خدعة الصور ليست أمراً طارئاً أو جديداً. ففي السينما، التي تجاوز عمرها أكثر من قرن، ثمة إجراء معلن وصريح يسمى «الخدع السينمائية»، ومثل هذه الخدع والألاعيب الفنية تسرب إلى التلفزيون، ولكن الهدف، هنا، ليس جمالياً، كما الحال بالنسبة الى السينما، بل ثمة غايات أخرى تهدف إلى أدلجة الصورة وتسخيرها بما يتناسب مع أجندات سياسية معينة تسعى إلى الترويج لها حكومات وأحزاب وتيارات. في صورة بثت، أخيراً، على بعض صفحات الانترنت، نرى جنديين يتعاملان مع أحد المعتقلين أو الأسرى. تظهر الصورة أحد الجنود وهو يسقي المعتقل ماء بنوع من الرقة والعطف، بينما الجندي الآخر يصوب، بخشونة، بندقيته من الخلف نحو رأس الرجل. وعندما تريد إحدى الفضائيات القول إن الجنود كانوا لطفاء مع المعتقل، فإنها تُظهر فقط الجندي الذي يقدم له الماء، أما إذا أرادت أن تقول العكس، فتُعرض، عندئذ، الجندي الذي يهدد بالبندقية، في حين ان الفضائية «المحايدة» ستظهر المشهد كاملاً حيث الماء والبندقية. هذا مثال يشير إلى أن الصور المعروضة على الشاشات ليست بريئة دائماً، فهي تُعالج على نحو يتوافق مع أهواء هذه الفضائية أو تلك، كأن نرى مثلاً حشوداً في ساحة، فتلجأ فضائية إلى إظهار الجانب ذي الكثافة العددية المتدنية، لتقول إن أعداد المجتمعين كانت قليلة، في حين أن الفضائية التي تريد أن توصل رسالة معاكسة ستركز على الزوايا ذات الكثافة العالية، وينطبق الأمر ذاته على عدد الحضور في صالة سينمائية، مثلاً، أو مؤتمر ما. الأمثلة لا تحصى، وهي تبدو مقبولة بالمقارنة مع ما يمكن تسميته ب «الصورة المختلقة أو المزيفة». في هذه الحال يبلغ التشويه مداه الأقصى، كأن تقدم جهة ما على انتزاع اعتراف من شخص معين بالإكراه والقسر، ثم تعرض هذه المادة البصرية وكأنها حقيقة! أو أن تجتهد جهة ثانية في صنع مشهد يظهر دبابة وهي تحترق، أو صنع ديكورات وجموع تشير إلى تظاهرة عارمة مع مؤثرات صوتية لتعزيز صدقية المشهد. هذه الألاعيب ازدهرت كثيراً في ظل «الربيع العربي» المزدهر. لكن، على رغم كل التطور التكنولوجي الهائل والتقنيات الرقمية الحديثة، بدا ان حظوظ التزييف ضئيلة، خصوصاً أن تلك التكنولوجيا التي تستخدم في فبركة المشاهد، هي ذاتها التي تملك القدرة على دحض «التضليل». فعند كل حدث ثمة مئات من الهواتف الخليوية التي توثق وتصور، لتصل مشاهدها الى الفضائيات سريعاً، علاوة على ان الصورة لا تأتي من فراغ، بل تخرج من صخب واقع متأجج وعبر فيض من الأخبار والتحليلات والتعليقات، وهنا على «اللبيب أن يفهم من الإشارة» والقرينة... إذاً على رغم كل الخدع المبتكرة، فإن الصورة الصادقة لن تضل الطريق إلى شاشة تنتظرها أعين خبرت، طويلاً، التمييز بين الأصل والتقليد.