أمير تبوك يستقبل مطير الضيوفي المتنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    "الأمن السيبراني".. خط الدفاع الأول لحماية المستقبل الرقمي    آل دغيم يهنيء سمو محافظ الطائف ومجتمع الطائف بهذه الخطوة التنموية    استشهاد تسعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بذكرى استقلال بلاده    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    اليونسكو: 62% من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الاستسقاء في جامع الإمام تركي بن عبدالله    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    المملكة تشارك في الدورة ال 29 لمؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    شخصنة المواقف    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    النوم المبكر مواجهة للأمراض    الآسيوي يحقق في أداء حكام لقاء الهلال والسد    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    الشائعات ضد المملكة    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    نيمار يقترب ومالكوم يعود    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    بدء هدنة «وقف النار» في لبنان    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    باحثة روسية تحذر الغرب.. «بوتين سيطبق تهديداته»    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغير المناخ لم يعد نظرية و"الكوارث النهائية" لن تبقى خيالاً علمياً أمنا الارض مريضة !
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 2004

لم يصدق أحد العالم الاميركي جاك هول، حين أعلن ان مناخ الارض بدأ يتغيّر بالفعل، وأن قدر الكوارث الكبرى بدأ يطرق أبواب البشرية. بيد أن هول نفسه لم يكن يعتقد بأن هذه الكوارث ستكون آنية الى هذا الحد.
لكن هذا ما حدث بالفعل. فقد ارتفعت فجأة حرارة الارض نصف درجة، وتسارع ذوبان مجالد العالم الكتل الضخمة من الجليد الدائم، واختل توازن تيارات المحيط. وما لبثت الامواج البحرية العملاقة ان اجتاحت الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الشمالية، ثم تلاها سريعاً عصر جليدي جديد قضى على الحضارة الغربية في نصف الكرة الشمالي، ودفع من نجا من الغربيين للجوء الى أميركا اللاتينية وباقي أنحاء العالم الثالث.
قصة خرافية علمية أخرى؟ أجل. وهي صيغت في فيلم سينمائي يعرض الآن في كل انحاء العالم يحمل الاسم "اليوم الذي يلي الغد.
لكن مهلاً، هناك نقطتان مهمتان هنا. الاولى، ان هذا الشريط السينمائي الجديد أشعل النار في جدل لاهب أصلاً كان يجري في الولايات المتحدة وعلى ضفتي الاطلسي حول مسألة تغير المناخ او ما يطلق عليه شعبياً سخونة الجو، وحول مضاعفاته المحتملة على الجنس البشري برمته.
والثانية ان هذه الخرافة العلمية تستند الى نظرية علمية موضوعية، تقول أنه في لحظة ما قد يؤدي ذوبان الكتل الجلدية في القارة القطبية الجنوبية أو غرينلاند، او كليهما، الى خلق الفوضى في تيارات المحيطات التي تعمل كأحزمة ناقلة للحرارة. وهذا يؤدي بدوره الى انخفاض حاد في درجات حرارة نصف القارة الشمالي مهد الحضارة الغربية.
لا بل اكثر، يؤكد العديد من الخبراء أن تغير المناخ بدأ بالفعل. وهم يقدمون دليلين، أحدهما رمزي وصغير، والآخر حقيقي وكبير.
الدليل الرمزي تمثل في التقرير الذي نشرته قبل ايام منظمة شركات الضمان البريطانية ولم ينتبه الى خطورته احد عن تأثيرات تغير المناخ على صناعة التأمين، وخلاصته أن مضاعفات الاحترار العالمي بدأت بالفعل. بالتالي بات على الدول والمجتمعات أن تخصص موازنات لتغطية زيادة المخاطر الناجمة عن الحرارة والعواصف والفيضانات. وقدرت المنظمة أن الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية زادت سبعة أضعاف خلال السنوات الاربعين الماضية، وان المخاطر الناجمة عن كوارث المناخ سترتفع بنسبة مقدراها 2 الى 4 في المئة سنوياً. وبلغة الارقام، ستكلف الفيضانات التي ستضرب بريطانيا الساحلية خلال العقود المقبلة شركات التأمين أكثر من 40 بليون جنيه استرليني.
أما الدليل الحقيقي فهو أدلة عدة وليس دليلاً واحداً.
فخلال الصيف الماضي قتلت سخونة الجو 160 ألف شخص، بينهم 15 ألفاً في فرنسا وحدها. وبلغت درجة الحرارة في بريطانيا 38 درجة مئوية للمرة الاولى منذ آلاف السنين. كما اندلعت حرائق الغابات بكثافة في غرب اميركا الشمالية. وأدى ذوبان الثلج المفاجئ في سويسرا الى وقوع حوادث في جبال الألب. وتسببت الحرارة في ألمانيا بفيضانات كارثية ضربت الموسم الزراعي.
ويؤكد خبراء لجنة تغير المناخ الاميركية وهي أهم وأوثق هيئة مناخية علمية في العالم أن حرارة كوكب الارض ازدادت درجة واحدة خلال المئة سنة الماضية بسبب التلوث الصناعي، وأن فترة التسعينات شهدت أسخن طقس منذ ألف سنة في نصف الكرة الشمالي. ويشيرون الى أن مستويات البحر ارتفعت من 4 الى 8 انشات خلال القرن الماضي، أي عشرة أضعاف ما كانت عليه منذ ثلاثة آلاف سنة. وكل ذلك حدث، كما تشير اللجنة، بسبب غازات الحبيسة أي التي تحبس أشعة الشمس التي يطلقها الانسان، مثل ثاني أوكسيد الكربون، والميثان، واوكسيد النيتروس.
وتقدم لجنة رئاسية أميركية كلفت بدرس الاحترار العالمي، "عينة أولية" عن المضاعفات في تقريرها الذي حمل العنوان "محيطاتنا تموت". قالت أن آثار أقدام هذا الاحتضار منتشرة الآن في كل مكان، وهي تتمثل في التغيرات الجذرية في احوال الطقس المولدة للأعاصير الهائلة، في الضفادع المشوهة والطيور البحرية التي تولد عمياء، في النسبة المرتفعة والسامة من الزئبق في الأسماك، و في الامراض الجلدية التي يعاينها كل من يسبح قرب السواحل الغارقة بالنفايات الصلبة وبقايا النفط والغاز وغيرها.
وحذر التقرير من أن استمرار تلويث البحار الكبرى، سيؤدي عاجلاً ام آجلاً الى كوارث طبيعية ضخمة، وخسارة جزء كبير من الثروات السمكية، وتدهور الانظمة البيئية على السواحل والجزر، وتفاقم الامراض والأوبئة.
وقبل هذا التقرير، كان 1600 خبير من 60 دولة يذكرون الجنس البشري بأن التاريخ يثبت أن المياه الملوثة قتلت او شوهت أعدادا من البشر، أكبر بكثير من أولئك الذي قضوا او تشوهوا بسبب الحروب. وأرفقوا هذا التذكير باللائحة الحزينة الآتية:
1- الشعب المرجانية في أنحاء العالم تحتضر بنسب كارثية بسبب التلوث، ومياه الصرف الصحي، والتآكل، والصيد بسم الساينايد، والممارسات السياحية السيئة، وتفاقم سخونة الجو. مثلاً: نسبة الموت المرجاني في المحيط الهندي تتراوح الآن بين 70 الى 90 في المئة.
2- الاشعاعات في المناطق القطبية، الناجمة عن دفن الحاويات النووية والكيماوية، ارتفعت مئة مرة أكثر من مستوياتها العادية، ولا احد يستطيع ان يتوقع حجم الكارثة التي سيسببها هذا التطور.
3- الكميات الكبيرة من بقايا السماد النايتروجيني الذي يقذف الى الماء، يتسبب في نمو انفجاري في اعداد الطحالب البحرية. ومعروف ان الطحالب تستنزف الأوكسيجين، وهي خلقت في خليج المكسيك منطقة موت مساحتها 7 آلاف ميل مربع.
4- التلوث أدى الى انتشار مرض الكوايرا البكتيري في بعض البحار، مما أسفر عن مقتل 50 ألف طائر بحري على طول سواحل كاليفورنيا، و700 اوزة كندية نادرة.
5- الزلاحف المائية في كل العالم تتعرض لتورمات خطيرة تسببها فيروسة "فريدة" لها علاقة بمرض القوباء الجلدي لدى البشر. في حين ان فيروسة أخرى تهاجم الان أسماك السلمون فتقتلها بأعداد كبيرة، وتلحق أفدح الاضرار بالحيتان والدلافين.
ويلخص الباحث دوناهيو ما يجري الآن في البحار والمحيطات بالكلمات المعبرة الآتية:
"نحن البشر أغرقنا المياه بنفاياتنا الكيماوية والصناعية، وسوائل الصرف الصحي، والسموم القاتلة للأسماك والحياة المرجانية. وكل ذلك من اجل المال والربح. لقد اعتقدنا أن الارض والبحار متوافرة الى درجة اننا يمكن استغلالها الى ما لا نهاية. لكنني آسف ان أقول اننا كنا مخطئين. مخطئين حتى الثمالة، وسندفع الثمن غالياً".
تقرير البنتاغون
بعد هذا التقرير الرئاسي الاميركي، نشر تقرير آخر اكثر خطورة أعده خبراء مستقبليون بطلب من وزارة الدفاع الاميركية، يؤكد ان تغيرات دراماتيكية في المناخ قد تحدث فجأة، مسببة كابوساً أمنياً عالمياً. عنوان التقرير: "سيناريو التغير المفاجئ في المناخ، ومضاعفاته على الامن القومي الاميركي". وهنا بعض خلاصاته:
انقلاب المناخ قد يجعل شتاء بريطانيا شبيها بشتاء سيبيريا الحالي. درجات الحرارة في أوروبا ستهبط بشكل درامي بحلول العام 2020.
قبل العام 2007، قد تضرب عواصف عنيفة اجزاء كبيرة من هولندا وتجعلها غير قابلة للسكن. كما قد تضرب نظام المياه في جنوب كاليفورنيا كثيفة السكان.
أوروبا واميركا ربما تتحولان الى "قلاع حقيقية" لمحاولة وقف هجرة ملايين الاشخاص اليهما، بعد ان تؤدي مستويات مياه البحر العالية أو الجفاف الى هجرتهم من أوطانهم.
النقص الكارثي في مياه الشرب، سيتسبب في حروب عدة قبل العام 2020.
الصين ستتأثر بشدة من تغير المناخ، في حين أن بنغلادش قد تصبح تقريباً غير مناسبة للحياة بسبب ارتفاع منسوب البحر.
هل تنتهي قصة هذا التقرير الخطير هنا؟
كلا. لا يزال في ثناياها فصول لم تكتب بعد.
أول هذه الفصول ان البنتاغون، وعلى رغم أنه راعي التقرير، بذل جهوداً للتغطية عليه لأنه اعتبر أنه سيسيء الى الرئيس جورج بوش في سنته الانتخابية. ومعروف ان هذا الأخير يصر على الزعم بأن سخونة المناخ لا تشكل خطراً جدياً، لا على سكان الارض ولا على الامن القومي الاميركي.
ثاني هذه الفصول أن النخبة الرأسمالية في الولايات المتحدة لن تستطيع، حتى لو أرادت، أن تتجاهل بعد الآن المضاعفات الجيو- استراتيجية لانقلابات المناخ. لماذا؟ لسبب بسيط: الانقلابات ستحدث قريباً، كما يؤكد الآن تقرير البنتاغون ومئات التقارير العلمية المشابهة الاخرى. وحين يحدث ذلك، لن تستطيع هذه النخبة اخفاء الكوارث الكبيرة وراء اصبع النفي الصغير.
ثالث هذه الفصول أن العديد من كبار السياسيين والخبراء في أوروبا والعالم، بدأوا يدعون الآن الى اعتبار تغيير المناخ القضية الاولى على جدول الاعمال العالمي.
وعلى سبيل المثال، خرج السير ديفيد كينغ، كبير المستشارين العلميين لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير عن صمته اخيراً ليعلن أن "الاحترار العالمي بات يعتبر تهديداً أخطر بكثير من تهديد الارهاب".
وعلى سبيل المثال أيضاً، أعرب بوب واطسون، كبير علماء البنك الدولي، عن اعتقاده بأن الرئيس بوش "لن يستطيع تجاهل تقرير البنتاغون لأن تغير المناخ سيشكل تهديداً كبيراً للامن القومي وللاقتصاد الاميركي. ولذا عليه أن يعمل، والآن".
يعمل ماذا؟
أموراً عاجلة عدة: التقليص الحاد في استهلاك الوقود الاحفوري خلال السنوات الثماني المقبلة، الموافقة على قرارات قمة كيوتو حول خفض نسبة غازات الحبيسة بنحو 25 في المئة، الاقتصاد في استهلاك الطاقة حيث ان الولايات المتحدة وحدها تستهلك ربع ما تستهلكه كل دول العالم.
لا بل يذهب خبير أميركي الى أبعد من ذلك، حين يقول صراحة أنه يتعين على الولايات المتحدة "تغيير جلدها الرأسمالي، اذا أرادت تجنب الكوارث المناخية. وهذا لا يكون الا عبر القبول بإنزال نسبة النمو الاقتصادي الى النصف".
ويحذر البروفسور البريطاني جيمس لافلوك من أن كوكب الارض الغاضب الذي يسميه "غايا" لأنه يتصرف كمخلوق عضوي واحد سيحاول اعادة التوازن الى الطبيعة. بيد أن ذلك سيعني ازالة الحضارة ومعظم الجنس البشري. ويضيف: "ان الجنس البشري وضع نفسه في حال حرب مع الارض نفسها. وحدها الكوارث الان يمكن أن توقف هذه الحرب التي يدمر فيها التلوث الصناعي البشري الاعمى المناخ وتوازنات الرياح والمحيطات".
حلول كيوتو
لكن، ألا يمكن لاتفاقات كيوتو المناخية ان توقف هذه المسيرة الانتحارية؟
لافلوك لا يعتقد. ويؤيده في ذلك العديد من العلماء:
1- بروتوكولات كيوتو تستهدف خفض انبعاثات الغازات على المدى القصير لا الطويل. وهي تمنح أوروبا، الاكثر حماساً لها، حق شراء "كوتا التلوث" من دول أخرى أقل تصنيعاً منها مثل روسيا. وهذا يعني ان نسبة الخفض ستكون دوماً محدودة.
2- الولايات المتحدة، وهي الملوث الأكبر في العالم، رفضت باجماع الكونغرس وكل أعضاء السلطة التنفيذية الالتزام بكيوتو. وهي تدعو، بدلاً من ذلك، الى تطوير التكنولوجيا التي قد تحول الغازات المتبخرة الى صخور جامدة، على رغم معرفتها بأن هذا التطوير يحتاج الى عقود، ان لم يكن الى اجيال.
3- معظم الشركات متعددة الجنسية لا تفكر حتى مجرد تفكير في خفض التلوث، لأن ذلك سيضعف من قدرتها التنافسية.
4- وأخيراً، تشعر الدول النامية، خصوصاً الصين والهند والنمور الآسيوية حديثة التصنيع، ان الغرب يريد تدفيعها عن غير حق ثمن تلويث الارض، على رغم انها هي التي فعلت ذلك على مدى ال200 سنة الماضية.
ماذا يعني كل ذلك؟
أنه يعني أن أحداً على الارض لا يبدو مستعداً حتى الآن لانقاذ الارض من مرض الاحترار العالمي. لا الدول، ولا الشركات، ولا حتى العديد من العلماء الذين ما زالوا يتبنون ترهات السياسيين والاقتصاديين الرأسماليين الخطرة، حول عدم وجود مخاطر داهمة على "الغايا".
وآخر تلك الترهات الدراسة التي نشرتها باولا دوبريانسكي، نائبة وزير الخارجية الاميركي للشؤون العالمية، والتي أقل ما يقال عنها أنها كانت "فضائحية" لأسباب عدة.
فهي، اولاً، تدعي أنه ليس هناك سوى مخرجين من أزمة الغازات القاتلة للمناخ والحياة، وهما اما من خلال التكنولوجيات الراهنة على حساب النمو الاقتصادي، واما من خلال تكنولوجيات جديدة تغير الطريقة التي ينتج ويستهلك فيها البشر الطاقة. وهذه بالطبع فرضية زائفة سنرى بعد قليل لماذا.
وهي، ثانياً، تصف اتفاقات كيوتو بأنها "غير واقعية"، لأنها لا تأخذ التكنولوجيات الجديدة في الاعتبار، ولأنها لا تقدم حلولاً للدول النامية التي ستصبح قريباً أكبر الاطراف الملوثة في العالم. وهذا أيضاً توصيف زائف. فاتفاقات كيوتو لا تقف حجر عثرة امام التكنولوجيات الجديدة في حال وجودها، اضافة الى أن موافقة 119 دولة عليها، جلها من العالم الثالث، تظهر مدى جدية الدول النامية في العمل لإنقاذ كوكب الارض.
ثم أنها ثالثاً، تدعي أنه ليس معروفا بعد حجم الارتفاع في درجة حرارة الارض التي يتسبب به البشر، ولا محسوماً أيضاً مضاعفاته بعيدة المدى. وهذا أيضاً وأيضاً توصيف زائف. فمعظم العلماء باتوا يجمعون على ان الغازات الصناعية بدأت تغير بالفعل تركيبة طبقة الاوزون الحيوية للحياة على الارض. وأي طفل صغير في أصغر مدرسة اميركية يعرف أن تزايد معدلات ثاني أوكسيد الكربون وباقي الاوكسيدات السامة، يشكل كارثة محققة لكل مخلوقات الله على الارض.
كيف يمكن لمسؤول أميركي كبير أن يرتكب هذا العدد الكبير من المغالطات؟ وهل هو مقتنع حقاً بما يقول؟ الارجح ان الامر كذلك. فما هو قيد العمل في النخب الحاكمة الاميركية، لا يقل عن كونه ايديولوجيا متكاملة تقوم على تنصيب التكنولوجيا كآلهة جديدة، بعدما كانت ثورة الحداثة الاوروبية أعلنت موت كل، وأي آلهة منذ نهاية القرن التاسع عشر.
نقطة البداية في هذه "الديانة التكنولوجية" هي نفسها نقطة النهاية: الالتزام المطلق بالفلسفة المادية الميكانيكية التي تعتبر الطبيعة الحية آلة أخرى، والتي تدعو الى السيطرة على هذه الاخيرة بالقوة العارية، عبر القوة الرأسمالية العارية. انها الليبرالية المتوحشة نفسها، وقد وجهت قذائفها هذه المرة نحو الطبيعة بدلاً من المجتمع، بهدف "مسح الارض" خدمة لحفنة رأسماليين قد لا يتجاوز عددهم بضع مئات، على حساب مئات بلايين المخلوقات البشرية على هذا الكوكب الازرق.
بالتالي من المستبعد تماماً أن تقدم الادارة الاميركية الحالية على أية اجراءات مناخية من شأنها المس بمصالح كبار الرأسماليين. وهذا، على أي حال، كان واضحاً من خلال تجاهل الرئيس بوش تقرير البنتاغون عن المناخ. كما كان واضحاً قبل ذلك في رفضه لبروتوكول كيوتو حول وقف سخونة الارض، وامتناعه عن التصديق على معاهدة الريو حول التنوع البيولوجي وعلى معاهدة الحرب البيولوجية.
والارجح ان تعمد الادارة الى "تجزئة" الكوارث البيئية. أي: التعاطي مع كل كارثة على حدة، بعد وقوعها. ولا ننسى هنا أن ادارة بوش لن تكون موجودة في السلطة حين ستجتاح العواصف العاتية جنوب كاليفورنيا وهولندا، او حين تصبح بنغلادش غير قابلة للعيش بعد ارتفاع منسوب مياه البحر.
ما المخرج اذاً؟ كيف يمكن انقاذ الارض والبيئة، قبل ان تبدأ أمنا الطبيعة "غايا" انتقامها الرهيب منا؟ في اطار موازين القوى العالمية الراهنة، حيث النخب الرأسمالية الاميركية المتطرفة هي القاضي والحكم، لا مخرج.
الحل الوحيد هو في بروز موازين قوى جديدة، يقوم بموجبها المجتمع المدني العالمي بثورة مشتركة مع القوى الديموقراطية داخل المجتمع المدني الاميركي، لإجبار هذه النخب على وضع حد لأنانيتها ولبدء التفكير بمستقبل البشرية وكوكب الارض ككل.
قد لا تكون هذه مهمة سهلة، خصوصاً ان المخاطر البيئية والسكانية لا تزال في علم الغيب على رغم أنه بات غيباً قريباً جداً. وقد لا تستجيب النخبة الرأسمالية الاميركية بسهولة للضغوط التي ستمارس عليها. لكن ليس هناك مخرج آخر. فارتفاع منسوب المحيطات، والاحترار الحراري، باتا أمام البشر، والشتاءات الجليدية الزاحفة والعواصف المدمرة باتت وراءهم. وعليهم أن يختاروا بسرعة بين الرفاهية على المدى القريب، والبؤس النهائي على المدى البعيد.
وهذا الاختيار، للمناسبة، يجب ان يحدث الآن لا غداً. لماذا؟ ببساطة لأننا قد لا نكون موجودين غداً كي نختار، كما أشار عن حق فيلم "اليوم الذي يلي الغد"!
اعتراف
أعترف رون أوكسبرغ ، رئيس شركة "شل" النفطية التي تعتبر من اكبر شركات البترول في العالم، بأن المضاعفات الكارثية لتغيّر المناخ باتت على الابواب. وقال، في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن تهديد تغيّر المناخ ، يجعلني قلق كثيرا على مصير كوكبنا. إننا في حاجة ماسة الى "إعتقال" إنبعاثات الغازات الحبيسة المسّببة لسخونة الجو، خصوصاً ثاني أوكسيد الكربون، وخزنها تحت الارض.
هذ الاعتراف هو الاول من نوعه، إذ درج قباطنة الأقتصاد العالمي على التأكيد دوما بأن العلم لم يثبت بعد ان تغّير المناخ سببه غازات المصانع. وهكذا قال لي رايموند، رئيس شركة النفط "إكسون- موبيل" اخيراً: "لا نعتقد بأن العلم أثبت وجود علاقة ما بين الوقود الاحفوري والاحترار العالمي".
وهكذا أيضا، كانت معظم الشركات العالمية الكبرى ترفض أي وكل إقتراح لأعادة النظر في كيفية إستهلاكها للطاقة، ناهيك بتوفير التمويل للأبحاث حول طاقة الريح والشمس، بحجة ان ذلك يضعف قدراتها التنافسية.
لكن منظمات البيئة الدولية شككت بالدوافع الحقيقية لرئيس "شل"، وقالت أن فكرة "خزن الكربون "تحت سطح البحر او الارض، مكلفة للغاية. وبالتالي فهي مجرد ستار دخان لتبرير مواصلة الاعتماد على الوقود الاحفوري".
وأوضح بريوني وورثينغتون ، احد مسؤولي منظمة "أصدقاء الارض"، هذه النقطة بقوله: ليس موقفا مسؤولا القول أننا سنتعهد القيام بخزن الكربون ، لكن إذا لم ينجح ذلك فإن الارض ستخرب. إنه رئيس شل كان ذكيا جدا حين قال انه قلق للغاية من تغّير المناخ ، بيد انه في الوقت ذاته لم يتعهد بأي شيء من شأنه تبديد هذا القلق".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.