تنتهج واشنطن سياسة تصعيدية حذرة ومدروسة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد كانت آخر مؤشراتها مغادرة السفير الأميركي روبرت فورد لدمشق واتهام النظام السوري «بشن حملة تحريضية ضده» وبالتالي خرق الاتفاقات الديبلوماسية المعهودة. وبالتوازي صعدت وزارة العدل الأميركية في ملف التجسس على المعارضة بتقديم أدلة لمحكمة فيديرالية تربط بين المتهم والسفير السوري عماد مصطفى الذي تم استدعاؤه إلى دمشق. وإذ يؤكد مسؤول أميركي ل «الحياة» أن الحملة التحريضية ضد فورد والتي كانت حاضرة في افتتاحيات وأعمدة صحف سورية محسوبة على النظام تشكل الخلفية لمغادرته، تعكس الخطوة بعدين استراتيجيين للموقف الأميركي. الأول هو رسالة من واشنطن إلى دمشق بأنها ترفض السلوك الرسمي وأسلوب التعامل مع مبعوثها وتعتبره «منتهكاً للأعراف الديبلوماسية»، وثانياً إعادة التأكيد بأن الإدارة الأميركية هي من يضع شروط وقواعد اللعبة حين يرتبط الأمر بوجود أو رحيل فورد وليس الحكومة السورية. إذ تدرك واشنطن مدى انزعاج النظام السوري من تحركات فورد منذ زيارته لحماة ودرعا الصيف الفائت، ومن لقاءاته مع شخصيات في المعارضة السورية ورجال أعمال نافذين في دمشق. وكانت تصرفات فورد سبباً رئيساً في التظاهرات المنظمة أمام السفارة الأميركية والاعتداء على موكبه منذ أسبوعين. كما تدرس الحكومة السورية إمكانية طرده من دمشق، وهو احتمال قطعت موقتاً واشنطن الطريق أمامه بالتحرك أولاً وإعادة فورد إلى واشنطن بسبب «التهديدات الأمنية» وربط رجوعه «بتقويمنا لتحريض النظام والوضع الأمني على الأرض». غير أن التصعيد الأميركي يبقى محسوباً ومحصوراً في إطار ديبلوماسي لا تريد الإدارة الأميركية تجاوزه. فبحسب مسؤولين أميركيين ليست مغادرة فورد «سحباً ديبلوماسياً للسفير» وعودته ما زالت مرغوبة لدى الإدارة، وكون وجوده في دمشق كما أكدت الخارجية الأميركية «مفيداً لمهمتنا في سورية ... بإيصال رسالتنا ورؤية الواقع على الأرض». وكما معظم خطوات الإدارة الأميركية في التعامل مع الوضع في سورية، تندرج مغادرة فورد في إطار التصعيد الحذر والتدريجي، والذي بدأ بتواصل مع النظام مع انطلاق الاحتجاجات ثم بعقوبات طاولت الرئيس الأسد لاحقاً إلى حين دعوة الأسد للتنحي في آب (أغسطس) الفائت. وترى واشنطن الوضع السوري بخصوصية مختلفة عن النموذج الليبي، حيث جاء سحب السفير الأميركي من هناك استعداداً لحملة حلف الشمال الأطلسي (الناتو). ولا ينطبق هذا المسار على الاستراتيجية الأميركية حيال سورية اليوم وبسبب التعقيدات حول الخيار العسكري وتفضيل واشنطن أسلوب الضغط المتدرج والعزلة الاقتصادية تمهيداً لإنهاك النظام. وفي حين أكد مسؤول أميركي ل «الحياة» أن ليس هناك نية على الإطلاق بطرد السفير السوري عماد مصطفى في واشنطن والذي تم استدعاؤه إلى دمشق أول من أمس، صعدت وزارة العدل في قضية التجسس على معارضين سوريين والتي تتم فيها محاكمة المواطن السوري-الأميركي أحمد السويد. وأكد الادعاء ليل الاثنين-الثلثاء أن السويد «لديه ارتباطات» بالسفير مصطفى و «على اتصال دوري مع شخصيات رفيعة في الحكومة السورية». وأشار الادعاء خلال جلسة لاستئناف قرار الإقامة الجبرية ضد السويد والمطالبة بإبقائه قيد الاعتقال، أن المتهم «عمل لجهاز الاستخبارات السورية واتصل بالسفير، وأرسل له رقم تلفونه الخاص، كما قام بمهمات لمصطفى» من دون تحديد فحواها. وكشف الادعاء عن إرسال السويد رسالة «مشفرة» إلى الاستخبارات السورية في نيسان (أبريل) الفائت عبر البريد الإلكتروني تفصل اجتماعاً لمتظاهرين في ضاحية من ضواحي واشنطن. وفي إشارة ضمنية إلى العواقب القانونية التي قد تطاول السفير مصطفى أيضاً اعتبر الادعاء أن «السفير السوري للولايات المتحدة لن يجازف بقدرته على البقاء في الولاياتالمتحدة بتواصله وتلقيه تقارير من عميل ذات رتبة دنيوية»، مشددين على أن المتهم يحظى برتبة رفيعة وعلى اتصال بشخصيات رفيعة في الحكومة السورية.