ليس من مهمة الفضائيات «المستقلة الجادة والرصينة أن تضلل المشاهد وأن تفبرك الحقائق والوقائع، فمثل هذه المهمة قد تليق بالتلفزيونات الرسمية، وبعض المحطات «المؤدلجة» الذي لا يهمه المشاهد بمقدار ما يعنيه تزييف الحقائق تبعاً لأهداف واضحة وفجة. ولكن، مع ذلك، تبدو الفضائيات الجادة تلك، متهمة، من حيث لا تقصد، بتضخيم الأحداث الواقعية، ومرد مثل هذا الإحساس إلى أن تلك الفضائيات، وخصوصاً الإخبارية منها، تبث الخبر الواحد نحو 24 مرة في اليوم، والخبر ذاته يتكرر في عشرات الفضائيات وبصيغ مختلفة ومفردات متباينة فيصح أن نطلق على الخبر، في مثل هذه الحال، عبارة «مفرد بصيغة الجمع» بتعبير أدونيس. ومثل هذا الضخ الإعلامي، على مدار اليوم، يخلق لدى المشاهد شعوراً بأن ثمة تضخيماً ومبالغة في الحديث عما يجري في هذا البلد أو ذاك. والواقع أن الفضائيات لا تبالغ، وهي لا تتوخى مثل هذا الهدف أساساً، وإنما هي تكرر الخبر كي تكون أمينة لصفتها «الإخبارية»، بالتالي فإن المشاهد، الذي بات مدمناً مشاهدة التلفزيون في هذا «الربيع العربي الصاخب»، يعتقد أن ثمة تهويلاً في عرض الوقائع، لا سيما أولئك الأشخاص الذين يتابعون الحدث عن بعد، ولا يملكون سوى الشاشة نافذة وحيدة يطلون من خلالها على ما يجري في بلدانهم. وما يعقّد من التباس المشهد هو أن الفضائيات في زمن الثورات العربية تفتقر إلى مناخ ملائم كي تقوم بتغطية مناسبة، فإما أن السلطات تمنع هذه الوسائل من العمل بحرية، وإما أن الطاقم الإعلامي يخشى على حياته، وهو محق في ذلك، فيكون حذراً في التحرك والظهور في المناطق الخطرة. ومثل هذا التوجس وذلك التضييق «الرسمي» يجعلان الخبر مبتوراً، أو يؤديان إلى تضارب في الأنباء، وكثيراً ما بثت الفضائيات أخباراً اتضح، لاحقاً، زيفها. وعلى رغم أن وقوع مثل هذه الأخطاء ناتج عن جهل المصدر الذي اعتمدت عليه الفضائية، إلا أن تكرار مثل هذه الأخبار الخاطئة يضع، الفضائيات، في خانة الاتهام، ويجعلها عرضة للنقد، والتهكم أحياناً. إن الطريقة التي قتل بها الزعيم الليبي معمر القذافي، على سبيل المثال، رويت بأشكال مختلفة على الشاشات، وإذا كانت المعضلة تكمن في التفاصيل، فإن ذلك تبدى في شكل جلي في خبر مقتل القذافي، ذلك أن كل فضائية لجأت إلى مصادر معينة، وكل مصدر روى ما يعرفه والنتيجة أن الروايات جاءت مختلفة، ولن يتهم أحد، هنا، المصدر الجاهل بل الفضائية ستكون هي المسؤولة على رغم أنها اجتهدت لبث «الخبر اليقين». والأكيد أن مسؤولي الفضائيات لا يريدون لفضائياتهم أن تظهر وكأنها تبالغ، أو تضلل المشاهد، فغايتهم هي كسب المشاهد وهذا لا يتحقق إلا بالصدقية والموضوعية، وإذا ما أخطأت الفضائية هذين المبدأين، أحياناً، فالأحرى أن نبحث عن السبب في تعقيدات الواقع ذاته، لا في استوديوات الفضائية التي تنقل ذلك الواقع.