تباينت ردود أفعال المعارضة السورية في الداخل والخارج حول البيان الصادر عن الاجتماع العاجل لوزراء الخارجية العرب، الذي دعا إلى حوار بين النظام السوري والمعارضين، ففيما ألمح معارضون من المجلس الوطني السوري إلى رفض الحوار مع السلطات «من حيث المبدأ»، بعد العدد الكبير من القتلى في صفوف المدنيين، ظهر ان آخرين يعتبرون بيان الجامعة قادراً على «جرّ سورية إلى خندق أخير وعزلها»، على أساس ان السلطات السورية لن تنفذ مطالب الجامعة، وعلى رأسها وقف القتل ضد المدنيين وسحب الجيش من الشوارع وتطبيق إصلاحات سياسية حقيقية. وقالت الناشطة السياسية البارزة سهير الأتاسي في موقعها على «توتير» أمس: «قلنا منذ اليوم الذي سقط فيه أول شهيد: لا حوار مع القتلة. القتلة سوف يحاكَمون في محاكمة عادلة من قبل الشعب السوري الحر». والأتاسي مختبئة في مكان ما هرباً من ملاحقة قوى الأمن لها. في موازاة ذلك، اعتبر ناشطون في الداخل وأعضاء في «اتحاد تنسيقيات الثورة السورية»، ان بيان الجامعة يمكن ان يدعم عزل النظام السوري أكثر، وأوضح ناشط في هذا الصدد «من الحذاقة والوعي السياسي ان يعلن المجلس الانتقالي الموافقة على الحوار في مقر الجامعة بعد تنفيذ الشرط الاول في قرار الجامعة، وهو وقف العنف والقتل، وذلك لسحب البساط من تحت أرجل النظام وتعريته». وقال ناشطون ل «الحياة» إنهم «يرفضون الحوار مع القتلة»، وقرروا الاعتصام المفتوح أمام مقر الجامعة. وبحث الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي أمس مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري التحركات المفترضة بعد قرار مجلس الجامعة في شأن الوضع في سورية. فيما طلب العربي من المعتصمين تشكيل وفد للقائه ضم محمد أبازيد وعبدالرحمن الزعبي ومحمود مصطفى ورامي مفيد. وعقب اللقاء قال أبازيد: «إننا مستمرون في الاعتصام ولا تراجع عنه. وإن مطالبنا التي بلغناها الأمين العام هي طرد السفير، وإسقاط النظام، والاعتراف بالمجلس الوطني». وأضاف: «إن الجامعة هي التي طلبت لقاءنا». مؤكداً أن قرار الوزراء مرفوض «لأن مهلة ال15 يوماً مهلة للتقتيل وسفك الدماء... إن ما حدث في اجتماع وزراء الخارجية هو بيع للدماء». وأيد إرسال لجنة محايدة ودخول الإعلام الحر إلى الأراضي السورية. وقال أمين سر تنسيقية الثورة السورية في القاهرة حسن أحمد: «إن الشعب السوري يُذْبَح مند ثمانية شهور، وقدَّم 4 آلاف شهيد، ومئة ألف معتقل، والجامعة لا تستطيع إسقاط هذا النظام الذي أسقط الشعب شرعيته بخروج ملايين السوريين ليقولوا: لا لهذا النظام». من ناحية أخرى، اعتبرت المعارضة السورية في القاهرة قرارَ الجامعة بتشكيل لجنة وزارية للاتصال بالقيادة السورية لإطلاق حوار بين الحكومة والمعارضة لحلِّ الأزمة في البلاد «قراراً ميتاً»، مؤكدة رفضها له جملة وتفصيلاً. وقال الناطق باسم الجالية السورية في القاهرة الناشط السياسي محمد مأمون الحمصي، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، إنه «لا يحق لأحد أن يجلس للحوار مع هذا النظام الذي تلطخت يداه بدماء السوريين الأبرياء... كما أن السوريين لن يرضخوا لأي مبادرة تطرح تحت جنازير الدبابات». وأضاف الحمصي أن قرار الجامعة العربية هو بمثابة «هدية ديبلوماسية» تقدَّم إلى النظام السوري «بعد أن عجز النظام العربي عن الضغط على هذا النظام لحمله على وقف عمليات القتل والقمع والتعذيب ضد شعبه». وأوضح أن الموقف العربي «تحول من موقف داعم للشعب السوري إلى موقف يعطي وقتاً إضافياً للنظام السوري كي يمارس مزيداً من القتل ضد شعبه»، مشيراً إلى أن «الشعب لن يركع ولن يقبل بالحوار مع هذا النظام حتى لو بلغ عدد الضحايا مليون قتيل». ووصف الحمصي قرار الجامعة العربية بما سماه «المراسيم الخميسية» التي «دأب النظام السوري على إصدارها كل يوم خميس، وهي لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به». كما رفضت المعارضة السورية في الجزائر قرار الجامعة العربية إطلاق حوار بين النظام والمعارضة من دون شروط ملزمة تفضي إلى سحب الجيش وقوات الأمن من الشارع وإطلاق جميع المعتقلين والاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري. وقال عدنان بوش الناطق باسم «لجنة دعم الثورة السورية في الجزائر»، المنضوية في اطار «المجلس الوطني السوري» في تصريحات ل «يونايتد برس انترناشونال»: «طالبنا بالحوار الحقيقي والإصلاح منذ بداية الثورة السورية، وشروط الحوار الحقيقي تنطلق من مطالب الجامعة العربية في جلستها الاولى، والتي حمل مقترحاتها الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، والمتضمنة سحب عناصر الجيش والقوى الأمنية إلى ثكناتهم ومقارِّهم وإطلاق سراح جميع المعتقلين... والاعتراف بالمجلس الوطني كممثل شرعي للشارع السوري». وقال بوش إن نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب جاءت «مخيبة للآمال» لانهم قرروا إعادة السيناريو السابق، وهو «إعطاء الفرص للنظام السوري الذي أثبت بالتجربة أنه ينكث بالعهود ويتهرب من الوعود ومسألة الوقت بالنسبة له فرصة لإخماد الثورة وتقليص بقعتها الجغرافية من خلال القمع... بهدف إيهام العالم الخارجي بأن الوضع استتب، وبالتالي يفاوض من مركز القوة». ودلَّل على ذلك بأن «النظام السوري رفض مقررات الجامعة العربية ولم يتعاون مع اللجنة المفوضة، وهو يطلب استدراج المعارضة لحوار على طاولة يفصلها على مقاسه ويغطيها بشروطه تحت شعار مزيف». وأعرب عن أسفه لمواقف بعض الدول العربية وخاصة الجزائر. وكان وزراء الخارجية العرب دعوا في بيان صدر في ختام اجتماع طارئ في القاهرة، الى عقد مؤتمر حوار وطني يضم الحكومة السورية و «اطراف المعارضة بجميع اطيافها خلال 15 يوماً». وجاء في البيان الختامي للاجتماع الوزاري العربي الذي تلاه وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، أن الوزراء العرب يدعون إلى «إجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة السورية وأطراف المعارضة بجميع اطيافها للبدء في عقد مؤتمر لحوار وطني شامل في مقر جامعة الدول العربية وتحت رعايتها خلال 15 يوماً اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار من أجل تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري والتغيير المنشود». وأعلن وزير الخارجية القطري بعد تلاوة البيان، أن «كل الأفرقاء وافقوا على قرارات البيان الختامي لوزراء الخارجية باستثناء سورية التي تحفّظت على الأمر». كما قرر الوزراء العرب تشكيل لجنة عربية وزارية برئاسة وزير خارجية قطر وعضوية وزراء خارجية كل من الجزائر والسودان وسلطنة عمان ومصر والامين العام للجامعة العربية، تكون مهمتها «الاتصال بالقيادة السورية لوقف كافة اعمال العنف والاقتتال ورفع كل المظاهر العسكرية وبدء الحوار بين الحكومة السورية واطراف المعارضة لتنفيذ الاصلاحات السياسية التي تلبي طموحات الشعب السوري». ودعا البيان أيضاً الى «الوقف الفوري والشامل لأعمال العنف والقتل ووضع حد للمظاهر المسلحة والتخلي عن المعالجة الامنية تفادياً لسقوط المزيد من الضحايا والانجراف نحو اندلاع صراع بين مكونات الشعب السوري وحفاظاً على السلم الاهلي وحماية المدنيين ووحدة نسيج المجتمع السوري». وفيما قال مندوب سورية يوسف الأحمد إن توقيت قرار الجامعة مريب، ردّ رئيس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي يترأس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية، على كلام المندوب السوري، قائلاً إن «دول مجلس التعاون الخليجي لم تطلب عقد هذا الاجتماع تحت أي أجندة أو إملاءات، بل حرصاً على سورية وشعب سورية، ولسنا مطية بيد أحد».