أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللاجئون اللبنانيون في اسرائيل بين ذل الاقامة ... والخوف من السجن
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 2001

لا أحد يدري ما الذي قصدته السلطات الاسرائيلية حين جمعت معظم أفراد ميليشيات لحد من أبناء الجنوب اللبناني الفارين وأفراد عائلاتهم، في منتجع رأس الناقورة، على بعد بضع مئات الامتار من الحدود الاسرائيلية - اللبنانية. هل هو نوع من التعاطف معهم، وابقائهم على مقربة من الوطن، يشمون رائحته ويعيشون اجواءه؟ أم هي مكيدة، تهدف الى جعلهم على أقرب منطقة للهرب نحو الجنوب وغض الطرف؟ لكن الأهم من ذلك انهم ليسوا سعداء بذلك. لا بل لا يوجد ما يفرحهم او حتى ما يرسم على شفاهم البسمة. وكل يوم يقضونه هنا، يزيد من يأسهم وقنوطهم وصعوبة عيشهم ويزيد مشاكلهم في الغربة عن الوطن وأهله، تعقيدا وراء تعقيد.
الموجودون هنا اولئك الذين ما زالت اسرائيل موقنة بأنهم سيغادرون في اقرب وقت الى لبنان. لذلك يعتبر مكوثهم موقتا. يعيشون في غرف فندقية بسيطة. اما الباقون فقد تم نقلهم الى مواقع اخرى، معظمها مبان سكنية مستأجرة وبعضهم يعيش في غرف فندقية وسط البلاد.
الفضيحة
عندما دخلنا البوابة الكبيرة لمنتجع "رأس الناقورة" عند الحدود الاسرائيلية - اللبنانية، لم يرق الامر لمجموعة من الشابات اللواتي وصلن يوم 22/ 5/ 2000 من جنوب لبنان مع حوالي 6 آلاف شخص، انتحين بعيداً وراحت احداهن تصرخ: "ماذا تريدين؟ صحافة وتصوير؟ ألا يكفي المأساة التي نعيشها؟ هل تريدون فضحنا في الصحف؟".
وفهمنا فيما بعد ان سر هذا الغضب هو الكراهية الشديدة التي يكنونها للمواطنين العرب في اسرائيل فلسطينيو 48 بسبب الوقوف بشكل واضح ضد قبولهم في بلداتهم وبالقرب منها. هذه العائلات لا تستطيع ان تندمج في المجتمع اليهودي الذي يعيش عادات وتقاليد بعيدة عن عاداتها. وهي اصلا لا تستطيع الاختلاط مع اليهود حتى لو أرادت على رغم ان الكثيرين من اليهود زاروا هذه العائلات عند قدموها وقدموا لها الهدايا والالعاب لاطفالها. في هذا الوضع تعيش هذه العائلات في وحدة مرعبة، مملة ومقلقة.
وصلنا اليهم، الى نتسيرت عيليت، بالقرب من الناصرة، حيث تعيش 40 عائلة هناك، وفي احدى القرى العربية حيث قامت إحدى العائلات باستضافة أقارب لها، والى المنتجع بالقرب من رأس الناقورة، حيث تقيم الغالبية العظمى من هذه العائلات. ولدى الجميع منهم يأس واحباط وحتى اكتئاب. "نحن نعيش حياة ذل... لا نريد الا ان نعود الى وطننا والى اهلنا. افضل العيش في خيمة في لبنان بدل قصر. فهنا لا شيء لنا، لا نعرف ما هو مستقبل أولادنا الذين من حقهم ان يعيشوا في وطنهم. ولا ندري كيف سنقدر على تحمل هذه الحياة اكثر، فما ذنب هؤلاء الاطفال، ما ذنبنا نحن النساء. يقولون في لبنان انه لن يحصل اي شيء للنساء والاطفال، ولكن هل أحد يضمن لنا الشراب والطعام في لبنان اذا عدنا؟ وهل هناك عدل بمحاكمة الجميع، والكل يعرف ان الكثيرين ممن تسجلوا في جيش جنوب لبنان، فعلوا ذلك رغما عن ارادتهم. حتى ذلك الناطور الذي كان يفتح البوابة على الشريط الحدودي ويغلقها ولم يحمل السلاح حوكم في لبنان. وهناك العشرات ممن يقضون في السجن من دون محاكمة، فكيف لنا ان نضمن ما سيفعلونه بنا؟ كيف لنا ان نعود"؟
راحت ام طوني تحدثنا والدموع تغسل وجنتيها والكلمات تختنق في حلقها، ومن حولها اطفالها الاربعة الذين تتراوح اعمارهم بين الخامسة والعاشرة، اما زوجها فقرر البقاء داخل الغرفة الصغيرة التي منحته اياها اسرائيل داخل المنتجع، رافضاً الحديث او حتى الجلوس معنا.
منذ وصول هذه العائلات هربا الى اسرائيل قبل ثمانية اشهر، وهي تعيش حياة غير مستقرة. الغالبية تعيش في منتجع واسع المساحة بالقرب من رأس الناقورة، كل عائلة تعيش في غرفة والقائمون على المنتجع يضمنون ثلاث وجبات طعام يومياً للجميع، اما الاطفال فبعضهم يتوجه الى مدرسة اقيمت خصيصاً في المنطقة ويدرّس فيها معلمون لبنانيون، العربية والعبرية والانكليزية والفرنسية والتاريخ، بحسب المنهاج اللبناني، والاطفال الذين هم دون الخامسة، يقضون وقتهم في اللعب داخل المنتجع حيث تتوافر لهم مختلف الالعاب، اما الرجال، فقلة منهم يتوجهون للعمل في تل ابيب والمعظم يجلس مع النساء في المنتجع، يقضون الوقت في التجول والحديث واحتساء الشاي، وخلال ساعات الصباح تعمل فتيات اسرائيليات داخل المنتجع في تأمين الاحتياجات الضرورية لهذه العائلات.
لكن المشكلة المتفاقمة هي لدى الشبان من 15 عاما الذين لا مدارس لهم. محمد خواجا الذي التقيناه وهو يعمل في تنظيف المنتجع وهو شقيق ل13 آخرين، يقول: "أعمل طوال النهار وأتقاضى آخر الشهر 1400 شاقل 350 دولاراً الاسرائيلي يحصل بحسب ساعات عمل محمد على مبلغ بقيمة 750 دولاراً. عدد أفراد عائلته 15 يعيشون في غرفة واحدة، وقبل فترة قصيرة فقط وضع المنتجع في تصرفهم غرفة اخرى بعد ان اثار والده ضجة حول اسلوب التعامل معهم. "الحياة مملة، لا شيء نفعله، نعمل ونأكل وننام ولا نعرف شيئاً عن المستقبل"، قال محمد الذي لا يرغب في الحديث طويلا وهو بطبعه هادئ ومسالم.
رجال من دون نساء
في المنتجع نجد ايضا رجالا من دون عائلاتهم، فضلوا ان تعود النساء والاولاد، وان يبقوا هم هنا حتى تتضح الصورة في لبنان حول كيفية التعامل معهم. "نحن لا نريد عفوا من الباب وقتلا من الشباك. هكذا يفعلون"، قال احدهم الذي لم ترق له مقابلتنا مع الشاب محمد، وتركنا غاضبا وهو يتمتم كلمات لم نفهمها.
وابو يوسف الذي بقي وحده هنا، وجد نفسه في حالة صعبة وقاسية ، بعيدا عن عائلته فلا يستطيع الوصول الى لبنان لانه يخاف مما قد يحصل له ولا حتى لقاء عائلته في دولة اوروبية لان زوجته لا تملك جواز السفر ولا تستطيع الحصول عليه لان زوجها غير موجود في لبنان للتوقيع على طلب جواز السفر حسب ما هو متبع هناك، "المشكلة انه لا توجد دولة في لبنان"، راح يوزع التهم، "انا أرغب بالعودة، لكن حسب ما نسمع من الاحكام فلا عدل بما يصدر، فمن التحق بجيش جنوب لبنان ومن لم يلتحق مصيره واحد"، يقول ويضيف: "انا افضل العيش داخل كوخ في لبنان على حياتنا القاسية هنا، فلا شيء لنا هنا، الحياة صعبة، ولكن عندما نشاهد ما يحدث للبوسنة والهرسك نجد أننا في نعيم من الحياة".
يتقاضى ابو يوسف 800 شاقل 200 دولار من الدولة، هو لا يحتاج الى شراء حاجيات، فالطعام متوافر له والسكن ايضا ولا اطفال عنده يطلبون منه الالعاب والمسليات. وهو بنفسه لا يحتاج الا بعض الملابس، ويقضي ساعات يومه في المنتجع لان المشاكل الصحية التي يعاني منها في القلب تمنعه من العمل: "نعيش من قلة الموت"، قال.
قصة سمير
يختلف وضع كل عائلة عن الاخرى، لكن جميعها ترفض العودة خوفاً من محاكمة الرجل، لكن هناك من تقدم للسلطات الاسرائيلية بطلب للعودة مع عائلته، لكن اسرائيل رفضت، وهذا الرفض بحد ذاته غير مفهوم، سمير الذي كان يجلس مع اطفاله الثلاثة مقابل غرفته، وجدناه يخبئ الكثير من الحديث الممزوج بالألم، ولا يستطيع ان يفسر ما حصل له. لقد قضى الكثير من السنوات داخل السجون الاسرائيلية بتهمة التعاون مع "حزب الله"، وهو بنفسه كان نشيطاً في حركة أمل، وشارك في عمليات ضد اسرائيل، وكما يقول فهناك في حركة امل يعرفون بالضبط وضعه وما كان يفعله بحسب أوامرهم، ولكن مع هذا فاسمه مدرج مع 36 آخرين صدرت ضدهم احكام غيابية في لبنان، ويوجهون له تهمة التعاون مع اسرائيل وتقرر سجنه لمدة عشرين عاما. "مع هذا أريد العودة ، لدي محامٍ يدافع عني، انا لم ارتكب جرماً ولم أكن يوماً متعاوناً مع اسرائيل، بل انني افتخر بنشاطي في حركة "امل" وبالعمليات التي شاركت بها ضد اسرائيل، انا لم أكن أنوي الوصول الى اسرائيل وعند الانسحاب من جنوب لبنان، كنت مع اللبنانيين نرقص من الفرح، ولكن في لحظة خوف من عدم نجاح قضيتي والتخفيف من حكمي أو إلغائه قررت المغادرة، وانا اليوم نادم وحاولت مرات عدة العودة لكن السلطات الاسرائيلية رفضت".
ويروي سمير كيف اعتقل في سجن الخيام مع زوجته التي اجهضت وهي في الشهر السابع بسبب ما تعرضت له من تعذيب، بتهمة الانتماء لمنظمات معادية لاسرائيل، كما تسجل اسرائيل في ملفاتها، "نحن بلا وطن، قضيتنا ليست الطعام والشراب والنقود هنا الصالح ذهب بعزا الطالح، والحقيقة انه لا عدل بما يجري من طرف لبنان في التعامل معنا، فلا يجوز لكل من كان في جنوب لبنان، حتى أولئك العمال الذين كانوا يعملون في اسرائيل ان يعاقبوا. انا اقول بصراحة هناك كثيرون ممن اجرموا في لبنان ويخافون العودة، بل انهم لن يعودوا يوما، ولكن هناك الذين لم يرتكبوا جرما لكنهم لا يستطيعون العودة خوفاً مما سيحدث لهم. وفي الوقت نفسه نعرف ان هناك من يعيش اليوم في لبنان بشكل عادي لكنهم كانوا قد ساعدوا وساهموا في بقاء اسرائيل في الشريط الحدودي، وهؤلاء لا يحاسبهم أحد".
بين 1991 و1994 اعتقلت السلطات الاسرائيلية سمير مرات عدة بتهمة الانتماء الى "حزب الله" أو "امل". في احدى المرات وضع في زنزانة خلال شهر لم يكن يميز بين الليل والنهار "كانت غرفتي بجوار غرفة الشيخ عبدالكريم عبيد، تعرفنا على بعضنا البعض بالحديث بصوت عال، لم يكن يتحدث عن نفسه كثيرا، كان يهتم بسماع الاخبار عن زوجته واولاده، وكان يحدثني دائما عن تعرضه بشكل مستمر لتعذيب نفسي وضغوطات. ويؤكد انه سيبقى صامدا. ويطلب مني ان لا اخضع لاي نوع من التعذيب، كان يقول لي دائما لا تهتز لارهابهم، ولا تنهار. وكان هذا بمثابة دعم كبير لي، وبعد شهر نقلوني الى سجن آخر، وكانت تجربتي في السجون الاسرائيلية قاسية، لكن لقناعتي بانتمائي لحركة "امل" والنضال من اجل الوطن، لم اخضع يوما لضغوطاتهم، ولم اعرف كيف قرر البعض انني أتعاون مع اسرائيل، فكلهم يعرفون المخاطر التي واجهتها، وكيف ان السلطات الاسرائيلية رفضت جميع الطلبات التي قدمها الصليب الاحمر لنقلي الى بيروت للعلاج بعد اطلاق سراحي. لا ادري كيف يمكن ان يقرروا هكذا أن هذا او ذاك متعاون مع اسرائيل، فهم يدركون كيف كان جيش لبنان الجنوبي وكيف ان السلطات الاسرائيلية تلزم اللبنانيين على الالتحاق به بالقوة، واحيانا كثيرة كانت الامهات المسنات والنساء يتعرضن لاعتداءات وتعذيب اذا حاولن مقاومتهم لدى اقتحام البيت، فليس كل من حمل بندقية والتحق بجيش لبنان كان عميلا، هناك من اجرم من اللبنانيين وتعاون مع السلطات الاسرائيلية ولطخ يديه بدماء اللبنانيين وهؤلاء يحق للبنان اصدار اي حكم بحقهم، ولكن يجب التمييز فليس كل واحد منا مجرماً".
يحدثنا سمير وتضيف زوجته: ما ذنب هؤلاء الاطفال، ابنتي تبكي كل يوم وتطلب ان تعود الى البيت في لبنان وتقول لي: "لا أريد ان تشتري لي الالعاب والطعام ولا الملابس أريد ان تعيديني الى البيت". ويضيف زوجها: "اكثر من الفي طفل لبناني في اسرائيل. هل من مصلحة لبنان ان يعيش هؤلاء الاطفال هنا، بعيدا عن وطنهم؟ فاذا لم يعودوا الى الوطن ويشعروا بدفئه سيتحولون الى اعداء له".
سألنا سمير عن اعلان الدولة اللبناينة انها لن تعترض طريق النساء والاطفال فلماذا الخوف؟ فأجاب: "اولا اسرائيل ولأسباب خاصة ترفض طلبات البعض في العودة الى لبنان، وهنا يجب التدخل لحل هذه المشكلة، ثانيا هناك حاجة ماسة للاعلان الواضح عن كيفية التعامل مع الجميع، واعلان العفو باستثناء البعض الذين ارتكبوا جرائم بشعة"، وتضيف زوجته: "لا يمكن لأي زوجة ان تتدبر أمور اطفالها من دون الزوج، فنحن لا نعمل وعندما نعود لن يكون من السهل علينا استئجار بيت وضمان توفير النقود للطعام والتعليم والعلاج للاطفال، وعائلاتنا وضعها الاقتصادي بالكاد يضمن العيش لها، ولا تستطيع ان تتحمل همومنا. نحن لا نقدر ان نعود"، تحسم زوجة سمير التي قررت مثل معظم النساء، انهن لن يعدن من دون ازواجهن.
أعود من دون زوجي
ولكن هناك نساء وجدناهن في حيرة من أمرهن، فام علي عاجزة عن اتخاذ القرار، لم تتحمل هي وزوجها واولادها، العيش داخل المنتجع. فالطعام الذي يقدم للعائلات يرفضه الاطفال بشكل خاص. ولا يشعرون بالحرية، "انا قررت الخروج من المنتجع واسكن في بيت في نهاريا، الحياة ليست افضل. واطفالي يعيشون وحدة قاتلة، لكن في المنتجع لا تشعر بالاستقلالية"، راحت تحدثنا حيث التقيناها في زيارة أقارب لها: "الحظ لم يلعب معي وانا في لبنان"، قالت واضافت: "عندما بدأت اسرائيل بالانسحاب وصل زوجي في الصباح الى البيت وأبلغني بأننا سنرحل وغادر البيت فصدمت لهذا الحديث، فكرت قليلا ثم قررت ان أحمل اطفالي الاربعة واذهب الى أهلي. فجمعت ما طالته يداي من الملابس وبعض الحاجيات الضرورية، وبدأت أجهز اطفالي، واذ بسائق سيارة يدخل البيت ويبلغني ان أرافقه لنصل الى زوجي حتى نغادر لبنان. فرفضت وأبلغته بأنني لن افعل ذلك. عندها قال بأنه وبحسب طلب زوجي، سيأخذ أطفالي اليه وبالقوة، عندها ارتعبت من ان أفقد اطفالي ولم يكن أمامي الا الخضوع، كانت تفصلني عن رحلة العذاب هذه ربع ساعة فقط".
تحدثنا أم علي والحزن يرتسم على ملامح وجهها "لم أقرر ما سأفعله ولكنني لا الغي فكرة العودة الى لبنان حتى من دون زوجي. انا لا استطيع العيش هنا بتاتا، كل يوم يمر علي كأنه سنة، فأنا أسكن في بيت تحيطه بيوت يهودية، اخاف ان يخرج اطفالي من البيت وابني الكبير يبكي طوال الوقت، وينتظرون اللحظة التي أذهب بها لارمي النفايات فيرافقوني جميعا، في هذا الوقت فقط نغادر البيت"، تقول لنا وتضيف: "أنا لا أريد لأولادي ان يندمجوا مع اليهود، أخاف عليهم، أريد ان أحافظ عليهم، وانا متأكدة انني لا استطيع فعل ذلك إلا بالعودة الى لبنان".
ام علي تتمنى العودة ، لكنها لم تقرر بعد. فهي لم تجد بعد الطريقة التي ستضمن فيها توفير لقمة عيش أطفالها "أنا لا أعمل. وحتى ان توافر لي العمل، فكيف لي ان أترك أربعة اطفال في البيت فلا يوجد لي حتى سكن مضمون. لقد كنا نعيش في بيت مستأجر وقد نهب، وصاحبة البيت رفضت ان يدخل أهلي ويحصلوا على محتوياته، هناك اسباب كثيرة تجعلني أخاف العودة. ولكن في كل يوم وبعد هذا التفكير أقرر بأنني سأعود، وان هذا هو الحل الافضل".
لا يمر على أم علي يوم إلا وتجلس فيه تذرف الدموع "نحن لا نستطيع الاختلاط باليهود، والعرب هنا يرفضوننا، لا يمكننا العيش هنا، لا يمكن لاولادنا ان يكبروا في هذه الظروف، نحن نعيش وحدة قاتلة، والمستقبل أمامنا مظلم، واحيانا أشعر بخوف كبير".
الى نتسيرت عيليت، تلك المدينة التي اقيمت على اراضي مدينة الناصرة، وصلت حوالي أربعين عائلة، قبل فترة وجيزة. هذه العائلات حظيت باهتمام من ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي لدى وصولها الى اسرائيل قبل ثمانية اشهر، وقد اعلن هؤلاء الضباط بأنهم سيبذلون الجهد لتوفير بيوت لمن كانوا على علاقة مباشرة معهم في الجيش، وخصصوا نتسيرت عيليت مدينتهم، وعلى رغم المعارضة الكبيرة التي واجهتهم من "عرب 48" الا ان هذه العائلات وصلت وهي تسكن اليوم في حي واسع اقيم على اراضي قرية الرينة طرف المدينة وخصص للروس القادمين ويدعى "هاريونا". احد هؤلاء الذي يعتبر نفسه قدم خدمة كبيرة لجيش لبنان الجنوبي ولاسرائيل غاضب على قائدهم، انطوان لحد: "نحن هنا مثل الكلاب، نعيش بقلة واذلال، يعطوننا 1400 شاقل 350 دولارا. صدقينا لو عرفت اين يختبئ لقتلته. لقد رمانا مثل الكلاب. العرب هنا ينبذوننا واليهود لا يهتمون بنا، ولا احد يقبلنا في العمل، واولادنا لا يذهبون الى المدارس، فلا مدرسة لهم في المنطقة، وفي المدارس العربية يرفضونهم ولا يمكننا ان نرسل اولادنا الى المدارس اليهودية، حتى ولو اردنا لا يمكنهم التعلم هناك، فهم لا يجيدون العبرية".
أين لحد؟
والمشكلة مع انطوان لحد، لا تقتصر على الخوف من قتله على أيدي افراد جيشه الذين يعيشون حياة الذل في اسرائيل، فهو حتى اليوم لم يجد الدولة التي ستحميه، ويعيش في احد الفنادق الفاخرة في تل ابيب، وحسب ما علمنا فهو يقضي وقته في فندق "دان" لكنه يرفض الكشف عن ذلك، خوفاً من التهديدات التي يسمعها، وفي هذه الايام يكتفي بالقول انه يعيش حالة من الاكتئاب بعدما نقضت فرنسا الاتفاق معه الذي يقضي بقبوله لاجئاً سياسياً مع افراد عائلته في مقابل إطلاق سراح الأسيرة اللبنانية سهى بشارة. وقبل أيام، غادر لحد اسرائيل مرة اخرى وحاول الوصول الى فرنسا حيث تعيش عائلته لكنه لم يفلح واضطر للقائهم في دولة اخرى، وكان قد اعلن انه سيلتزم الصمت حاليا وعندما تحل مشكلته ويلجأ الى دولة في هذا العالم سيتحدث الكثير وسيكون حديثه مفاجئاً للكثيرين، بل سيحدث الفضائح.
متى؟ وكيف ؟ وفضيحة لمن؟ لا احد يعرف، وكل ما هو معروف اليوم ان الكثيرين ممن اطاعوا لحد في أثناء خدمتهم لاسرائيل، يعيشون اليوم خيبة امل منه، ينتظرون لحظة لقائه. وهو بدوره يبذل كل جهد ليبقى في الخفاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.