«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحة في ملف جرائم الحرب الاسرائيلية . الفلسطيني درع بشرية ... لحماية جنود اسرائيل ورفع معنوياتهم
نشر في الحياة يوم 25 - 11 - 2002

على رغم القانون الدولي الصارم وقرارات المحكمة العليا الاسرائيلية، ما زال الضباط الاسرائيليون يستخدمون الفلسطينيين دروعاً بشرية امام الجنود، خلال عملياتهم العسكرية، بل انهم طوّروا الفكرة، فلم يعودوا يكتفون بذلك، بل يرسلون الفلسطينيين الى فحص العبوات الناسفة وكأنهم فئران تجارب.
سبعون عاماً عاشتها الحاجة أم حميدو حتى الآن، شهدت خلالها الكثير من الأحداث والعجائب والغرائب، وعايشت الكثير من القصص والحكايات، عانت وتعرّفت على معاناة المئات من الناس، لكنها على رغم ذلك لم تستوعب بعد ولا تريد ان تستوعب مسألة "الدروع البشرية". فعندما قال لها شيخ الحي ان هذه الطريقة التي يستخدمها جيش الاحتلال الاسرائيلي مع الفلسطينيين هي نوع من أنواع الرجس الذي يتحدث عنه القرآن الكريم "رجس من عمل الشيطان"، قالت: "... ولا حتى الشيطان يقدم على جريمة كهذه".
والدروع البشرية، كما هو معروف، هي الفلسطينيون. فالجيش الاسرائيلي، الذي يدرس التاريخ جيداً، اهتدى الى هذا الاسلوب من الممارسات الحربية التي قرأ عنها من أبشع انظمة القمع في التاريخ البشري. وبينها أنظمة مجرد ذكر اسمها يزعزع أبدان الاسرائيليين.
هكذا تعمل الطريقة: فرقة الجيش الاسرائيلي تريد اقتحام بيت ما، بحثاً عن فلسطيني مطلوب او لمجرد التفتيش، لكنها تخشى ان يخرج فدائي ويطلق الرصاص على أحد أفرادها. لذلك يختار الضباط، كيفما كان، فلسطينياً مدنياً، يشهرون عليه السلاح ويأمرونه بالسير أمامهم "درعا بشرية". فإذا أُطلق الرصاص يموت الفلسطيني، وليس الجندي الاسرائيلي. وفي هذه الحال يختارون فلسطينياً آخر وهكذا...
قد يكون هذا الفلسطيني رجلاً او امرأة، وقد يكون مسناً او صبياً صغيراً. والضباط الذين يختارون الدرع البشرية يتفنّنون في العملية. بعضهم يجبر الفلسطيني على خلع معظم ملابسه. وبعضهم يكتفي بجعله يرفع يديه الى أعلى طوال العملية، التي قد تستغرق ساعة وربما أكثر. وبعضهم يطور المسألة، من حماية الجنود الى تسليتهم وترفيههم وإثارة ضحكهم، ما يسمى رفع المعنويات وتبديد الخوف بالوسائل النفسية. فيفرض على الفلسطيني القيام بعمليات بهلوانية، مثل: "اقفز الى أعلى" ، "قرفص"، "إرفع يديك وإحدى ساقيك الى أعلى"... وغيرها.
والأدهى من ذلك ان الضباط الاسرائيليين أخذوا يوسعون حلقة هذه العمليات الحربية، الى درجة إرسال الدروع البشرية لفحص مواد مشبوهة كعبوات ناسفة. والمعروف ان مثل هذه المواد يُحظر فحصها حتى على الجنود الخبراء في القتال، وهناك متخصصون في المواد المتفجرة هم فقط يستطيعون فحصها. ويفعلون ذلك بمنتهى الحذر والدقة، وبعد التزود بالدروع الفولاذية الواقية والاجهزة الالكترونية الحساسة.
الانتصار الكبير
أم حميدو قابعة في بيتها الصغير المحاصر في مدينة جنين المحتلة. علّمتها التجربة ان بقاءها في البيت والتزامها أوامر الجيش الاسرائيلي المحتل، يحميانها من خطر الموت. وحاولت، بكل قوتها، إلزام بقية افراد عائلتها بذلك. فمنعتهم حتى من الخروج الى الشرفات او الوقوف على الشبابيك. فالجنود اعتادوا اطلاق الرصاص باتجاه من يجرؤ على ذلك، حتى لو كان الغرض حب استطلاع حول ما يدور في الشارع المجاور او مجرد استنشاق الهواء. لم تسمع من قبل ان الجيش سيدخل بيتها، حتى لو لم ترتكب اية مخالفة، ولم تعرف شيئاً من حجة الاقتحام الجديدة: الحاجة الى "درع بشرية". ولم تتخيل بالطبع، ان هذه الحجة كافية لأن تتلقى هذا العقاب والعذاب فتخرج منه مشلولة الحركة في نصف جسدها. ليضيف عناءها القائم اصلاً عناء وعذاباً.
وأم حميدو ليست الوحيدة التي لا تزال تعاني جراء ممارسة هذا الاسلوب، فهناك من أصيب إصابات خطيرة وهناك من قُتل ايضاً. فقد باتت ظاهرة استعمال الفلسطينيين دروعاً بشرية من قِبل الجيش الاسرائيلي، لضمان تنفيذ عملية الاعتقال او الاغتيال من دون تعرض الجنود لخطر الموت مسألة روتينية، وتهدد حياة العشرات من الفلسطينيين. وعلى رغم توجه التنظيمات الفلسطينية المختلفة الى المؤسسات القضائية وصدور قرارات من المحكمة الاسرائيلية العليا تمنع هذه الاساليب، إلا ان أوامر قادة الجيش الاسرائيلي مستمرة، وما حدث في يوم مقتل أياد صوالحة في جنين قبل حوالي ثلاثة اسابيع مؤشر خطير للاستمرار في هذا الاسلوب.
اكثر من عائلة فلسطينية تعرضت للتنكيل والترهيب في ذلك اليوم الذي قرر فيه الجيش الاسرائيلي قتل أياد صوالحة المُدرج اسمه على رأس قائمة كبار المطلوبين في جنين، الى درجة ان الجيش انسحب من المدينة بعد تنفيذ هذه العملية معلناً نصره الكبير.
الزمان... المكان... الاسلوب... القانون، كل هذا غير مهم للجيش الاسرائيلي.
ان يكون الأطفال نياماً في ساعات الفجر، غير مهم.
ان يتعرض المسنون المرضى لخطر غير مهم.
ان يصاب الفلسطيني الذي لا علاقة له بالعملية المخططة وتتعرض حياته للخطر ايضاً غير مهم.
المهم ان تنفذ العملية بنجاح وتخرج وسائل الاعلام الاسرائيلية في اليوم التالي مزينة صفحاتها بصور "الانتصار الكبير" لجيش دفاعها وبسمات الجنود وتصريحات السياسيين والعسكريين والتشكّرات لمحقّقي هذا "النصر".
شبحوا الشيخ وتناولوا الجار
وأم حميدو هي والدة الشيخ حميدو المبيض 47 عاماً الذي استهدفه الجيش الاسرائيلي كدرع بشرية للوصول الى بيت أياد صوالحة. هو أب لثمانية اولاد يعيش مع عائلته ووالدته المسنة ام حميدو في بيت فلسطيني قديم. بدأ حياته داخل مغارة صغيرة في البلدة القديمة في جنين ولما كبرت العائلة اضطر لبناء ثلاث غرف فوق هذه المغارة للنوم، فيما استعملت المغارة كمطبخ وللاحتياجات اليومية للعائلة. وقد كان آخر ما يتوقعه ان تؤدي هذه المغارة الى تحويل حياته وحياة عائلته الى جحيم، ليس فقط لأنها مضرّة صحياً ولأن البقاء فيها ساعات طويلة يعني الاختناق، بل لأنها باتت في نظر الجيش الاسرائيلي واحدة من المغاور الخطيرة في جنين التي يختبئ فيها من تسميهم اسرائيل "الارهابيين" وتتهمهم بتحويلها الى مصنع للاسلحة. وهناك خريطة لمغاور جنين لدى الجيش ويستخدمها في حملاته العسكرية.
مغارة عائلة ام حميدو كانت واحدة من أهداف العملية الحربية للجيش الاسرائيلي يوم مقتل اياد صوالحة لاحتمال وجوده فيها. فمجرد هذا الاحتمال ولشكوك الجيش الاسرائيلي، فإن العائلة الفلسطينية في هذا البيت او لنقل صاحبة هذه المغارة مضطرة لتحمل معاناة قاسية.
عقارب الساعة تقترب من الثالثة فجراً، والجميع في سبات عميق. دقائق قليلة تحول البيت الذي يلفه الهدوء الى ساحة معركة. صراخ الجنود. ضجيج بنادقهم التي خلعت الأبواب والنوافذ. أصواتهم المتعالية والمهددة بالقتل إذا لم يفتح البيت، دقائق معدودة أفزعت الجميع. ولم يكن أمام رب البيت الا التجاوب مع طلبهم وفتح الباب.
- يداك الى أعلى. لا حركة . لا صوت.
صرخ الجندي في وجه الشيخ حميدو وأمر بقية العائلة بالدخول الى غرفة واحدة وعدم التحرك.
بعد ذلك، وكما روى لنا الشيخ حميدو، استمروا بضربه وبتهديده بالقتل اذا لم يكشف لهم عن المغارة التي يختبئ فيها اياد صوالحة. ثم أصروا على ان المغارة الموجودة أسفل غرف النوم يختبئ فيها صوالحة، او انها توصل الى مغارة اخرى يكون فيها صوالحة. فأمروه بالنزول اليها وهم يشهرون السلاح في اتجاهه. أم حميدو لم تطمئن الى ما يحدث، وكما حدثت ابنها فيما بعد، فقد شعرت ان الموت المحتم سيكون مصير ابنها وجميع افراد العائلة، فخرجت من الغرفة المحاصرة، خارقة الأوامر العسكرية... ولم تدرك ما سيحصل لها. وشاهدت الاسلحة الموجهة الى ابنها فشعرت بأنها تنظر نظرة الوداع الاخير اليه. وماذا يمكن لأم ان تفعل في مثل هذه الحال. صرخت واستنجدتهم، لكن من دون جدوى. وبدلاً من ان يحاولوا تهدئتها ويفهموها انهم لا ينوون تنفيذ ما تخاف منه، ولن يقتلوا ابنها، انقضوا عليها شاهرين اسلحتهم ومهددين اذا ما لم تخرس. فما كان منها الا ان انهارت ارضاً بعدما أصابها شلل في ساقيها. فدفعها الجنود وأمروا حفيدها باصطحابها الى داخل الغرفة واستمروا في التنكيل بابنها حتى اقتنعوا ان اياد صوالحة غير موجود في المغارة. عندها أخرجوا حميدو من البيت وبعد ان أمروه بالتعري ورفع يديه، ألزموه بالسير أمامهم الى بيت اياد صوالحة. لكنه قال لهم انه لا يعرف موقع البيت، وبعد اتصالات قرروا ان يتوجهوا الى حي السيباط، حيث بيت صوالحة. في هذه الاثناء كان أزيز الرصاص يملأ الحي، "ولما رفضت التجاوب معهم وقلت انني لا اعرف البيت الذي يبحثون عنه وضعوا فوهة البندقية الساخنة على جسدي بعد اطلاق باغة رصاص منها، فأحرقت كل مكان وُضعت عليه في جسدي". حدثنا الشيخ حميدو الذي اضطر الى السير في شوارع البلدية القديمة في جنين حتى حي السيباط وهو عار امام الجنود رافعاً يديه واكثر من بندقية مصوبة نحوه.
لدى وصوله الى الحي كانت مجموعة ثانية من الجنود وصلت الى بيت صوالحة وأدركوا انه موجود في الداخل. فأمروا الشيخ حميدو بالاقتراب من البيت ومناداة صوالحة. فما كان منه الا تنفيذ الاوامر التي رافقتها التهديدات بالقتل، لكن احداً لم يجب، فوجدوا ان الافضل احضار شخص آخر من جيران صوالحة لتنجح العملية. وكان ذلك الضحية الثانية في ذلك الفجر، فتركوا الشيخ، وجهه باتجاه الحائط، يداه الى أعلى واحدى ساقيه مرفوعة، الى ان حضر خالد الذي مر بمعاناة لا تقل عن معاناة عائلة الشيخ حميدو: "فجّروا باب البيت بالديناميت ودخلت شظايا الانفجار الى المطبخ والغرف فصرخ اطفالي الثلاثة وزوجتي. اقتربت منهم أرجوهم التوقف عن اطلاق الرصاص وعدم التسبب بالأذى لزوجتي واطفالي"، قال خالد: "كان ذلك ارهاباً بكل ما تعنيه الكلمة. لقد اقتحموا البيت بعد تفجير بابه الرئيسي وبعض النوافذ وكاد أحدهم يدوس بقدميه على طفلي محمد 8 اشهر الذي كان ينام على الارض".
تماماً كما لو ان البيت كان معملا للسلاح، تصرف الجنود مع عائلة خالد، كما شرح لنا، واضاف: "وقف ضابط يتحدث بالعربية وأمرني بالخروج من البيت. ثم انهالت أوامره بصراخ وعنجهية واستهتار. فأجبرني على خلع ملابسي ورفع يدي الى أعلى ثم راح آخر ينهال عليّ بالضرب. الحقيقة شعرت انني سأموت، وقلت ما دمت ميتاً فلن أتجاوب معهم، وأنا في الحقيقة لا أعرف أياد جيداً على رغم انه جاري. بعد ذلك أظهر الضابط أمامي صورة وسألني إن كنت أعرف صاحبها، وكانت صورة لأياد صوالحة فأجبته انني لا أعرفه، عندها راح يشتمني ويضربني ويصرخ في وجهي بأن أتحرك من مكاني باتجاه بيت صوالحة ، وتساءلت بنفسي، كيف سأنادي عليه فإذا فعل وخرج من البيت فسيموت وأنا سأموت ايضاً. عندها قررت ان أناديه بكلمات يفهم منها ان قوة كبيرة من الجيش في الخارج، وبالفعل ناديت عليه قائلاً: إن كنت تسمعني فإنهم يبحثون عنك، وشعرت طوال فترة ارغامي على مناداته والتفاوض معه للخروج بأنه تصرف بذكاء. فلم يرد بكلمة ولم يتحرك من مكانه. ثم قلت له: يا أياد انهم يريدون ان يفجّروا البيت". بعد ذلك بدقائق سمعنا صوتاً من الجهة الاخرى واذا بزوجته، فهجم عليها الجنود وخلعوا منديلها عن رأسها وأمروها بالوقوف جانباً ثم توجه نحوي الضابط واستمر يحدثني بالعربية قائلاً: "انك ستخرب بيتك" ثم اخذني جانباً وقام جندي بوضع قطعة قماش على عيني وكبّل يدي وألزمني الجلوس على زجاج كان قد تحطم بعد تفجير الباب والنوافد. ثم سمعت دوي انفجار المكان الذي اختباً في داخله صوالحة".
بعد الكشف عن تفاصيل عملية قتل أياد صوالحة واستعمال جيرانه دروعاً بشرية، اثارت مؤسسات فاعلة في مجال حقوق الانسان الموضوع وتوجهت الى القضاء الاسرائيلي، وكانت أكثر المؤسسات الناشطة في هذا الموضوع، مركز "بتسيلم" للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. فقد اعد المركز تقريراً مفصلاً أرفقه بالدعوى التي رفعت الى المحكمة الاسرائيلية العليا وتطالب فيها سبع مؤسسات الزام الجيش الاسرائيلي تنفيذ القرار السابق الذي اصدرته المحكمة وفيه تمنع الجيش من استعمال المواطنين دروعاً بشرية.
وحسب ما تبين من افادات قدمها بعض الجنود الذين عارضوا هذا الاسلوب ووافقوا على الحديث عن الموضوع امام المؤسسات العاملة في اسرائيل من اجل الديموقراطية والشفافية، فإن الجنود يستعملون الفلسطينيين دروعاً بشرية بناء على أوامر من القادة العسكريين وليس كما حاول الادعاء الايحاء بأن القياديين العسكريين الاسرائيليين لا يعرفون شيئاً عن الموضوع ويفحصون الشكاوى التي قدمت.
ويستخدم الجنود المواطنين الفلسطينيين دروعا بشرية في حالات عدة منها: إلزامهم بالدخول الى البيوت التي ينوي الجيش اقتحامها وفحصها اذا كان في داخلها مواد تفجيرية او ادخالهم البيوت لإلزام سكانها الخروج منها حتى يقتحمها الجنود للتفتيش. وفي حالات اخرى يلزمون المواطنين باخراج كل المواد المشتبه بها وتنفيذ ذلك في الشوارع والممرات حيث توجد في كثير من المرات اوعية او اكوام نفايات يعتقد الجنود انها متفجرات ونصبها لهم المقاتلون الفلسطينيون على شكل كمائن. وفي الحالات الأكثر خطورة يلزم الجيش الفلسطينيين بالدخول الى البيوت التي حوّلوها الى مراكز لمواجهة المقاومين حتى يمنعوا اطلاق الرصاص باتجاههم من قبل المقاومين . وقد يتمكن رجال المقاومة من التعرف الى هؤلاء لكنهم قد لا يتعرفون اليهم من بعيد وهم ابناء حيّهم وبلدتهم، وعندها يمكن ان يقتل الجار جاره، فيما يستمتع الجنود بهذه "اللعبة".
وكما قال الجنود في افاداتهم فانهم يقتحمون كل بيت يبحثون فيه عن مطلوب بعد ان يلزموا فلسطينياً بمناداة صاحب البيت، واذا لم يجب أحد يفجر الجنود الباب الرئيسي ويدخلون البيت بحيث يكون الدرع الفلسطيني البشري في مقدمهم. وقال احد الجنود ان الاوامر التي تلقوها تلزمهم بإدخال الجار الى البيت وإخراج كل من في داخله واضاف: "نُدخل النساء والاطفال الى غرفة واحدة فيما نكبّل الشباب والرجال ونلزمهم بالجلوس جانبا ويبقى الجار امامنا حتى ننهي مهمتنا ونطمئن بأن لا خطر على احد منا".
وحسب الجندي فإن "أوامر التنفيذ باستعمال الجار درعاً بشرياً تأتينا من قائد الجبهة الذي كما نعلم يحصل عليها من المسؤولين عنه".
والشكوى المرفوعة الى المحكمة الاسرائيلية العليا بعد مقتل صوالحة ليست الاولى فقد اثيرت القضية في اعقاب مقتل نضال ابو محسن 19 عاماً من قرية طوباس الذي استعمله الجنود درعاً بشريا اثناء محاولتهم اغتيال ناشط "حماس" في المدينة ناصر جرار. فقد الزم الجنود نضال بالتوجه الى بيت ناصر وأمروه بالخروج، ويبدو ان ناصر لم يتعرف على صوت جاره نضال فحسبه جندياً واطلق صوبه الرصاص فأرداه قتيلاً عندها وقع اشتباك ولم يغادر الجنود المكان إلا بعد قتل ناصر جرار.
ويقول المحامي مروان دلال الذي قدم الى المحكمة العليا الدعوى باسم "مؤسسة عدالة لحقوق الانسان"، انه "كان واضحاً للمحكمة من خلال الالتماس الذي قدم ان الحديث لا يجري فقط عن خرق قوانين ، انما عن استعمال الفلسطينيين كرهائن. بالضبط هذه الحقيقة التي يمكن لكل شخص ان يستشفها من تصرفات الجنود في هذه الحالات، وكل ما يمكننا فعله في المحكمة ان نلزم الجيش الاسرائيلي بإلغاء أوامره هذه والتوقف تماماً عن هذا الاسلوب المحظور. ومع ان هناك قراراً من هذا القبيل فإن الجيش يخرقه ويدافع عن تصرفات افراده. فأمام كل حالة نطرحها ويكون واضحاً ان الجيش استعمل فيها الفلسطينيين دروعا بشرية يأتي ممثل الجيش ويضع التبريرات لهذه التصرفات".
ويضيف مروان دلال: "الممارسات الاسرائيلية تتكرر يومياً في خرق القوانين الدولية في كل ما يتعلق بحقوق الانسان، لكن الموضوع، للاسف، لا يُثار الا اذا كانت هناك حالة موت. فقد بات هناك نوع من المسالمة لدى الفلسطينيين وقبول ما يحصل لهم وعدم إثارة الموضوع. فمقتل الشاب نضال ابو محسن هو الذي أثار الموضوع وجعل سبع مؤسسات تقدم التماساً للمحكمة العليا، وبعد هذا الحادث وقعت حوادث عدة على رغم وجود قرار من المحكمة العليا يلزم الجيش بالتوقف عن هذه الممارسات ولكن أحداً لا يحتج،ّ والمواطن الفلسطيني يرضخ للظروف ولا يبقى أمامه إلا حمده لله انه لم يمت".
والواضح ان الصمت ليس فلسطينياً فحسب، انه صمت عالمي.
القانون الدولي ورد الجيش الاسرائيلي
يندرج اسلوب الجنود الاسرائيليين في استخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية ضمن جرائم الحرب. فتبعا للبنود الرئيسية من المادة 51 من وثيقة جنيف الدولية يمنع الجيش من إلزام المدنيين تنفيذ أعمال عسكرية مع الجيش او فرض اي اسلوب يهدد حياتهم. وبحسب وثيقة روما دستور المحكمة الجنائية فإن اي خرق لوثيقة جنيف يعتبر جريمة حرب. واستعمال المدنيين دروعاً بشرية يعتبر خرقاً واضحاً لوثيقة جنيف.
ويقول المحامي مروان دلال ان المؤسسات الفلسطينية التي تعمل لمنع الجنود الاسرائيليين من اتباع هذا الاسلوب مقيدة من الناحية القانونية لأنها لا تستطيع التوجه الى محاكم دولية ولا يوجد أمامها الا المحكمة الاسرائيلية العليا التي بات واضحاً عدم احترام قراراتها من الجيش الاسرائيلي.
ويضيف: "وفقاً لوثيقة جنيف ومن ثم روما فمن المفروض تقديم الجنود الذين استعملوا الفلسطينيين دروعاً بشرية الى المحكمة الجنائية لمجرمي حرب، لكن مثل هذه الشكاوى يقدم ضمن ثلاثة امكانات: بواسطة مجلس الامن او دولة موقعة على معاهدة روما او رفع دعوى من قبل النيابة العامة في المحكمة نفسها، وفي مثل هذه الحالات علينا العمل لتقديم مثل هذه الدعوى بواسطة احدى الدول الموقعة على معاهدة روما. ونحن نسعى الى ذلك. لكن حتى يحين الأمر، قد يموت اشخاص كثيرون. ويحصل تدهور كبير في احترام القانون في اسرائيل".
الجدير بالذكر ان الجيش الاسرائيلي لا يعترف بوجود هذه الظاهرة في صفوف جنوده وضباطه. وما زال يتحدث عنها كحوادث فردية يتعهد باجراء تحقيق عميق فيها. وهو في الوقت نفسه يحرص على عدم كشف هوية الضباط والجنود المتورطين في تنفيذها، حتى لا يقدموا الى المحكمة الدولية لجرائم الحرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.