يعتبر الجيش الاسرائيلي"وحدة الكلاب"وحدة قتالية مختارة لا يمكن الاستغناء عنها. فعندما يموت احد عناصرها تجرى له مراسم دفن رسمية بحضور الضباط والجنود وأهاليهم . وبعد ذرف الدموع تدفن الجثة في مدفن خاص ويحدد ضريح يكتب عليه اسم الكلب وتلصق صورته. لپ"وحدة الكلاب"موازنة خاصة وحاجات ضرورية لأنجاح المهمات العسكرية في الاراضي الفلسطينية. تأسست"الوحدة"عام 1930 وكانت احدى الوحدات القتالية المهمة في منظمة "الهاغاناه"قبل اعلان قيام دولة اسرائيل وكانت لها ادوار رئيسية عام 1982 في حرب لبنان وفي الانتفاضة الفلسطينية الاولى وحتى اليوم. فهي تشكل مصدر رعب وخوف للفلسطينيين المدنيين الذين يقعون ضحايا لشراسة"عناصرها"الذين يصيبون ضحاياهم بتشوهات خطرة وقاتلة. وقد يكون هذا القتل ناجما ببساطة عن خطأ في تحديد الهدف وهو في معظم الأوقات مطلوب فلسطيني. وقد يكون سبب الاعتقال بسيطاً. ولكنه يتلقى عليه حكماً بالاعدام، من كلب. فاذا ما افترسه احد الكلاب لا يتردد الجيش بتركه وحيداً يصارع الكلب حتى وان كان لا يشكل خطراً على الجيش فيما يشكل هجوم الكلب عليه خطر الموت. فبالنسبة الى الجيش هذا أفضل بديل للأسلوب الذي استخدمه منذ حملة السور الواقي عام 2002 بجعل الفلسطيني درعاً واقية لحماية الجيش وهو ما اوقفته المحكمة الاسرائيلية. واختيار وحدة الكلاب لا يقل خطورة ولم يغير من واقع ان الفلسطيني ما زال درعاً واقية للجيش والدليل اصابة ما لا يقل عن خمسة فلسطينيين خلال الاشأر الأخيرة بسبب هجوم الكلاب عليهم وجميعهم من النساء والاطفال الابرياء. المتهم لا تمكن محاكمته ياسر أبو ليمون، محاضر في الجامعة الأميركية في جنين. اعتاد كل يوم جمعة ان يتوجه الى ارضه مع افراد عائلته لزراعتها والاهتمام بها ولقضاء يوم العطلة في اجواء بعيدة من الهموم اليومية وصدامات الجيش والمقاومة. في ذلك اليوم توجه مع زوجته وشقيقته الى الارض لكنه اتخذ مساراً آخر لإيصال الطعام الى شقيقة اخرى له كانت تعمل في قطعة ارض ثانية. وبحسب ما قالت شقيقته دلال فإنها وزوجته سمعتا اطلاق الرصاص بعد خمس دقائق من مغادرته المكان فارتعبتا واستلقيتا على الارض:"سمعنا صوت ياسر عندما صرخ من الألم. اعتقدنا انه اصيب. ناديته فلم يرد. لم نتحرك من مكاننا لأن الرصاص تواصل دقائق عدة. بعدها اطل الجنود من خلف شجرة ومعهم كلب وطلبوا منا رفع أيدينا ومنعونا من الاقتراب من ياسر". بقي الجنود حول ياسر فترة ثم تركوا المكان بعد ان تاكدوا انه ميت. التحقيق الذي اجراه الجيش بيّن ان وحدة الكلاب كانت تقوم بمهمة ملاحقة مطلوبين. قتلت واحداً في ما هرب الثاني منها فلحقت به ومعها كلب مهمته التعرف الى المطلوب، فوجد امامه ياسر ابو ليمون ولما شاهد الاخير الكلب ارتعب وحاول الهرب منه عندها اطلق الجنود عليه الرصاص حتى لا يتمكن من الهرب باعتبار انه المطلوب. في استجواب تقدم به النائب عزمي بشارة الى وزارة الدفاع جاء الرد موقعاً من نائب الوزير يكرر فيه رواية الجيش ويقول في شكل واضح:"الجنود ابرياء. الكلب هو المتهم. فقد اخطأ الهدف وواجب الجنود كان اطلاق الرصاص لمنع هرب الفلسطيني باعتبار انه المطلوب. انه خطأ مؤسف نعتذر عنه لكن لا مجال لمحاكمة المتهم". انطلاقاً من قناعة الجيش بأهمية تفعيل وحدة الكلاب ولأن الضغط على الزناد عندما يكون الهدف فلسطينياً بات امراً سهلاً، وبغياب التحقيق الرسمي من الجيش وأيضاً تقاعس الجمعيات الفلسطينية والاسرائيلية الفاعلة والناشطة في مجال حقوق الانسان، لهذا كله فإن وحدة الكلاب ما زالت فاعلة في الاراضي الفلسطينية والتعليق الاسرائيلي على كل حالة يصاب فيها فلسطينيون يكرر نفسه:"نأسف لهذا الخطأ غير المقصود والمتهم كلب، لا يمكن محاكمته". من لبنان عادت التجربة في عام 1930 كانت لوحدة الكلاب اهمية في مرافقة عناصر"الهاغاناه"فأطلق عليها آنذاك"وحدة سائقي الكلاب" وكانت مهمتها توفير الحماية والعثور على العبوات الناسفة. في عام 1948 انتقلت الوحدة الى الجيش الاسرائيلي وواصلت مهماتها نفسها ورافقت الجيش اثناء تنفيذه المجازر في القرى والبلدات الفلسطينية. في عام 1954 اتخذ قرار في الجيش بتفكيك الوحدة لأسباب منها عدم الحاجة وكثرة التكاليف وعبء الرعاية والتدريب. على مدار عشرين عاماً لم يستخدم الجيش الكلاب. الا ان ضباطاً ممن اعتادوا على الكلاب واصلوا تدريبها والاهتمام بها في شكل شخصي ثم اقترح احدهم مرة أخرى اعادة الوحدة الى العمل, الا ان اقتراحه لم يحظ بالموافقة في حينه. لكن الجيش لم يلغ الفكرة بتاتاً وبقي على اتصال بالضباط حتى اجتياح لبنان عام 1982. في شهر تشرين الاول نوفمبر من العام 1982 نفذت المقاومة عملية في مدينة صور تم فيها تفجير مبنى للجيش ودفن تحته عشرات الجنود الاسرائيليين. في حينه تقرر ان المنقذ الوحيد هو الكلاب المدربة. وخلال ساعات قليلة وصلت وحدة الكلاب وانتشلت ستين جثة من تحت الانقاض. لكن التجربة في لبنان لم تكن دائماً في مصلحة الجيش الذي يسجل في أرشيفه واحدة من العمليات الفاشلة التي أدت الى قتل مجموعة كلاب وضابط واصابة ثلاثة جنود، كانت المهمة الرئيسية فيها مسندة الى هذه الوحدة. باتت هذه الوحدة من العناصر المهمة في الجيش، لا يتم الاستغناء عنها، وفي كل فترة كانت تستخدم لأغراض متعددة في مرافقتها الجيش في مهمات عسكرية. وخلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى، وعلى مدار سنوات كانت الوسيلة الأنجح لكشف العبوات الناسفة التي كان يضعها الفلسطينيون في الطرقات التي يتوقع مرور الجيش عليها وأيضاً خلال حملات المداهمة. خلال السنوات الثلاث الاولى من"انتفاضة الاقصى"، وفي ظل العمليات العسكرية الكبرى والحصار والقصف, لم يكن لوحدة الكلاب دور كبير. وفي عام 2003 اعيدت مرة اخرى الى العمل في عمليات محددة لملاحقة المطلوبين. الا ان سياسة استخدام الجيش الفلسطينيين دروعاً بشرية، كانت اكثر فعالية. الا ان هذا الاسلوب ادى في بعض الحالات الى قتل فلسطينيين ابرياء. وازاء الضجة الاعلامية والقضائية التي أثارتها الجمعيات الفلسطينية والاسرائيلية الفاعلة في مجال حقوق الانسان، بحث الموضوع في المحكمة الاسرائيلية العليا في اكثر من ملف التماس ما ادى الى اتخاذ قرار حاسم يمنع الجيش من اتخاذ الفلسطينيين دروعاً بشرية عند تنفيذه مهمات عسكرية. ولكن وكما اكد اكثر من مسؤول في الجيش، في اثناء مناقشة القرار، فان العمليات التي ينفذها الجيش داخل البلدات الفلسطينية لاعتقال مطلوبين تهدد حياة افراده، وهنا اقترح تفعيل دور وحدة الكلاب في شكل اوسع لتشمل كل عمليات الجيش في الاحياء والبلدات الفلسطينية. وعلى مدار اشهر طويلة هاجم الكلاب عشرات الفلسطينيين داخل بيوتهم وفي معظم المرات كانت الكلاب تخطئ الهدف وتهاجم أبرياء تواجدوا داخل البيت, في وقت لم يحرك فيه الجيش ساكناً لانقاذهم. ولعل اكثر هذه الحوادث اثارة ما تعرضت له المسنة صالحة الديك 86 عاماً من قرية كفر الديك في قضاء سلفيت والتي أجريت لها قبل ايام جراحة في محاولة لإعادة ساقها الى حالتها الطبيعية بعد ان هاجمها احد كلاب الجيش فجر احد الأيام. وكما روت فأن وحدة كبيرة من الجيش اقتحمت البيت وأمرت زوجها المسن بمغادرته لينضم الى عشرات رجال الحي الذين اخرجوا من بيوتهم. وتقول الديك انها توسلت الجنود ان يبقى زوجها الى جانبها لأنها عاجزة وغير قادرة على التحرك لكنهم صرخوا في وجهها لتسكت ثم فوجئت بدخول كلب كبير بني اللون انقض عليها ونهش يدها اليمني ثم انقض على يدها اليسرى فمزقها وأصابها في مختلف انحاء جسمها، في وقت كان فيه افراد الجيش يراقبون ما يفعله عند مدخل الغرفة. كانت الذريعة ان الجيش يبحث عن مطلوب. الطفل محمد نجم 12 عاماً من جنين اصابه كلب الجيش اصابات خطرة, وباسل داود 12 عاماً تعرض لهجوم من الكلب عندما كان نائماً في سريره في اثناء اقتحام وحدة من الجنود البيت بحثاً عن شقيقه. فأصيب في شكل خطير اثر هجوم الكلب عليه في البيت، ويحاول الاطباء اليوم انقاذه من الشلل. وكما جاء رد الجيش على مقتل ابو ليمون جاء ايضاً على هذه الحالات"آسفون, انه خطأ غير مقصود. سنحقق في القضية". من ينفذ مهمته بنجاح من الكلاب يحصل على وسام تقديري وتجرى الاحتفالات بحضور الجنود وعائلاتهم . في المرحلة الاولى يوضع الوسام في عنق الكلب وفي ما بعد يحصل عليه الجندي المسؤول عنه ليحافظ عليه. علماً ان اشهر انواع هذه الكلاب هي"راع المالي"و"ميلناور" ومعظمها مستوردة من هولندا وتبلغ كلفة كل كلب نحو40 ألف دولار.