كتاب "شعراء السبعينات" المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة يحاول ان يقدم صورة ما لشعراء هذا الجيل المحوري في مصر. وهو يتميز بكون مؤلفه واحداً منهم، وهذا ما يلغي المسافة المفترضة بين الكاتب وكتابه عموماً. وشعبان يوسف يضيء تجارب هؤلاء الشعراء الذين يمكن النظر اليهم وتأريخ تجاربهم ونصوصهم وفق اكثر من وجهة نظر او معيار. ولكن الاهم ان هؤلاء، شأن شعراء السبعينات في أقطار الشعر الاساسية، توسطوا ابداعياً وزمنياً بين جيل الرواد والاجيال التي تلتهم. لقد صنعوا اصواتهم الخاصة طبعاً، لكنهم في الوقت نفسه مهدوا الطريق لكل ما اصاب القصيدة المكتوبة في مصر من تشظيات واحتمالات ومصائر. لا يقدم الكتاب تجارب جديدة، مجهولة - أو غير معروفة جيداً - القارئ. فأسماء شعراء مثل رفعت سلام وحلمي سالم وحسن طلب وأمجد ريان وعبدالمنعم رمضان وجمال القصاص ومحمود نسيم وسواهم مطروحة في المشهد الشعري العربي، وليس المصري فقط. والكتاب يحتفي بهؤلاء ويقدمهم كتجارب نضجت من خلال سنوات طويلة من الكتابة والانتاج والحوار المستمر مع الأسلاف والمجايلين في الشعر العربي الحديث ومع التجارب الشعرية العالمية. واذا كانت نصوص الشعراء موجودة ومتداولة للقراءة والبحث والدراسة النقدية، ما يسهّل وضع كل واحد منهم داخل حساسية شخصية ما، فإن المؤلف حاول الاحاطة بمناطق اخرى من النص، او بالأحرى بما يجاور النص ويحتك به. ولذلك قسّم كتابه الى ثلاثة اقسام، نقرأ في الاول شهادات شخصية لأحد عشر شاعراً، وفي الثاني دراستين نقديتين عن جيل السبعينات كحركة وكجيل شعري. أما القسم الثالث فقد خصص لندوة شارك فيها سبعة شعراء. وهذا، كما هو واضح، يلقي الضوء، بأكثر من طريقة، على عوالم ومناخات الشعراء، وعلى التكوينات الأولية التي ساهمت في ابراز كل تجربة على حدة. هناك ايضاً الاشارات الحياتية المهمة في شهادات المشاركين التي جمعت بين اجواء السيرة الذاتية والدفاع عن الخيارات الاسلوبية التي اتيحت لهم، والاعتراف بفضل القراءات والشعراء الآخرين على تغيير او تطوير تقنياتهم الكتابية. وهم يكشفون ايضاً عن افكارهم السياسية، وميولهم الايديولوجية التي لا بد انها ظهرت وأضحة او مضمرة في نصوص مزجت بين التجريب المستمر والاخلاص للتجربة. "شعراء السبعينات" كتاب يضيء زمناً للكتابة الشعرية في مصر، لكن القارئ يمكنه ان يلمس طموحات ومآلات الزمن نفسه، في أقطار عربية اخرى، وفي نصوص شعراء آخرين عايشوا الهواجس ذاتها.