في إحدى حلقات المسلسل السعودي الشهير «طاش ما طاش»، ينوي بطلا العمل افتتاح محطة فضائية، ولدى إجراء اختبار لاختيار مذيعات للمحطة، يتم التركيز على جمال المذيعات المتقدمات وغنجهن، وأعمارهن الغضة... وذلك عبر مشاهد كوميدية طريفة، ساخرة، تكشف، وإنْ بتهكّم، عن جانب مما يحدث في كواليس الفضائيات العربية، إذ تحظى الشابات الحسناوات، فحسب، بالظهور على الشاشة، فيما لا تتاح الفرصة للواتي يمتلكن قدراً أقل من الجمال. وكأن مسؤولي الفضائيات العربية يجسّدون بيتاً لبشارة الخوري يقول: «الصِّبَا وَالجَمَالُ مُلْكُ يَدَيْكِ... أيُّ تَاجٍ أعَزُّ مِنْ تَاجَيْكِ؟». ثمة بالطبع مذيعات يجمعن بين الحُسن والحس الإعلامي والمهني. لكن أن يصبح الجمال شرطاً أساسياً في الاختيار، كما نلاحظ على شاشة غالبية الفضائيات العربية، فإن ذلك سيفضي الى اختيار مذيعات، وإن كن فاتنات، لكنهن لا يفقهن كثيراً في لعبة الإعلام، وتتجلى عيوبهن المهنية، بصورة خاصة، في برامج تتطلب مهارة في الأداء وحذقاً في إدارة الحوار، إذ تنهمك المذيعة الجميلة، التي تفتقر الى تلك المواهب، في إزاحة خصلات شعرها عن وجهها المضيء، بينما يسترسل الضيف في حديث مكرّر ومألوف لا يعكر صفوه إلا شغب المذيعة المشغولة بترتيب هندامها الأنيق... ذلك الشغب الذي يحرج الضيف ويدفعه مكرهاً إلى مكاشفة المشاهد بما هو مسكوت عنه، والإدلاء بمعلومات ووقائع كانت ستبقى طي الكتمان لو لم تحفزه أسئلة المذيعة الناحجة. وفي مقارنة بسيطة، نجد ان معظم الفضائيات الغربية المعروفة لا تخضع لمثل هذا «الشرط الجمالي»، إذ تطل عبر شاشاتها مذيعات يمتلكن مقداراً بسيطاً من الجمال، أو هن من كبيرات السن، غير أن الأداء البارع في تقديم البرامج وسرعة البديهة والثقافة الواسعة تطغى على ملامحهن. وفي معزل عن مدى صدقية دراسة ظهرت أخيراً تقول إن من يشاهدون قارئة نشرة جميلة لا يتذكرون عناوين الأخبار التي جاءت في نشرة الأخبار، لأن جمال القارئة يلهيهم، فإن المهنية تقتضي ألا يكون الجمال معياراً رئيساً، وخصوصاً في برامج تتطلب مهارات عدة لا تأبه كثيراً بعينين نجلاوين تبرقان ببلاهة أمام العدسة. قد يكون الجمال مطلوباً، إلى حد ما، في برامج تتحدث عن الطبخ والتجميل والأبراج وسوى ذلك من المواد الإعلامية الترفيهية الخفيفة، أما في نشرات الأخبار وفي البرامج ذات الطابع السياسي الجاد، فمن السخف التمسك بمثل هذا الشرط، خصوصاً ان الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بالمنطقة العربية منذ أشهر تظهر، أحياناً، تناقضاً صارخاً بين مذيعة، باسمة تجلس بكامل زينتها في استوديو مرفه وهي تتلو أخباراً عن أحياء وميادين ثائرة، صاخبة حيث يتساقط قتلى على قارعة الطريق وكأنهم أرقام فائضة في حسابات الطغاة.