كثيرات هن الشهيرات والنجمات اللامعات في دنيا الفن والأدب والعلم واللواتي التزمن قضية ما ويناضلن في سبيلها. نجدهن بالمئات يعملن على أرض الواقع، مستغلات الشهرة والنجومية والموهبة الأدبية أو العلمية للعمل من أجل الغير وفي سبيل الوطن والمواطن والإنسانية والإنسان، ويقدمن المثال الحي للالتزام العميق والعملي. هؤلاء النسوة يفضلن النضال والتظاهر والحوار والعمل الميداني، فيما يفضل الرجل وأهل السياسة حمل السلاح أو تدمير الطبيعة من أجل طموح مادي. كثيرات هن النساء الملتزمات بالقضايا الكبيرة والصغيرة وفي مقدمها المناداة لوقف الحروب والتسلح النووي والنضال من أجل قضايا السلام وحقوق الإنسان ومحاربة الفقر والجوع والمرض، خصوصاً في البلاد النامية والفقيرة. الحروب تقتل والجوع أيضاً ومثله المرض الذي يحتاج إلى علاج وطبابة. وفي هذا المجال نجد المرأة ملتزمة أكثر من الرجال، وتوجد بشكل أكبر في العمل التطوعي الميداني في التنظيمات الإنسانية العالمية. امرأة شهيرة مميزة وصاحبة قضية، هذا ما تبرزه وسائل الإعلام مع كل أزمة انسانية أو سياسية مهمة في العالم. وكما جين فوندا وسوزان سارندون، وقفت مئات النجمات الأميركيات في وجه الإدارة الأميركية رافضات إعلان الحرب على العراق. وفي فرنسا، هناك شهيرات ملتزمات بقضايا بلادهن والعالم أمثال الممثلة الراحلة ماري ترنتنيان المعادية للحروب والمتظاهرة ضد حرب العراق وسياسة بوش، ومثلها ايمانويل بيار المعادية للحروب ولسياسة فرنسا القاضية بإبعاد المهاجرين القسري ممن لا يحملون رخصة عمل وانتهاء مدة التأشيرة للإقامة من دون ايجاد عمل شرعي، ومع اعتصامها مع المهاجرين تعرضت بيار إلى النقد اللاذع من قبل وسائل الإعلام الخاصة باليمين الفرنسي. ولا ننسى تلك النساء اللواتي يتخذن من قضايا الطفولة والأمومة والرعاية الصحية وحقوق المرأة والإنسان، هدفاً يعملن من أجله، أمثال السفيرات من النجوم وهن كثيرات جداً في منظمتي "اليونيسيف" و"الاونسكو" أمثال اودري هيبيرن وسواها من الشهيرات، إذن النساء المميزات والشهيرات والملتزمات بقضية ما هن كثيرات في عالمنا، ويقدمن المثال الحي في عمق الالتزام والدفاع عن معتقداتهن من دون خوف من سلطة أو حكم أو انتقاد عام وتأثير على سمعة ومستقبل مهني. نشاط نسوي دولي في أيلول سبتمبر 2001، نظمت تظاهرة سلمية صامتة لتقول لا لإعلان الحرب على العراق. وكانت المرة الأولى في تاريخ الولاياتالمتحدة التي يفترش المتظاهرون، وغالبيتهم من النساء، الأرض أمام البيت الأبيض. بالطبع هي المرة الأولى في واشنطن وليست في أنحاء المدن الأميركية. ففي كل مرة تسير فيها السياسة الأميركية في الطريق إلى حرب ما، كحربي فيتنام والخليج ومن ثم الحرب على العراق، نجد دائماً نساء يعلن رفضهن دخول أميركا في نزاع مسلح يأتي بالموت والخراب وخسارة الأرواح. وبدأت هذه التظاهرات السلمية الصامتة في جامعة بيركلي بالقرب من مدينة سان فرانسيسكو أثناء حرب فيتنام، ثم استمرت بعد ذلك مع الحركة المعادية للحروب في عموم البلاد. وهذا النوع من النضال كان ولا يزال سلاح المرأة والشباب ضد الحروب. ومع أن هذا النوع من النضال لا يملك فعلاً أي وزن حقيقي في اتخاذ القرارات، لكنه يؤثر على الرأي العام عبر لفت نظر المواطنين إلى الأسباب الفعلية للحرب وللمآسي التي ستؤدي إليها، وفي بعض الأحيان تضطر السلطة الحاكمة لأخذ هذه التظاهرات في الاعتبار، خصوصاً في فترات الأزمات السياسية الداخلية أو خلال الفترات الانتخابية العامة. يبدو أن شبح الممثلة الهوليوودية الشهيرة جين فوندا القادم من سنوات السبعينات مع نضالها الشرس ضد حرب فيتنام، دخل رغماً عنها ومن دون ارادة منها حرب الحملات الانتخابية الأميركية، حيث استغله مكتب جورج بوش الإعلامي لمحاربة جون كيري، وذلك بسبب صورة نشرتها الصحف للمناضلة جين فوندا تتحدث إلى المواطنين عن خطأ حرب فيتنام وقذارتها، وبقربها جون كيري العائد من الحرب والمنادي مثل جين بوقفها. ولم ينكر كيري موقفه من تلك الحرب، لكن فوندا بقيت في الذاكرة الجماعية لأميركا، كمناضلة معادية للحرب. وحتى اليوم تبقى فوندا مثالاً للالتزام بالقضايا العامة السياسية منها خصوصاً، ثم الإنسانية والمتعلقة بحقوق المرأة في أميركا. وهي على رغم ابتعادها إلى حد كبير عن النشاط الاجتماعي العام واعطاء الرأي والنقاش، إلا أنها ما زالت تؤثر تأثيراً كبيراً على قرارات المنظمات الأميركية المعادية لدخول البلاد في الحروب. والسبب أن شبح فوندا في هانوي عام 1972 يحوم في قاعة الاجتماعات الخاصة باتخاذ قرارات استراتيجية لتلك المنظمات، إذ تركت بصمات لا يمحوها الزمن من الذاكرة الجماعية الأميركية التي اتهمت فوندا بالخيانة. في تموز يوليو 1972، وصلت فوندا إلى هانوي ووقفت أمام عدسات الصحافيين وطلبت تصويرها وهي جالسة على كرسي خاص بمدفع مضاد للطائرات، مرسلة نداءات تطالب فيها الجنود الأميركيين التوقف عن قصف فيتنام الشمالية. وكررت النداءات هذه من إذاعة هانوي، يومها طالب أعضاء الكونغرس ملاحقتها أمام العدالة بتهمة الخيانة، كما طالب بدوره احد كبار المعلقين السياسيين في احدى صحف نيوهامشاير المعروفة، بادانتها بالخيانة العظمى وتنفيذ حكم الاعدام فيها. وبعد سنوات عدة من انتهاء حرب فيتنام، قدمت جين اعتذاراً للمحاربين القدامى. واعتبر العارفون بخبايا هوليوود ان رحلتها الى هانوي اثرت بشكل كبير على مستقبلها كممثلة. واليوم، ومع استمرار التظاهرات المعادية للحرب في العراق، عادت ذكرى زيارة جين الى هانوي الى الاذهان، وكما أكدت احدى المحللات للسياسة الاميركية، فان ما اورثته فوندا في حرب فيتنام، هو أمر دائم الحضور في اجتماعات البيت الابيض. تماماً كوجوده في كل حفل لتوزيع جوائز الاوسكار، حيث يتساءل الصحافيون عن عدد الممثلين والممثلات ممن سيعطون رأيهم السياسي خلال وجودهم على المنصة، وكم عدد من سيتحول في ما بعد الى فوندا المناضلة. ومنذ أشهر عدة قامت فوندا بزيارة الى رام الله في فلسطين، ضمن نشاط سياسي ملتزم لكنه أقل حدة من السابق حيث التقت بمسؤولين ونساء فلسطينيات، ودانت الطريقة المهنية وغير الانسانية التي يعتمدها عناصر الحواجز الاسرائيلية. كما اعتبرت ان كل ما تقوم به اسرائيل هو أمر مهين للكرامة والانسانية تماماً كما هي سياسة شارون. وأعلنت عن اعجابها الكبير بقوة وصلابة المرأة الفلسطينية في عملها ونضالها ومحاولتها الدائمة للتطور على رغم السجن الكبير الذي تعيش فيه. لقد كانت فوندا، من دون شك، كبش المحرقة لاخطاء قام بها كبار السياسة في حرب فيتنام. ووقعت على البيان المناهض للحرب على العراق، لكنها وحفاظاً على أمن وسلامة الحركة المعادية للحروب، وهي من اعضائها، لم تتحدث في اللقاءات والاجتماعات العامة، مدركة ان اسمها لن يساعد، وان صفة الخيانة لن تساعد الحركة في نضالها. اما الممثلة سوزان سارندون الحائزة على الاوسكار كما فوندا، فهي معروفة أيضاً بالالتزام السياسي والانساني. وأكدت أخيراً ضرورة تخلص اميركا من سياسة بوش وحكمه، وهذا أمر حيوي بالنسبة للمواطن الاميركي وللبلاد التي عليها ان تستيقظ اخيراً وتغير الحكم كما أشارت. وسارندون دفعت غالباً ثمن التزامها السياسي، وتحملت الشتائم من قبل الاذاعات التي تبث البرامج الحية والتي تحاور من يريد من المواطنين مباشرة على الهواء، وهي برامج كثيرة جداً في اميركا"Talk-Shows" بسبب موقفها المعادي للحرب على العراق، كما تم وضعها على اللائحة السوداء وطالب يمينيون متطرفون بتصفيتها بعد اتهامها بالخيانة العظمى مع زوجها الممثل والمناضل تم روبنز، وأيضاً بمعاداتها لبلادها. وسوزان اليوم تحت المراقبة الدائمة من رجال الشرطة، وهي اسوة بفوندا تملك ملفاً في مكاتب ال"اف بي آي" يوثق حياتها ونضالها وتحركاتها. وتعتبر سارندون من كبار الممثلات حالياً ويحتل اسمها مكاناً في جادة النجوم بهوليوود. وعلى رغم نشاطها السينمائي والانتاجي وحياتها الزوجية كأم لاطفال ثلاثة، هي امرأة ملتزمة ومواطنة عالمية أكثر منها نجمة لامعة. تعمل على الجبهات كافة لخدمة القضايا العادلة والمحقة. وعندما كانت طالبة تظاهرت ضد حرب فيتنام. وفي العام 1999 أوقفتها الشرطة في نيويورك عندما تحدثت عن حقوق الانسان امام المتظاهرين ضد جريمة قتل تعرض لها من دون سبب اميركي أسود على يد رجال الشرطة. وفي أولى بوادر ظهور الحرب ضد العراق، كانت ساراندون من اوائل المنادين بالتروي والهدوء قبل الموافقة على الخطأ الكبير الذي سيقوم به الرئيس بوش. ومنذ عام 1999 تحمل سوزان سارندون لقب سفيرة لمنظمة اليونسيف، وتقوم بزيارات دورية الى حيث يدعوها الواجب، في تاهيتي وتنزانيا وبومباي وغيرها من بلاد العالم الثالث الفقيرة والنامية، حيث يموت الاطفال جوعا ومن قلة التغذية والطبابة. وبعد كل زيارة تطلق الصوت عالياً مناشدة الدول الغنية القيام باللازم لوقف معاناة هذه الدول الفقيرة