«أكره الأخبار». تلك جملة ترد على لسان احدى شخصيات فيلم «بانيك» للمخرج هنري بروميل. الشخصية تبرر رأيها بالقول ان الأخبار لا تتحدث سوى عن النزاعات والحروب والكوارث، فمن بين مئات النشرات الإخبارية التي تبث على شاشات القنوات الإخبارية لا نكاد نعثر على خبر واحد مفرح. أخبار الفضائيات هي عبارة عن جنازات ودماء وقتلى وصراعات، وكأن ثمة تواطؤاً بين هذه القنوات على اختيار كل ما هو سوداوي والابتعاد عن كل خبر مبهج، بل لعل صورة العالم الذي نعيش فيه، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، هي على هذا النحو من القتامة والتشاؤم والقسوة. والمفارقة ان منطقة الشرق الاوسط لا تتصدر اهتمام القنوات الإخبارية العربية، بل تستحوذ كذلك على اهتمام القنوات الإخبارية المعروفة عالمياً. فهذه المنطقة تعد مصنعاً للخبر اليومي من ايران الى سورية ولبنان وفلسطين ومصر وتونس وليبيا وصولاً الى افغانستان، حتى كاد المشاهد ان ينسى دولاً مثل السويد او سويسرا او النروج...، فهذه الدول المرفهة مشغولة ببناء حداثتها واقتصادها، فلا يمر اسمها في نشرات الأخبار إلا نادراً، لدى تحقيق إنجاز علمي أو فني. وإزاء ذلك، بات المشاهد يعرف وعورة تضاريس تورا بورا أكثر من رخاء الحياة في استوكهولم، ويعرف مدينة معرّة النعمان السورية، التي كانت حتى وقت قريب منسية عن الخرائط، اكثر من برلين ووارسو وجنيف... من تلك الحواضر الاوروبية المرفهة نسمع أخباراً قليلة، لا تحظى بأية أهمية، عن مسابقة لملكات الجمال او عن معرض للسيارات والتقنيات الحديثة او عن فوز احد مواطنيها بجائزة علمية او فنيه او عن تسجيل رقم قياسي في ميدان معين. أما من بلدان الشرق الاوسط، فلا نرى سوى مشاهد القتال والحروب والصراعات والانفجارات... لدرجة باتت معها جملة «أكره الأخبار» هي لسان حال أغلب المشاهدين الذين لا يجدون على الشاشات سوى صور البؤس التي يعيشونها. والسؤال هنا: ماذا لو خلت المنطقة من هذه الصراعات والحروب؟ من أين ستأتي الفضائيات الإخبارية بزادها اليومي الحافل بمشاهد الموت؟ من المرجح ان هذه الامنية لن تتحقق في المدى المنظور، وستبقى هذه المنطقة مرتعاً لكل خبر سيئ. لكن في المقابل، ينبغي التذكير بمقولة «ناقل الكفر ليس بكافر»، فالفضائيات تنقل تفاصيل الحدث بروايات شتى، لكنها، في النهاية، لا تصنع الخبر. ولعل هذا الواقع هو الذي يفسر سبب الاهتمام العربي بإقامة قنوات إخبارية جديدة، بل ان الدول الغربية، نفسها، راحت تؤسس فضائيات إخبارية كي تخاطبنا وتروي مآسينا بلغة الضاد. أما البحث عن انشاء فضائيات في مجالات السينما والمسرح والتشكيل والأدب والعلوم المختلفة، فهو بحث مؤجل، ذلك أن أزيز الرصاص يطغى على صرير القلم، وفقاً للمقولة السمجة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»!