هل يأتي الغلاف الجوي للكوكب الأزرق، وخصوصاً غاز ثاني أوكسيد الكربون، بالاكتشاف الأهم للعام 2007، بل ربما لسنوات كثيرة مقبلة؟ يصعب تجنّب هذا السؤال بعد قراءة المسودّة غير الرسمية للتقرير التقويمي الرابع لپ"المنتدى الحكومي عن التغيّر في المناخ"Intergovernmental Panel on Climate Change، والمعروف باسمه المختصر"آي بي سي سي"IPCC. ومن المتوقع أن يصدر اليوم التقرير، الذي يحمل عنوان"تغيّر المناخ 2007"، في صيغته النهائية. وقد اجتمع العلماء المُكلّفون من الاممالمتحدة بكتابة التقرير قبل 4 أيام في باريس، بهدف اعطاء تشخيصهم حول"القنبلة المناخية"المتمثلة بارتفاع حرارة الكوكب خصوصاً بالنسبة الى المستقبل. وعلى نطاق واسع، يُنظر إلى تقارير المنتدى باعتبارها مرجعاً موثوقاً للمعارف عن التقلّبات المناخية ضمن مدّة التوقّع التي لا تزيد، في العادة، عن خمس سنوات. والحق أن المنتدى المذكور تشكّل في العام 1988 بجهد مشترك من"منظمة الطقس العالمية"وپ"برنامج المناخ في الأُمم المتحدة"، لتقويم المعلومات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية المتصلة بفهم مناخ الأرض. ومنذ ذلك الوقت ، باتت تقارير المنتدى تصدر بصورة شبه دورية، لتُعطي خلاصة عن دراسات علمية تحاول تفسير ظواهر مناخية عدّة، خصوصاً الاحتباس الحراري وعلاقته مع التلوث بالغازات التي تنجم عن احتراق الوقود. ويتوقع البعض أن تُمَثّل تلك الغازات بالتحديد مصدراً للتبّدل في النظرة العلمية الراهنة إلى العوامل التي تثير الاضطراب في مناخ الأرض. اليد"الخفية" في 11 / 9 / 2001، ضَرَب الارهاب أميركا، فعمدت سلطاتها إلى وقف فوري لتحليق عشرات آلاف الطائرات في أجوائها. وفي الأيام الثلاثة التالية، لاحظ مراقبو الطقس أنه سجّل سخونة بطريقة غير مألوفة. وثار سؤال: إذا كان التلوث سبباً في ارتفاع الحرارة، ألا يُفتَرض في انخفاض التلوث، أي مع توقف ما تنفثه الطائرات من غازات، أن تلطّف الأجواء؟ وخطر في بال ثلة من العلماء في"وكالة الفضاء والطيران الأميركية""ناسا" أن يقارنوا تلك المُعطيات مع ما يجري في أوروبا، التي يتصاعد قيظ الصيف فيها بصورة مضطردة، على رغم جهودها في مكافحة انبعاث غازات التلوّث. وتبيّن أن ما حدث في الحالين هو انخفاض بعض مُكوّنات التلوّث، خصوصاً الدخان، الذي يصدر بكثافة عن الطائرات، والذي استهدفته الإجراءات الأوروبية في الحدّ من التلوّث. واستنتج بعض العلماء أن المثالين الأوروبي والأميركي يشيران إلى الدور الهائل الذي يلعبه ثاني أوكسيد الكاربون في رفع حرارة الكوكب. وذهبوا الى القول إن الدخان يلفّ الأرض كالدثار، فيُساهم في الاحتباس الحراري، ولكنه يصدّ أيضاً الكثير من الطاقة التي تصل مع أشعة الشمس. وعند انخفاض نسبة العوادم الدخانية، يزداد تدفق حزم الأشعة الشمسية بأثر من صفاء الجو، فترتفع الحرارة! لم يكن هذا العنصر من التناقض في مُكوّنات غازات"البيت الزجاج"معروفة قبلاً. ولم تتأكد هذه الوجهة العلمية بعد. وإذا تبناها النص النهائي لتقرير"المنتدى الحكومي"في باريس، فقد يصبح ذلك الاكتشاف العلمي الأبرز في العام 2007. وقد بات معروفاً أن ذلك التقرير، وبحسب مسودته التي نشرتها صحيفة"إيدج"الاسترالية أخيراً، يشير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة قد يخلّف ملايين من الجياع في حلول عام 2080، كما قد يُسبب نقصاً خطيراً في المياه في الصين واستراليا وأجزاء من أوروبا والولاياتالمتحدة، ربما طاول بين 1,1 و3,2 بليون شخص. وتوقّع ان يعاني ما بين 200 مليون و600 مليون شخص نقصاً في الطعام في غضون ال 70 سنة المقبلة، فيما ستضرب الفيضانات الساحلية سبعة ملايين منزل. ولعل أهم ما ورد في تلك المسودة، إجماع الخبراء على القول إن متوسط درجات الحرارة قد يرتفع بمقدار درجتين إلى ثلاث درجات مئوية أو حتى أربع درجات! ويُعتبر هذا الارتفاع كارثياً، خصوصاً إن التقرير السابق للمنتدى عينه لم يتوقع أن تتجاوز الزيادة في حرارة الأرض درجة مئوية، ما يُشير إلى تراكم معطيات سلبية في هذا الخصوص. ويُعزّز الانطباع المتشائم أن الارتفاع في حرارة الكوكب استمر خلال الپ145 سنة الأخيرة، بحسب اختصاصي المناخ الفرنسي جان جوزيل. ولا يتردد التقرير في الحسم بأن أنشطة البشر، التي تولّد غازات التلوث، مسؤولة بنسبة أكثر من 90 في المئة عن احترار الأرض. وفي نبرة أقل تشاؤماً، يشير التقرير أيضاً إلى أن الوقت لم يفُت بالنسبة الى تدارك تلك الظاهرة، إذا بُذل جهد مناسب عالمياً. ولذا، دعا الخبراء إلى عقد قمة عن المناخ، في خريف السنة الجارية، بهدف وضع ميثاق يُشبه بروتوكول"كيوتو". وقد يتضمن الميثاق المُنتظَر إجراءات أكثر جذرية لخفض انبعاث غازات التلوث، إضافة إلى التوصل لإقناع دول مثل اميركا والهند والصين بالالتزام بالجهد العالمي لخفض انبعاث الغازات المُسبّبة للاحتباس الحراري. بوش سَيّسَ الرأي العلمي عن المناخ يتألف التقرير التقويمي الرابع لمنتدى"آي بي سي سي"من 4 أجزاء تحتوي أكثر من 2500 دراسة أنجزها على مدار 6 سنوات 450 خبيراً توزعوا على 130 بلداً"إضافة إلى مساهمات ما يزيد على 800 اختصاصي آخرين. ويعرض التقرير التقدّم الذي أُحرز في الفهم العلمي للعناصر المؤثرة في المناخ"وخلاصات عن الدراسات المُعمقة للثلوج القطبية وتكويناتها العميقة. كما يقدّم استعراضاً تاريخياً بانورامياً للكيفية التي تغيّر فيها المناخ خلال مئات آلاف السنين السابقة"لينفذ إلى التوقّعات عن الاتجاهات التي قد يسلكها مناخ الأرض مستقبلاً. والحق أن منتدى"آي بي سي سي"أصدر 3 تقارير في الأعوام 1990 و1995 و2001. وأعطى التقرير الأول الأُسس العلمية التي تُبرّر القلق العالمي حيال المتغيّرات في المناخ. وتألّف التقرير الثاني من 3 دراسات أعطت الأساس العلمي لميثاق"كيوتو"عن خفض انبعاث غازات التلوّث المُسبّبة للاحتباس الحراري. وأشار التقرير الثالث، وللمرة الأولى، إلى امكان تخفيف ظاهرة الارتفاع المستمر في حرارة الكوكب. وقد انطلقت الدراسات المتعلقة بالتقرير الرابع في تشرين الثاني نوفمبر من العام 2003، عندما أقرّ الخبراء الخطوط العامة للبحوث المناخية المطلوبة. وخلال تلك السنوات، حدث تبدّلان أساسان في الموقف من المناخ، في اتجاهين مختلفين كليّاً. فمع تتابع مؤتمرات البيئة العالمية، وأقربها إلى الذاكرة مؤتمر مونتريال في كندا في العام 2005، أستطاع العلماء دحض الوجهة التي أصرّت على نفي وجود علاقة بين انبعاث غازات التلوث، التي تنجم أساساً عن احتراق النفط والفحم الحجري، والارتفاع المُضطرد في حرارة الأرض. وكذلك أثبت العلماء أن زيادة حرارة الكوكب هي ظاهرة موجودة علمياً. وعلى عكس هذه الوجهة، أدى وصول الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش الى سُدّة الرئاسة الأولى في الولاياتالمتحدة إلى انسحاب بلاده من ميثاق"كيوتو"، الذي تحمّس له سلفه الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون. وذكّر ذلك بالموقف السلبي لأميركا من التوقيع على معاهدة"ريو دي جنيرو"1992 لحفظ التنوّع البيولوجي في الكرة الأرضية. ومع بوش، خضع علماء الولاياتالمتحدة إلى ضغط سياسي هائل كي يقدموا وجهة نظر علمية تدعم الميول السياسية الپ"المُحافظين الجُدّد"المعروفين بقربهم من أوساط شركات النفط. ووفرت الضغوط الغطاء العلمي اللازم لدعم دأب إدارة بوش على الإدعاء بعدم وجود رابط بين غازات التلوث والتقلّبات المناخية في الأرض، وخصوصاً ما يُعرف باسم"أثر بيت الزجاج". انظر المربعين. وتدريجاً، تصاعد صوت الاحتجاج في المجتمع العلمي الأميركي والعالمي. وبعد سيطرة الديموقراطيين على مجلسيّ الكونغرس، ثارت الآمال بزوال ضغوط التسييس الواسع على الرأي العلمي من المناخ الذي مارسته إدارة الرئيس بوش. والمفارقة أن الضغوط مورست بالطريقة ذاها خلال رئاسة جورج بوش الأب، بهدف توفير غطاء علمي لعدم التوقيع على"مُعاهدة ريو"عن التنوّع البيولوجي! وانفجرت تلك المشكلة أخيراً عندما اتهم عدد من لجان الكونغرس الرئيس بوش بممارسة ضغط على علماء المناخ من أجل التقليل من شأن ظاهرة الارتفاع في حرارة الأرض. وبيّن تقرير صدر عن"اتحاد علماء المناخ في اميركا"أن 46 في المئة منهم عانوا من ضغوط هدفت الى دفعهم إلى حذف عبارات مثل"تغيّر المناخ"أو"الاحتباس الحراري"من بحوثهم. وكذلك أوضحوا أنهم واجهوا في الغالب صعوبة في نشر نتائج بحوثهم إعلامياً، في حال تسلطيها الضوء على الارتفاع المضطرد في حرارة الأرض. ويسعى ممثلو الحزب الديموقراطي، وخصوصاً السيناتور هنري واكسمان، الذي يرأس لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي في مجلس النواب، إلى عقد جلسة لفضح رفض الإدارة الاعتراف بظاهرة الاحتباس الحراري. وأعرب واكسمان عن اعتقاده بوجود"جهد منسق لتضليل الرأي العام إزاء خطر التغيّر في المناخ". هل تتحوّل ظاهرة الاحتباس الحراري إلى فضيحة سياسية للرئيس بوش في الأشهر القليلة المتبقية من ولايته؟ ما أثر "البيت الزجاج"؟ عندما تدخل بيتاً زجاجياً، حيث تُزرع النباتات والأزهار، تشعر بأن الهواء داخله أكثر دفئاً من الخارج، لأنه محمي من الرياح. يَعْبرُ نورُ الشمس مباشرة من سقف البيت الزجاج وجدرانه، ليَسْقطُ على أرضيته، فتدفأ وتمتص طاقةَ الضوء وتحولها إلى حرارة. تصدر عن الأشياء الدافئة داخل البيت الزجاجي موجات من الأشعة ما تحت الحمراء. لا تستطيع هذه الأشعة عبور الزجاج، فيعكسها السقف مجدداً الى الداخل. هذا يَعْني أنّ الطاقةَ الشمسية تبقى محصورة داخل البيت الزجاجي على هيئة حرارة. لهذا السبب يكون الهواء داخل البيت الزجاجي أدفأ من الخارج. لنعطِ مثلاً: في يوم صيفي في شمال إنكلترا، كانت درجة حرارة الهواء خارج البيت الزجاجي 19.6 درجة مئوية بينما كانت داخله 32.5 درجة مئوية. يعمل الغلاف الجوي للأرض مثل البيت الزجاج. يأتي نور الشمس ويخترق الهواء. يمتص سطح الأرض، وكذلك المحيطات، دفء الشمس"ما يؤدي إلى سخونتها. ثم تصدر منهما حرارة على هيئة موجات من الأشعة ما تحت الحمراء، لكنها ترتطم بغازات الغلاف الجوي وتخزّن داخل ذلك الغلاف. يمتص بخار الماء الأشعة ما تحت الحمراء، المنبعثة من البيوت الزجاج، إضافة الى الغازات مثل ثاني أوكسيد الكربون. والمعروف أن كمية ثاني أكسيد الكربون زادت في السنوات المئة الأخيرة بنسبة 25 في المئة، جراء استخدام النفط والغاز والفحم الحجري. ولذا، تتحمل غازات الغلاف الجوي المسؤولية عن"أثر بيت الزجاج". وتتضمّن قائمتها الميثان، الذي يأتي من السماد وبراز المواشي، وكلوروفلروكربون الذي استخدم لسنوات عدة للتبريد في الثلاجات. وكلما زادت كمية تلك الغازات، تفاقمت ظاهرة"أثر بيت الزجاج"وما ينجم عنها من كوارث بيئية. هل تعلم؟ ان اشعة الشمس تحمل كمية من الطاقة الى الأرض قد تصل الى كيلووات على كل متر مربع من سطحها. لهذا السبب يبدو الجو دافئاً ولطيف الأثر على الجلد في المناطق المعتدلة، بينما قد يتسبب بحروق في الأماكن الحارة. الميثان وثاني أوكسيد الكربون يعمل الغلاف الجوي للأرض مثل"البيت الزجاج""فيحبس الطاقةَ التي تأتي من نور الشمس. وكذلك تعمل غازات التلوث المتراكمة في الهواء، على امتصاص الحرارة التي تخرج مِن الأرض والمحيطات الدافئة على هيئة حزم من الأشعة تحت الحمراء. راجع ما هو"أثر البيت الزجاج"؟ ولذا، يُطلق على غازات التلوث اسم"غازات البيت الزجاج""وأكثرها شهرة هما الميثانِ CH4 وثاني أوكسيد الكربون CO2، وأردتُ أن أعرف إذا كنت أستطيع أن أُثبت مفعول"البيت الزجاجي"عبر تجربة صغيرة. أَخذتُ ثلاث قنان بلاستيك متشابهة. تركت إحداها فارغة، بمعنى أنها مملوءة بالهواء. وملأت الثانية بالميثان. ووضعت في الثالثة قطعة من الثلج الجاف، وهو الشكل الصلب من ثاني أوكسيد الكربون، وتركتها لتتبخر تدريجاً. وضعتُ القناني الثلاث جنباً إلى جنب على الشرفة لكي تحصل على الكمية نفسها من أشعة الشمس. بعد قياس درجة حرارة الغازِ في الداخل، يمكنك المراهنة على أنَّ قنينة الميثان وقنينة ثاني أوكسيد الكربون ستظهران درجات حرارة أعلى مِن القنينة التي تحتوي على الهواء. وقد يثير الأمر حفيظة بعض العلماء ممن يميلون الى اعتبار ان ارتفاع درجات الحرارة هو مجرد صدفة! لماذا يعتبر الميثان وثاني أوكسيد الكربون من غازات"البيت الزجاج"؟ لماذا يمتصان الأشعة ما تحت الحمراء؟ الجواب هو أن هذين الغازين يتألفان من جزيئات مرنة. ويتكوّن جزيء ثاني أوكسيد الكربون من ذرة أوكسجين في الوسط، وبجانبها ذرتا أوكسجين. ترتصف هذه الذرّات الثلاث في خط مستقيم. وتهتز ذرّة الكربون جيئة وذهاباً في هذا الخط المستقيم، بأثر من الأشعة تحت الحمراء. وبمعنى آخر, تمتص ذرّة الكربون الأشعة ما تحت الحمراء بفضل اهتزاز ذرّة الكربون فيها. وتدريجاً، يشرع جزيء ثاني أوكسيد الكربون بالتذبذب، فترتفع حرارته. يتألف جزيء الميثانِ من ذرّةِ كربون وأربع ذرّات هيدروجين مرتصفة حولها على شكل هرم. هذا الجزيء مرن أيضاً، ما يمكنه أيضاً من امتصاص الأشعة تحت الحمراء في الغلاف الجوي. وبتلك الطُرُق، يساهم غازا الميثان وثاني أوكسيد الكربون في سخونة كوكب الأرض.