لا يهدأ حديث الحجاب في العالم العربي والإسلامي بصورة عامة، وهو حديث قديم-جديد، ما إن تخفت حدته قليلاً حتى يتصاعد. ولعل الجديد هو دعوة الداعية الإسلامي المصري حازم صلاح أبو اسماعيل، المرشح المحتمل لرئاسة مصر، المذيعة ريم ماجد الى ارتداء الحجاب، مبرراً ظهوره مع مذيعة «سافرة» -وهي هنا ماجد- على قناة «أون تي في»، بأنه يظهر ك «سياسي» لا ك «داعية»، ولو جاء الى هذا الحوار بصفته الثانية «الداعية» لما قبل الظهور. تلك ازدواجية لا شأن لنا بها، غير ان الدعوة العلنية هذه، في برنامج «بلدنا بالمصري»، بدت تجاوزاً في غير محله. ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة حجاب المذيعات، وفي الوقت الذي يشترط فيه بعض الفضائيات على المذيعات الحجاب، كما في فضائية «العالم» الإيرانية مثلاً، فإن فضائيات أخرى تشترط العكس، وثمة فضائيات معتدلة تترك الاختيار للمذيعة، وهذا النموذج الأخير هو الأنسب. بمعزل عن الجوانب الفقهية، فإن الحجاب ينبغي ان يكون خياراً فردياً في مجال التلفزة، فلدى اختيار مذيعة جديدة، ثمة اعتبارات وشروط كثيرة يمكن تعدادها قبل الوصول الى مسألة الحجاب، وسيكون من قبيل البديهيات إذا قلنا ان ثمة مذيعات محجبات يقدمن أداء إعلامياً لافتاً في مقابل مذيعات سافرات حسناوات يفشلن في القيام بدور المذيعة الناحجة، مع الإشارة الى ان هذا لا يشكل قاعدة، ولا يمثل دفاعاً عن الحجاب. ما يهم هنا، هو ان القضية لا تكمن في الحجاب الذي يغطي شعر المذيعة وجزءاً من وجهها، بل تكمن في الحجب السميكة المسدلة على العقول. وتتفاقم حدة هذا التباين بين مراتب الحجاب في فضائيات تتطلب الذكاء وسرعة البديهة والنباهة، ففي حالة كهذه لن ينقذ الحجابُ المذيعةَ الوقورة من الورطة، كما ان السافرة لن تفلح بدلالها في تخطي الموقف. لا شك في ان التلفزيون كوسيلة بصرية، يتطلب من المذيعات اللواتي يظهرن على شاشته ان يتمتعن بحضور هادئ وأنيق، ويملكن صوتاً صافياً واضح النبرات، ويرتدين زياً مقبولاً من دون إفراط، غير ان كل ذلك لن يسعف المذيعة. والأرجح أن المشاهد لن يتوقف عند مظهر المذيعة إذا ما ارتبكت وتلكأت في أداء وظيفتها، ومثل هذا التلكؤ يظهر غالباً في برامج الحوار التي تكشف مدى إتقان المذيعة دورها؛ فالأداء الناجح هنا يعَدّ امتحاناً، وإزاء مثل هذا الامتحان تغدو مسألة الحجاب بلا حاجة الى كل هذا السجال.