الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل الاسلحة في معركة بوتفليقة وبن فليس الجزائر : من يصنع الرئيس ... الصناديق ام الثكنات ؟
نشر في الحياة يوم 22 - 09 - 2003

لماذا أخذ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المبادرة باعتماد سياسة هجومية استباقية ضد خصومه الفعليين والمحتملين، على حد سواء، في السباق على رئاسة الجمهورية؟ وكيف تجرأ الرئيس الجزائري، وهو العارف بحدود اللعبة الداخلية، من ملامسة الخطوط الحمر، الذي إذا ما تجاوز احدها، فإن مصيره يمكن أن يكون عندئذ مشابهاً لمصير أحد أسلافه، الشاذلي بن جديد؟ ما هي الأوراق الرئيسية التي يمسك بها ساكن "قصر المرادية"، ورهاناته الداخلية والخارجية حتى يذهب بعيداً إلى هذا الحد في تحديه قوى فاعلة ومؤسسات وشخصيات ووسائل اعلام، طالما حُسب لها ألف حساب في الصراعات والتوازنات الدائمة في السلطة؟ هل يمكن أن ينجح في أن يصبح "غورباتشوف" الجزائر؟ وأخيراً، ما هي الأسباب التي تقف حتى الآن وراء صبر المؤسسة العسكرية، المتعارف على تسميتها ب"السلطة الفعلية"؟
منذ بداية شهر آب اغسطس الماضي، فتح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة جبهات عدة في آن معاً، كان آخرها إقالة سبعة وزراء من الحكومة الحالية ممثلين لحزب "جبهة التحرير الوطني"، ومن المحسوبين تحديداً على رئيس الوزراء السابق علي بن فليس. واعتبر المراقبون أن اعتماد نهج هجومي موسع على هذا النحو ستكون له انعكاسات سلبية سريعة، لن تصب حتماً في مصلحته، نظراً إلى كونه لا يملك كل السلطات ولا الأدوات التي تخوله صد الهجمات المضادة التي يمكن أن تأخذ طابع "كسر العظم" أو ردات الفعل السياسية الموضوعية في أحسن الأحوال.
ويفيد مطلعون في العاصمة الجزائرية أن المحيطين به من المستشارين وفي طليعتهم شقيقه سعيد بوتفليقة، بيت سره ومستشاره الأساسي والممر الاجباري في القصر الرئاسي، إضافة إلى العقيد رشيد عيسات، المكلف ملف القبائل، والجنرال اسماعيل العماري مسؤول إدارة الاستخبارات الخارجية - الذي يحرص على الابتعاد عن الواجهة - ووزير داخليته يزيد زرهوني ووزير الطاقة والمناجم شكيب خليل - الذي يحمل الجنسية الأميركية - قدموا له في منتصف شهر أيار مايو الماضي تقريراً موحداً كشف عن وجود مخطط يستهدف ارباكه وتحجيم كل من يتعاطف معه من الطبقة السياسية وأوساط الأعمال، وبالتالي تفكيك قواعده المتمثلة بلجان الدعم في المناطق والولايات.
وذكر التقرير أن اللجنة المركزية لحزب "جبهة التحرير الوطنية" - التي تملك الغالبية في البرلمان - وأمينها العام الذي كان في حينه وزيراً أول، أي بن فليس، سيلعبان دور حصان طروادة في هذه العملية. لكن الموضوع الأهم الذي دفع بوتفليقة للانتقال بسرعة من الدفاع إلى الهجوم، ما ورد في التقرير لناحية الدور الذي يلعبه الجنرال توفيق مدين رئيس دائرة الدراسات والأمن الأمن العسكري سابقا، بتعبئة القوى المناهضة، ناهيك عن دعمها بمختلف الوسائل بما في ذلك المعلومات عن علاقات الرئاسة بأطراف ومؤسسات داخلية وخارجية. وكان تدخل مدين وجهازه على هذا النحو بمثابة جرس انذار لبوتفليقة الذي تدارس مع مستشاريه وامتداداتهم في مختلف القطاعات الأمر، وتم الاتفاق على رد الصاع صاعين، حسب أحد المقربين منه. فما كان إلا أن وجّه رسالة رسمية بصفته وزيراً للدفاع إلى كل من مدين والعماري - المتناغم معه - مذكراً بمواعيد احالتهما إلى التقاعد وضرورة التشاور معه في البدائل المقترحة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ طلب بوتفليقة من مدين تقريراً مفصلاً عن وضع جهازه، لافتاً إلى ضعف ادائه في الفترة الأخيرة، وهو استفزاز معلن لم يتقبله الرجل القوي في النظام ما دفع به للرد على طريقته بتسريب ملفات لوسائل الإعلام وتشجيع شخصيات سياسية للتهجم عليه وعلى اخوته، وبدأ المسلسل.
تبادل الضربات
الرد الأول جاء عبر تسريب معلومات عن علاقة الرئيس بوتفليقة مع رجل أعمال إماراتي منذ أيام اقامته في أبوظبي. وتشير المعلومات التي تضمنها هذا الملف، الذي نشرته إحدى الصحف اليومية الجزائرية على حلقات، إلى أن الرئاسة "سهّلت الحصول على مشاريع بطرق ملتوية" خلافاً للطرق المتعارف عليها لناحية استدراج العروض. وأرفقت هذه المعلومات ببعض الوثائق الأصلية. ولم تمضِ فترة قصيرة على ذلك، حتى طلب بوتفليقة من وزيره الأول، حليفه ومدير حملته الرئاسية، بن فليس، الذي قيل إنه مرشح للرئاسة، حسم موقعه تجاهه، فما كان من الأخير، الذي اعتبر هذا الموقف تهديداً، إلا أن قدم استقالته بعد التشاور مع "السلطة الفعلية" التي نصحته، كما يبدو، بأخذ مسافة من صديقه القديم، والعودة للاحتماء والاهتمام بالحزب استعداداً للجولات المقبلة.
ولم تتوقف المساجلات على هامش الصراع الأساسي، إذ تخللتها محاولة انقلابية من داخل الحزب قامت بها مجموعات موالية لبوتفليقة لم تمن في السابق بالنجاح، واجهتها تحركات عمالية قادها الاتحاد العام للعمال الجزائريين وانتهت إلى اضراب شل البلاد، وكشف مكامن ضعف الرئيس قاعدياً، ما حدا ببوتفليقة إلى الرد عبر اللجوء إلى ترفيع عدد من ضباط الصف الثاني في الجيش كسباً لتأييدهم في السباق الرئاسي. واستمرت الأوضاع على هذا النحو من المد والجزر حتى ضرب توفيق مدين ضربته التي أقلقت أوساط الرئاسة، عندما نشرت صحيفة "الخبر" ملفاً بالأسماء والأرقام عن تقاسم مسؤولين كبار في الدولة لأملاك وزارة الخارجية من فيلات فاخرة واقامات، بحيث شملت الجميع من دون استثناء، بمن فيهم الجنرال العربي بلخير، المستشار في رئاسة الجمهورية، الذي يقف حتى الآن ممسكاً العصا من وسطها، علماً بأنه "صانع الرؤساء"، ويعود الفضل إليه باقناع الجيش بالموافقة على انتخاب بوتفليقة رئيساً للجمهورية قبل حوالي خمس سنوات.
ارصدة سوناطراك
بعد ذلك بقليل نشرت صحيفة أخرى ملفاً عن تحويل أرصدة عائدة لشركة "سوناطراك" لمصلحة شراء شقق فخمة ومكاتب خاصة لعدد من كبار المسؤولين والمقربين من الحكم. كذلك استخدام جزء من هذه الأموال لتمويل الحملة الانتخابية، الأمر الذي دفع هؤلاء لتحريض الرئيس على الرد، على رغم دخول أطراف عدة على الخط للتهدئة وتفادي الأسوأ، خصوصاً أن الجزائر تمر بأزمة بعد الهزة الأرضية التي ضربتها. ففيما نجحت هذه الأطراف بلجم حدة بعض القضايا الحساسة، مثل ملف رفيق الخليفة و"فضائحه" التي تورط بها الجميع، كما يبدو، لم تنجح هذه الأخيرة، بايجاد قواسم مشتركة بين المتنازعين تساعد على تأجيل المعركة الدائرة لبعض الوقت أو حتى وضع قواعد لها تجنب البلاد ما يمكن أن ينجم عنها من تبعات خطيرة.
من جهته، بقي الجيش "الصامت الأكبر" حتى الآن، مراقباً ما يجري من دون أن يكلف نفسه عناء توجيه اشارات صارمة كعادته يحذر فيها من مغبة الاستمرار في هذه الحلقة المفرغة التي تساهم في تدهور الأوضاع، في الوقت الذي تستمر المواجهة مع المتطرفين الإسلاميين، كما تستمر مشكلة مناطق القبائل من دون حل جذري لها.
وشهدت الفترة الماضية تحولاً في طبيعة الصراع بدأ يأخذ شكلاً مغايراً يمكن أن يهدد بمواجهات ميدانية مباشرة من الصعب معها ألا يحرك الجيش ساكناً - ما يحاول تحاشيه حتى الساعة - ويتركها تتفاعل، إلا إذا كانت لديه خطة حسم نهائية جاهزة. ولا تنظر "السلطة الفعلية" بعين الرضى إلى لجوء جماعات بوتفليقة إلى استخدام القوة للسيطرة على بعض مراكز الحزب في المناطق، ولا إلى تشكيل ما اسماه القومندان عز الدين، أحد رموز حرب التحرير والمناهض اليوم لبوتفليقة، ب"الشرطة السرية" التي دخلت منزله وسرقت وثائق ومستندات منه، ما أدى إلى اتخاذ الصراع شكلاً مختلفاً اليوم، إذ افتتح رئيس المجلس الشعبي الوطني الغرفة الأولى في البرلمان، كريم يونس، يوم الأربعاء الأسبق الدورة الخريفية بخطاب اتسم بتحدي بوتفليقة من دون أن يسميه. وفي اشارة انتقاده للرئيس، أكد يونس أنه "لا يمكن لأحد أن ينصّب نفسه وصياً على الغير، ولا حَكَماً يقرر بداية المباراة وأشواطها ونهايتها". وفسر بعض الأوساط لجوء رئيس المجلس لاتخاذ هذا الموقف، معلومات مفادها أن بوتفليقة يستعد لإعلان حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة بعدما اكتشف أن الأمور تسير في غير مصلحته، حيث هناك اتجاه إلى تعزيز دور "البوليس السري" الذي يقوده زرهوني شخصياً.
وتترك تحركات الرئيس بوتفليقة، التي لا يخلو معظمها من التحدي، وفي بعض جوانبها من الاستفزاز، تساؤلات تتركز حول الأوراق التي يملكها والتي تسمح له بالمقارعة على هذا النحو الحاد، وهو الذي يعلم من خلال خبرته الطويلة التي كسبها في السلطة، وتحديداً في كنف الرئيس الراحل هواري بومدين، بأن تجاوز أحد الخطوط الحمر المرسومة من قبل "السلطة الفعلية"، يعني نهايته السياسية على الأقل. ومع ذلك لم يتراجع حتى الآن عن تصميمه على خوض معركة التجديد لولاية ثانية وبالشروط التي يحاول اقناع أصحاب القرار بها، من دون فرضها.
وفي هذا السياق، يفيد بعض الأوساط الجزائرية غير البعيدة عن هؤلاء، أن الرئيس الجزائري يعتمد في معركته على بضعة أعمدة. كما عمل منذ وصوله إلى الحكم على تقويتها بالوسائل كافة كي تصبح مع الوقت ميزاناً أساسياً من موازين القوى الأخرى الموجودة على الساحة، تُشعر "السلطة الفعلية"، أي الجيش، بأهميتها وبضرورة عدم الاستغناء عنها. فكان أن أنشأ حلقته الضيقة المؤلفة من شقيقه سعيد، صمام الأمان بالنسبة إليه، والذي عمل على نسج علاقات وطيدة مع عدد من صغار الضباط تم ترفيعهم لاحقاً، والذي تولى أيضاً مهمات انشاء خلايا لعبت دور وزارات في ظل في كل الحكومات في عهد أخيه. ومن يزيد زرهوني، وزير الداخلية، رجل الاستخبارات العسكرية، الذي كان أيضاً رجل قاصدي مرباح قبل أن ينقلب عليه. كذلك العقيد رشيد عيسات، وخصوصاً اسماعيل العماري الذي لا تربطه بتوفيق مدين أدنى علاقات ود.
لكن بوتفليقة، لم يفلح، على رغم الجهود التي بذلها، في كسب الجنرال المتقاعد بلخير إلى صفه، لأن الأخير، ببساطة وهو المحنك سياسياً والذي يملك شبكة من العلاقات الخارجية المهمة ويشكل جزءاً من المؤسسة العسكرية الأم، لا يمكن أن يُحسب في أي وقت من الأوقات على أي رئيس صنعه بيديه. وفي السياق عينه، لم يتمكن أيضاً من تحييد الجنرال المتقاعد محمد تواتي المستشار في القصر الرئاسي. كذلك لم يقنع صديقه الجنرال المتقاعد عبدالله بلهويشات ولا الرئيس السابق اليمين زروال.
ويراهن بوتفليقة فيما يراهن على شريحة من كبار رجال الأعمال، سقط منها في الآونة الأخيرة حجر كان يأمل بأن يشكل يوماً زاوية، أي رفيق الخليفة، بكل ما كان يمثل من ثقل مالي ومصرفي، وأيضاً بدايات علاقات عامة ناجحة في الخارج تطورت بفعل مصرفه وشركة طيرانه، وأخيراً تلفزيونه. إلا أن الاحتياط الاستراتيجي المضمون لبوتفليقة يبقى الميلياردير القبائلي، آيت ادجيدجو، المولود في سورية عام 1940، والذي بدأ حياته عاملاً في فرنسا ليصبح رئيس مجلس إدارة أحد أكبر المختبرات الدوائية في الجزائر، كونه يدعم حملاته الانتخابية ونشاطاته،كذلك ابنه كمال الذي يسير على الطريق نفسهبحيث أسس جمعية "وئام الجزائر"، و"باكستاج" التي تتعهد الحفلات،، والتي يعود ريعها لدعم حملة بوتفليقة الانتخابية. من جهة أخرى، فشل الرئيس في ابقاء رجل الأعمال إسعاد ربراب، ذي النفوذ الواسع، إلى جانبه، وتحول الود الكبير بينهما إلى عداء مستحكم تمثل بملاحقة وزارة الداخلية للصحيفة التي يمولها "ليبيرتيه".
ومن الأوراق الأخرى التي يعلق عليها الرئيس الجزائري املاً، استقطاب التيار الإسلامي المنبثق عن "جبهة الإنقاذ الإسلامية" التي تقرب منها عبر مشروع "الوئام الوطني" الذي اضطلع به والافراج عن مئات من أعضائها، كان آخرهم قادتها عباسي مدني وعلي بلحاج، لكن هذه الورقة تعثرت مع دعوة زعيمها الموجود في ماليزيا حيث يتلقى العلاج إلى "انتخابات حرة"، متوقعاً نهاية قريبة للنظام، في مقابلة نشرها موقع "إسلام أون لاين". وتتساءل الأوساط السياسية في الجزائر هل أن مدني يقصد بذلك الجيش أم لا؟ إلا أن الكرة الآن، حسب رأيها، هي في ملعب بوتفليقة.
ومن الأوراق الخارجية التي يعتقد بوتفليقة أن بإمكانه التعويل عليها، الورقة الأميركية. فمنذ وصوله إلى الرئاسة، حاول التقرب من الإدارة الأميركية من خلال ملفي الهيدروكربورات ومكافحة الإرهاب. فقد وافق بوتفليقة على انشاء "مركز مكافحة الإرهاب لافريقيا"، المشابه للمركز الذي انشئ في ماليزيا لآسيا. كما وعد الرئيس جورج بوش بتمرير مشروع القانون المتعلق بفتح باب الاستثمار الخارجي في قطاع الهيدروكربورات، مع اعطاء الأولوية للشركات الأميركية، لكنه فشل في تنفيذ تعهده. ولم تنفع محاولات وزير النفط شكيب خليل، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع واشنطن، في تحسين الصورة. فالورقة الأميركية، حسب المطلعين على ملف العلاقات، ليست مضمونة بالنسبة إلى الرئيس الجزائري، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الجيش قطع شوطاً لا بأس به من التنسيق مع البنتاغون من خلال التعاون في إطار حلف شمال الأطلسي. كما أجرى، للمرة الأولى في تاريخ الجزائر، مناورات بحرية مشتركة في المتوسط. وما يؤكد أيضاً هذا التشخيص، الزيارة التي قام بها أخيراً الجنرال تشارلز واد، مساعد قائد القوات الأميركية، للجزائر بدعوة من الفريق محمد العماري قائد الأركان.
لكن المهم في هذه الزيارة، غير البروتوكولية، السماح بإقامة محطة تجسس أميركية في الصحراء جنوب الجزائر في إطار ما يسمى محاربة الإرهاب، تكون مرتبطة بالوكالة الوطنية للأمن القومي، انطلاقاً من مدينة تمنراست التي يوجد فيها العديد من الشركات الأميركية التي تعمل في قطاعي النفط والغاز هناك، كذلك أحد أكبر التجمعات للجيش الجزائري.
ويرى بعض المصادر أن بوتفليقة سيحاول استخدام الورقة الأميركية، حتى في حال الفشل، تجاه فرنسا، التي يعرف أن لها دوراً مهماً تلعبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على رغم كل ما يقال غير ذلك. ومن الأوراق الأخرى التي يحتفظ بها أيضاً علاقاته المتميزة مع عدد من دول الخليج العربي التي أمضى فيها سنوات خلال فترة ابتعاده عن السلطة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين.
لكن يبقى السؤال الرئيسي والحاسم: هل يوافق الجيش في نهاية المطاف على ولاية ثانية لبوتفليقة؟
على رغم تأكيد رئيس الأركان الفريق العماري - الرجل القوي الذي اتفق عليه قادة المناطق الست في الجزائر، أي الذين يمثلون محصلة قرار السلطة الفعلية، أي الجيش، وهم فاضل شريف إبراهيم بليدة وكامل عبدالرحمن وهران واحسان طاهر بشار وصاحب عبدالمجيد ورقله وسعيد باي قسنطينة وعبدالقادر بن علي تمنراست - ان الجيش لن يتدخل في السياسة والانتخابات، وأن الشعب هو الذي سيختار، وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية لا يسعها إلا أن تنحني أمام ارادته حتى ولو كان المرشح إسلامياً، إلا أنه من المرجح أن يتدخل في الوقت المناسب للحسم، خصوصاً إذا ما تطلبت الأوضاع ذلك، وإذا كانت الأطراف المتصارعة قد تجاوزت الخطوط الحمر. وكل الدلائل تشير حتى الآن بأن الأمور تسير في هذا الاتجاه، ما سيدفع الجيش إلى التدخل لمنع تفاقمها من جهة، ويترك بوتفليقة ضحية تراكم الأخطاء. أما محاولة الرهان على بروز "غورباتشوف جزائري"، فلن تكون سهلة
المنافسون المكشوفون والمستورون
أمر واحد محسوم في سباق انتخابات الرئاسة في الجزائر، وهو أن يكون الرئيس مدنياً وليس من المؤسسة العسكرية التي أكدت على رغم ما يقال عنها، قدرتها على قراءة المتغيرات السياسية الخارجية والتعاطي معها، والدليل تراجعها عن ايصال رئيس من داخلها كما حصل في السابق، والمساهمة باختيار رجل سياسي كما حصل مع بوتفليقة أو ربما رئيس تكنوقراطي في المرة المقبلة.
في هذا السياق، تبرز ثلاثة أسماء في رأس لائحة المنافسين العلنيين للرئيس الحالي: رئيس الوزراء المستقيل علي بن فليس، الذي يحتل حتى الآن موقع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الذي يحاول بوتفليقة اضعافه بكل الوسائل، بما في ذلك خلق حركة تصحيحية من داخل الحزب بقيادة وزير الخارجية عبدالعزيز بلخادم، لكن بعض المصادر العليمة يؤكد أن بن فليس ليس إلا مجرد "أرنب السباق" الذي يُراد من خلاله تسريع الخطى وانهاك الرئيس في المرحلة الأولى من السباق.
أما المرشح الثاني الأكثر جدية في هذه المجموعة، فهو أحمد طالب الإبراهيمي، وزير الخارجية الأسبق، الذي يحظى باحترام في الداخل والخارج، ناهيك عن علاقاته العربية الواسعة. إضافة المزايا التي تلعب في صالحه إلى كونه يشكل قاسماً مشتركاً للتيار الإسلامي، في حين لا تعترض عليه شريحة واسعة من المؤسسة العسكرية. كما من المرجح أن يلعب بوتفليقة ورقته إذا ما فقد الأمل نهائياً باجتيازه الاختبارات الجارية.
يبقى المرشح الثالث الشيخ عبدالله جاب الله، الذي طرح اسمه الجنرال محمد العماري كمثل على حرية الانتخاب وارادة الشعب، في المقابلة التي نشرتها معه مجلة "اكسبريس" الأسبوعية الفرنسية قبل أشهر، مرر خلالها رسائل للفرنسيين.
أما الأوراق المستورة، فتتمثل بمولود حمروش رئيس وزراء ما عُرف بحكومة "الإصلاحيين" في نهاية عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، والذي يتهمه بعض العسكريين، وفي طليعتهم الفريق خالد نزار الذي كان يومها وزيراً للدفاع، بأنه لعب ورقة "جبهة الإنقاذ الإسلامية" في انتخابات 1991. لكن حمروش يبقى ابن النظام والمؤسسة العسكرية تحديداً.
ومن الأسماء الأخرى المتداولة في هذا الإطار، رئيس الوزراء السابق سيد أحمد غزالي، ورضا مالك الشخصية التاريخية التي تحظى باحترام أوساط كثيرة وبثقة الجيش. كذلك رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى المعروف عنه تنفيذه السياسة المرسومة حتى ولو كانت مناقضة لحقوق الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.