تعتبر العجول المهربة المصدر الاول للحوم الحمراء في العراق، وتكون أسعارها المرتفعة مشجّعة على تحمل تكاليف نقلها وجهد السير كل هذه المسافات»، مشيراً إلى أنها «تباع بأسعار رخيصة والجزارون يعرفونها عند رؤيتها فيقولون انها إيرانية أو أفغانية أو هندية أو تركية». قانون للاستيراد وقال وكيل وزارة الزراعة العراقية مهدي ضمد ل «الحياة»، إن «الحكومة العراقية قررت استئناف العمل بقانون استيراد الحيوانات الحيّة»، موضحاً إن «التطبيق لم يمض عليه سوى فترة قصيرة». وتابع ان «العراق أوقف استيراد الماشية منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، حفاظاً على الأصناف المحلية وللحد من تهجينها، وسمح باستيراد اللحوم الجاهزة بعد عام 2003، لكن البحوث التي أجريت عليها أثبتت قلة قيمتها الغذائية وعدم ملائمتها لأذواق المستهلك العراقي واحتواء لحومها على هرمونات مؤثرة على صحة المستهلك، لهذا فضّلنا العودة إلى استيراد الحيوانات الحيّة». وقال إن «الوزارة لديها خطط للنهوض بواقع الثروة الحيوانية، منها برنامج التلقيح الاصطناعي المجاني، ومشروع نقل جنّة الأبقار لتحسين السلالات وبرامج تقوم بها مصلحة البحوث الزراعية لزيادة الأغنام والماعز والجواميس». وعن عزوف مربو المواشي عن تطوير قطعانهم، قال إن «السبب يعود إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وقلّة المراعي، واوضح ان الوزارة تعمل على مشاريع لدعم أسعار الأعلاف وتأمين مراعي ضخمة للمربين.