نائب أمير الشرقية يستقبل مدير جوازات المنطقة بمناسبة تعيينه    اعتقالات وحواجز أمنية وتفجيرات.. جرائم إسرائيل تتصاعد في «جنين»    الجبير يلتقي عددا من الشخصيات على هامش منتدى دافوس الاقتصادي    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    إحباط تهريب 352275 قرصاً من مادة الإمفيتامين المخدر في تبوك    «روشن» شريك استراتيجي للنسخة الرابعة لمنتدى مستقبل العقار 2025    محافظ الخرج يستقبل مدير مكافحة المخدرات    أنغولا تعلن 32 حالة وفاة بسبب الكوليرا    تكريم 850 طالبًا وطالبة بتعليم الطائف    أمير الشرقية يكرم الداعمين لسباق الشرقية الدولي السادس والعشرين للجري    توقيع شراكة بين جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وجمعية هجر الفلكية    جامعة حائل تستضيف بطولة ألعاب القوى للجامعات    الشيباني: الأكراد تعرضوا للظلم وحان بناء دولة المساواة بين السوريين    500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة    إلى رقم 47 استمتع بها.. ترامب يكشف عن رسالة بايدن «الملهمة    صندوق الاستثمارات العامة وشركة "علم" يوقّعان اتفاقية لاستحواذ "علم" على شركة "ثقة"    فرصة هطول أمطار رعدية على عدة مناطق    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2748.58 دولارًا للأوقية    كعب «العميد» عالٍ على «الليث»    الاتحاد والشباب.. «كلاسيكو نار»    وفاة مريضة.. نسي الأطباء ضمادة في بطنها    انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    وزير الخارجية من دافوس: علينا تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة    محافظ الخرج يزور مهرجان المحافظة الأول للتمور والقهوة السعودية    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    تأسيس مجلس أعمال سعودي فلسطيني    أبواب السلام    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    «موسم العرمة» .. طبيعة ساحرة وتجربة استثنائية    تعديل قراري متطلبات المسافات الآمنة حول محطات الغاز.. مجلس الوزراء: الموافقة على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري بالمملكة    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان الرئيس التركي في ضحايا حريق «منتجع بولو»    حماية البيئة مسؤولية مشتركة    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    حفل Joy Awards لا يقدمه إلا الكبار    بيع المواشي الحية بالأوزان    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    بيتٍ قديمٍ وباب مبلي وذايب    تأملات عن بابل الجديدة    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    سعود بن نايف يكرم سفراء التفوق    سمو محافظ الخرج يرأس اجتماع المجلس المحلي    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعراء عرب وفرنسيون أحيوا مهرجان الشعر في باريس . جسر بين شعريتين وإطلالة على التجارب الراهنة
نشر في الحياة يوم 14 - 04 - 2001

تأخذ اللقاءات والمهرجانات والقراءات الشعرية العربية - الفرنسية الدورية منها وغير الدورية أهمية كبيرة فهي تسمح للقراء والشعراء الفرنسيين بالتعرف الى أصوات شعرية عربية متعددة تنتمي الى بلدان عربية مختلفة، وتنضوي ضمن حساسيات شعرية متنوعة بعيداً من اشكالية الترجمات الششعرية الضئيلة جداً والتي يلعب فيها حضور الشاعر في أوروبا وعلاقاته الدور الأكبر. فغالباً ما يُترجم شعراء غير مهمين أو ليس لهم حضور شعري فاعل في الحركة الشعرية العربية الحديثة، وبالطبع توجد استثناءات قليلة. معظم القرّاء والشعراء الفرنسيين يختصرون الشعر العربي الحديث في اسمين اثنين هما أدونيس ومحمود درويش، فيما لا يعرفون سوى القليل القليل عن الشعراء الذين نقلوا الشعرية العربية نحو آفاق جديدة وشكلوا الانعطافات الأساسية في حركة الشعر العربي الحديث. وليس غريباً أن يتساءل أحد الشعراء الفرنسيين قائلاً: من غير المعقول اختصار الشعر العربي الحديث في شاعرين اثنين. من هنا، فإن اللقاء الشعري العربي الفرنسي الذي نظمه معهد العالم العربي يكتسب أهمية كبيرة في كونه يساعد على ردم هذا الفراغ ويمد جسراً يصل بين الشعريتين العربية والفرنسية ويسهم في ازالة القصور الذي يكتنف ضعف حضور الشعر العربي الحديث.
الدورة الثانية لمهرجان الشعر العربي - الفرنسي جاءت هذا العام في اطار "ربيع الشعراء" الذي تقيمه وزارة الثقافة الفرنسية. 13 شاعراً يمثلون 11 بلداً عربياً وبمعنى أكثر دقة ينتمون الى المغرب، الكويت، اليمن، الأردن، العراق، سورية، ليبيا، مصر ولبنان. فيما لم يحضر من دول أخرى أي شاعر كالبحرين وعمان وتونس والجزائر... بعض الدول حضر منها شاعران مثل مصر والعراق فيما تغيب الشاعر السعودي محمد العلي. وتمكن الاشارة هنا الى حشر بعض الأسماء من خارج البرنامج، إذ ألقى شخص اسمه جمال الشاعر قصائد لا علاقة لها بالشعر بوصفه شاعراً مصرياً. ولا بد في هذا السياق من ذكر بعض الملاحظات على المهرجان والعوامل التي تلعب الدور الأكبر في اختيار الشعراء فإذا كان الاختيار تم على أساس الدول العربية فمن المفترض أن تمثل دول مثل البحرين وعمان وتونس... أما اذا كان الاختيار تم بالنظر الى الحركة الشعرية داخل هذا البلد العربي أو ذاك فهذا الأمر يستدعي حضور أكثر من شاعرين من لبنان والامارات والسعودية والبحرين حيث نجد حركة شعرية واضحة وخصوصاً في دول الخليج.
قرأ الشعراء العرب والفرنسيين باللغتين العربية والفرنسية وهذا أمر بديهي، فعنوان المهرجان: مهرجان الشعر العربي - الفرنسي ولكن حُشر اسمان لشاعرين يكتبان باللغة الانكليزية" الأول هو الليبي خالد المطاوع كما لو أنه ليس هناك شاعر يكتب الشعر بالعربية في ليبيا، والشاعر الثاني هو الفرنسي بيير جورس الذي يقيم خارج فرنسا، وقد قرأ قصائد باللغة الانكليزية أيضاً. وتُرجمت قصائدهما الى الفرنسية، فيما لم يقرأ خالد المطاوع الذي قدم من أميركا باللغة العربية ولا نعرف ما الداعي الى هذه الاستثناءات. وكان من الأجدى دعوة شعراء عرب أكثر أهمية يكتبون باللغة العربية أو بلغات غير عربية، وخصوصاً الفرنسية. ونسوق هذا القول ليس لأننا ضد حضور أي شاعر يكتب بغير لغته الأم وليس من باب الانتقاص من القيمة الشعرية لتجارب الشاعرين وهذا الأمر له بحث آخر بل من باب السؤال عن العنوان الذي حمله المهرجان وهو مهرجان الشعر العربي - الفرنسي. وكان من الأولى أن تحرص لجنة المهرجان على العنوان الذي وضعته هي بنفسها وهي تتألف من بدر الدين عرودكي، مارك دولوز، عبدالقادر الجنابي، فاروق مردم بك، سلوى النعيمي وفرانسوا زبال...
وتمكن هنا الاشارة الى الفوضى في الاعلان عن المهرجان وتحديد أسماء الشعراء. وهذا ما أوقع المهتمين في ورطة التمحيص والتدقيق والسؤال عن الأمكنة التي ستقام فيها القراءات وخصوصاً أن هناك تضارباً في المواعيد ضمن النشرة الواحدة بين البرنامج العربي والفرنسي. قدم ملف الشعر فرانسوا زبال مؤكداً على ان اللقاء والمواجهة رهانا مهرجان الشعر هذا العام... حيث يجتمع الشعراء العرب والفرنسيون في عدد متساوٍ وتأكيداً لارادة الانفتاح التي تدير ظهرها لبؤس التقوقع على الذات ودعا الى اكتشاف الآخر بعيداً من الطرق المعبدة بالمترجمين الرسميين والنيات الطيبة.
أما بول شاوول فاعتبر "ان نشر الشعر لا يعني بالضرورة توجهاً الى أحد محدد أو غير محدد... وعملية النشر مرتبطة بالقصيدة اكثر مما هي مرتبطة بالآخر، الجمهور الناقد". توزعت قراءات الشعراء في أكثر من مكان في باريس ضمن معهد العالم العربي وفي بيت الشعر وفي بيت ثقافات العالم وفي جامعة ليون ونانتير واكس بروفانس. بعض اللقاءات أقيمت تحت عناوين مثل "بين الذاتي والعام"، "لقاء الترجمة والتبادل الثقافي"، "لقاء السيرة الذاتية والسيرة الشعرية"، "لقاء أحوال الجسد". هذه العناوين العريضة لم يرافقها عمق في النقاش والحوار والأسئلة. ولا يعود السبب الى الشعراء، بل يعود الى المكان ألا وهو المقهى "الأدبي"، الموجود داخل المعهد إذ لم يُخصص للقاءات وهذا ما أدى الى أن يتم الحوار في ظل ضجيج الزبائن ونقاشاتهم الحادة بالقرب من الشعراء والمهتمين الذين التهمهم الضجيج. ويمكن هنا استثناء اللقاءات التي تمت في بيت ثقافات العالم وبيت الشعر ومساء الشعراء داخل المعهد وجامعة ليون. وقد أضاء الشاعر بول شاوول في اللقاءات التي حضرها الغموض الذي يكتنف علاقة القارئ الفرنسي بالشعر العربي. وتحدث عن أهم الشعراء العرب الذين كتبوا القصيدة النثرية وليس لهم أي حضور خارج العالم العربي.
لقاءات عربية وفرنسية
لم تخلُ اللقاءات من اجابات قدمها شعراء لهم تجاربهم الشعرية الطويلة ولغتهم الخاصة كبول شاوول وأمجد ناصر وبرنار نويل وأندريه فيلتير وفاضل العزاوي... يمثل الشعراء الفرنسيون الحساسيات الأساسية في الشعر الفرنسي اليوم. الشاعر ميشال ديفي يمزج الفلسفة والفكر داخل الشعر ويولي المكان عناية خاصة من خلال مقاربة روحانية حادة لا تخفي نزعتها التجريدية. أما برنار نويل فالفكر يحضر في لغته في شكل كبير وهو يعمل على إذابته في قول شعري موسوم بالغنائية ومطبوع بخصوصية الانفتاح على تحولات الجسد وفصوله المختلفة. جان ماري غليز قرأ قصائد ضد الغنائية وذات مناخات حلمية مقتضبة وخاطفة مدغومة في لغة مشدودة ولا تسمح بأي ارتخاء. والشعر الصوتي كان حاضراً في المهرجان ومثله الشاعر جوليان بلين الذي يعيد مناخات الدادائية مستخدماً صوته العالي وحركته كأسلوبي تعبير يكملان النص المكتوب. بيير جورس الذي يكتب باللغة الانكليزية قرأ قصائد قصيرة، مشذبة أشبه بالضربات الخاطفة التي يلفها البياض. اندريه فيلتير الذي وصل الى المهرجان على دراجته النارية معروف بتقديمه برنامجاً شعرياً في اذاعة "فرانس كولتور". والقصائد التي قرأها بدت لغتها متشبثة بعزم النبرة العالية، وبدا الشاعر كما لو أنه يحاول اكتشاف شفوية جديدة من خلال حقل تتكرر فيه الأصوات الى ما لا نهاية. جان ميشيل مولبوا قرأ قصيدة عن طلوع النهار في بيروت. قصيدة تشتم منها روائح المدينة وأصواتها وألوانها في كل تناقضاتها، طيورها وحفاراتها، رافعاتها وزرقة بحرها، نواقيسها وأصوات مؤذنيها، أشجارها وزمامير سياراتها... وكان ثمة حضور للشاعر كلود استيبان المعروف بترجماته عن اللغة الاسبانية ولشعراء آخرين مثل ماري كلير بونكار، ميشال غرانغو، جان مونو، جيمس ساكريه، دومينيك غرانمون، سلفستر كلانسيه، جورج ايمانويل كلانسيه الحائز على جائزة غونكور. ومعظم الشعراء الفرنسيين المشاركين يتحدرون من جيلي الستينات والسبعينات فيما جورج ايمانويل كلانسيه هو الوحيد الذي ينتمي الى جيل الخمسينات. وهم شعراء مكرسون ومعروفون ومعظمهم يعمل ضمن الأكاديميات. ولم ترافق قراءات الشعراء الفرنسيين ترجمات الى اللغة العربية حينما رافقت كل الشعراء العرب ترجمات الى اللغة الفرنسية. وهذا أدى الى وصول النص الى المتلقي الفرنسي وسمح بالتعرف الى الحساسيات الشعرية العربية الحديثة. الترجمات لم تكن موجودة في العام السابق ووجودها هذه السنة ميزة تسجل لمصلحة المهرجان. وقام بمعظم الترجمات الشاعر عبدالقادر الجنابي فيما شعراء قلائل ترجمت لهم حلا مغني ووليد الخشاب. وكان ثمة حضور لافت للشاعرات العربيات: المصرية ايمان مرسال، العراقية دنيا ميخائيل، الامارتية ميسون صقر، اليمنية هدى أبلان. ولكن يؤخذ على اللجنة المنظمة عزل الشاعرات الأربع في أمسية خاصة أقيمت ضمن مطعم تم الاعلان عنها في شكل ملتبس وغامض ولم يعلم بها الجمهور إلا لاحقاً. والذين علموا بها لم يسمح لهم بالدخول كون "الأماكن حُجزت في شكل مسبق قبل أسبوع" على قول أحد أعضاء اللجنة المنظمة، فيما عاد أدراجهم شعراء مدعوون الى المهرجان وصحافيون ومهتمون بالشعر. ولم يُعرف من هم هؤلاء الذين استمعوا الى الشاعرات. أما الشاعرات فكنّ مضطربات وتساءلن عن الحضور "الغائب" غير مدركات ما الذي يجري لهن على قولهن جميعاً. الشاعرات الأربع اعتمدن الكتابة النثرية خياراً وحيداً للتعبير وسمح النثر لهن بسبب اتصافه بالليونة والانبساط بإضاءة الصور الداخلية والكشف عما يقع على الذات الأنثوية من حيف ذكوري حاد. الشاعر الأردني أمجد ناصر قرأ قصائد من ديوانه "سر من رآك". إضافة الى قصيدة جديدة. قصائده تقارب الجسد وتسائله شعرياً كحال فيزيائية أي في وصفه منبعاً للغريزة - الشهوة. يضيء الشاعر في هذه القصائد التفاصيل الدقيقة والمواضع المتروكة من الجسد في لغة جمالية وتعبيرية تمزج بين الفيضي واللغوي الذي يتسم بالوعورة الوثنية. أما قصيدته الجديدة المعنونة "قربان" فحاول التخلص من أثر التكثيف الشديد وانتقاء الكلمات بدقة وعناية معطياً القصيدة مجالاً واسعاً للتنفس والراحة من خلال تنثير الجملة والعبارة. هذا ما يعطي انطباعاً بأن الشاعر يعود الى جماليات قديمة اتسم بها شعره في "رعاة العزلة". ومعظم قصائد "وصول الغرباء". ولكن من دون أن يعني هذا الأمر انقلاباً حاداً على المناخات والفضاءات التي طالما اشتغل الشاعر عليها. انه يسعى في "قربان" الى تفكيك الجزالة والوعورة اللغوية لمصلحة قول شعري يغرف من المألوف والعادي ويحافظ في الآن نفسه على الجماليات التي طالما عهدناها في شعر أمجد ناصر. الشاعر الفلسطيني زكريا محمد قرأ قصائد من مجموعته الشعرية "الحصان يجتاز اسكدار". قصائد موزونة ونثرية، مطبوعة بضديتها للحادثة والواقعة وللسيولة التحريضية الخطابية، ومتخلصة من المركبات البلاغية للقصيدة التحريضية. قصائد تستعيد الصوت الفردي وتستبطن الواقع الداخلي في عملية دغم لعناصر الخارج وتمويهها لمصلحة هذا الداخل. الروائي والشاعر العراقي فاضل العزاوي قرأ قصائد ذات صلة شديدة بالواقع وبالأسباب التي تصنعه. ولكنه "غرّبها" بالتشكيلات الفانتازية ذات الأصول الواقعية، وهي راحت ترسم السمات العامة لهذه القصائد وتطبعها بها مشكلة مناخات مطبوعة بالكابوسية والرعب على رغم يوميتها. الشاعر بول شاوول قرأ مقاطع من كتبه "وجه يسقط ولا يصل" و"أيها الطاعن في الموت" و"أوراق الغائب". ولفت الأنظار بمسرحته القصائد أثناء الالقاء. قصائد مشذبة ومنحوتة نحتاً، مكثفة، مضغوطة كأنما اقتطعت من نص هائل، مكسورة وحزينة تأخذ من "الرثائية" عمقها الوجودي وتنشره على البياض الذي يلف الصفحة من جهة وتستولي على الصمت الذي يلف المكان وتنسبك فيه سبكاً لتحفر فيه. حركات وايماءات طبعت إلقاء الشاعر وأسرت المتلقين. بدا هذا واضحاً في "بيت ثقافات العالم" وفي مساء الشعراء في معهد العالم العربي وفي جامعة ليون. وعلى رغم أن قصائد "وجه يسقط ولا يصل" مكتوبة منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلا أنها بدت كما لو أنها كتبت للتو. وتكتشف مع شعر بول شاوول ان الشعر يخترق الزمن ويبقى حياً ومتوهجاً. تكتشف أن الشعر ينظر اليه خارج التحديدات الزمنية وإن كنا ننتظر ان يقرأ الشاعر قصائد جديدة له من المجموعات الشعرية الجديدة التي أشار الى قرب صدورها. الشاعر المغربي عبدالله زريقة قرأ قصائد من ديوانه الأخير "سلالم الميتافيزيقا". صوته الخشن الأجش بدا متناسباً مع مناخات شعره التي تنفتح على الوحشة والعزلة والألم والعذابات الشخصية التي حُوِّلت شعرياً الى عذابات ميتافيزيقية كبرى قصائد تكتنز بالرموز والأسرار. ويستفيد الشاعر من جماليات النص الصوفي من دون أن يكررها. الشاعر المصري عبدالمنعم رمضان الذي ينتمي الى جيل السبعينات في الشعر المصري بدا واضحاً في قصائده الجديدة التي ألقاها وكأنه يسعى الى حساسية شعرية جديدة تفترق عن الحساسية الشعرية التي طالما عهدناها لدى جيل السبعينات المصري حيث الاهتمام في تشكيل واقع شعري والاعتراض على علاقة الشعر بالواقع أو تصويره والاستعاضة بالنحت اللغوي للقصيدة وتركيب الصورة وتوظيف الاسطورة ضمن بنية معقدة تطرح اشكالية الوظيفة التوصيلية للغة والكشف عن احتمالات لغوية جديدة مستحدثة. ما يفعله رمضان في قصائده الجديدة هو الخروج على أوزان الخليل وكتابة قصائد نثرية مع الابقاء على جماليات قصيدة التفعيلة داخل قصيدته الجديدة في محاولة للانعتاق من أسر قصيدة التفعيلة ومناخاتها والذهاب نحو فضاءات أكثر حرية وانفتاحاً بالتخلص من الأثقال البلاغية واعتماداً للقص والحوار والمونولوج الداخلي. واذا كنا نعلم الكثير عن الشعر الخليجي الحديث فإننا نكاد لا نعرف شيئاً عن الشعر الحديث في الكويت وقطر وربما تعود أسباب معرفتنا بالشعراء الخليجيين من تلك الدول الى طباعة الشعراء دواوينهم في دور نشر لبنانية وخصوصاً دار الجديد. الشاعر الكويتي ابراهيم الخالدي قرأ قصائد تعطي انطباعاً بأن الشعر الكويتي قد لا يكون قطع أشواطاً كبيرة على صعيد تطوره مقارنة مع الشعر السعودي والاماراتي والبحريني لكنه يأخذ طريقه نحو تغييرات جمالية وأسلوبية تجد صدى لها في شعر الشعراء الشباب الكويتيين. الشاعر السوري عادل محمود قرأ قصائد من مجموعته الشعرية الجديدة "استعادة مكان". ومحمود العائد الى الشعر بعد انقطاع دام 15 عاماً، يتابع في قصائده الجديدة لغته الشعرية التي طبعت مجموعاته الشعرية السابقة. الجماليات والأسلوبيات وطرائق الحياكة الشعرية هي نفسها. ويذهب الشاعر السوري السبعيني الى شعرنة التفاصيل والقبض على الشعري في المهمل والمتروك واللامنتبه اليه من دون نقل هذه التفاصيل مباشرة الى القصيدة.
أحضر الشعراء مجموعاتهم الشعرية الأخيرة معهم ومن تُرجمت منهم أحضر معه مجموعته مترجمة الى الفرنسية. وعرضت المجموعات الشعرية كلها في صالة بيع الكتب في المعهد مما سمح للقراء والمهتمين العرب والفرنسيين بالاطلاع على أشعار الشعراء المدعويين الى المهرجان. حضر المهرجان الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي وألقى كلمة في افتتاح المهرجان بصفته عضواً في اللجنة التأسيسية. الشاعر سعدي يوسف ألقى قصيدة بصفته عضواً في لجنة الشرف. وفوجئ الحضور بحشر اسم وزيرة الثقافة السورية ووزير الثقافة الجزائري ضمن حفل الافتتاح، الوزيرة السورية تكلمت عن الديموقراطية السورية وانتقلت الى الحديث عن موضوعات سياسية لا علاقة لها بالشعر وبالمناسبة التي يقام المهرجان من أجلها مما حوّل القاعة مكاناً للمداولات السياسية وأدى الى اثارة امتعاض الحضور الذين جاؤوا للاستماع الى الشعر وليس الى الخطب الحماسية الحارة في القومية والعروبة. أما الوزير الجزائري فامتدح جمال الوزيرة أكثر من مرة ورأى انه لا يستطيع الحديث في حضور شاعر عظيم هو أحمد عبدالمعطي حجازي وناثر عظيم هو قصي صالح الدرويش وذكّر بفتح العرب اسبانيا وتحسر كثيراً على فقد العرب الأندلس. وانتقل الى الحديث في السياسة مما أدى أيضاً الى اضطراب القاعة المغني مروان عبادو رافق الشعراء عزفاً على العود وأنشد بعضاً من أغانيه القديمة والجديدة ولاقت أغنيته الجديدة "فاعلاتن" قبولاً ملحوظاً من الجمهور. وتقاطع مهرجان الشعر العربي - الفرنسي مع نشاطات عربية - فرنسية مشتركة "الأسبوع الثقافي العربي" الذي تنظمه الناقدة هدى أيوب وشارك فيه شعراء وأدباء وقصاصون عرب كمحمود درويش ومحمود الريماوي...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.