هل النجاح صنو السعادة؟ وهل يمكن للنجومية في الفن أو في غير الفن أن تضمن لصاحبها سعادة مثلى وعيشاً هنيئاً؟ كثيرون قد يجيبون عن هذين السؤالين بالايجاب. غير أن حكايات بعض "أسعد" نجمات هوليوود كفيلة بأن تكذب هذا كله. عرضنا حكاية ناتالي وود التي كان الناس يعتقدونها أسعد البشر، ورأينا كيف أن حياتها كانت تعاسة قصوى انتهت بها جثة هامدة فوق سطح الماء. وهنا حكاية فاتنة اخرى من الفاتنات اللواتي تربعن على عرش هوليوود: ريتا هايوارث بشعرها الأحمر وسيرتها التي كانت تروى وأفلامها االناجحة وزيجاتها الشهيرة كانت مثالاً للسعادة، غير أن موتها وحيدة بمرض أفقدها ذاكرتها كشف، كم أن ذلك كله لم يكن أكثر من وهم: من أسمها ذي الرنة الانكلوساكسونية الى شعرها الى أفلامها، وصولاً الى ارتباط اسمها بملك غير متوج من ملوك الفكر في هوليوود: اورسون ويلز، وبأمير حقيقي هو علي خان الذي سيفضل عليها عارضة ازياء ذات يوم. عندما نشرت في العام 1987صور ريتا هايوارث في أيامها الأخيرة قبل أن يقضي عليها مرض الزهايمر الرهيب، لم يصدق الناس: هل هذه المرأة العجوز هي ريتا هايوارث، تلك الساحرة التي عشقها الملايين عبر الشاشة، وأغرم بها عشرات الرجال في الحياة العامة؟ هل هي نفسها تلك الحسناء ذات الشعر الأحمر التي ألهبت المخيلات في "جيلدا" وأضنت الأكف تصفيقاً في "الملائكة وحدها لها أجنحة"، وصارت نجمة المثقفين المفضلة ذات يوم حين أعطاها اورسون ويلز الدور الرئيسي في حياته كما في فيلمه "سيدة من شانغهاي"؟ كان الفارق كبيراً لا يكاد يصدق، وكان السؤال الأول الذي طرح في الأذهان هو: كيف يمكن للزمن، أو للمرض، أن يحول تلك التي كان كثيرون يرون أنها أكثر نساء القرن العشرين فتنة، الى بقايا امرأة عجوز تحتضر وحيدة، وسط الزجاجات الفارغة عاجزة حتى عن استعادة ذكرياتها، بسبب نوعية المرض الذي أصابها؟ يومها، إذ عجزت ريتا هايوارث عن استعادة الذكريات آخر أيامها، تولى هذه الاستعادة، عنها، الكثيرون وراحوا يتذكرون سنوات طويلة تربعت خلالها تلك الفاتنة على عرش هوليوود وعلى القلوب. وكانت رمزاً للجمال والحيوية، حتى وإن كان من الصعب القول انها كانت رمزاً للسعادة. إذ ان الواقع يقول لنا ان ريتا هايوارث لم تكن أبداً سعيدة، على رغم غرامياتها الكثيرة وأفلامها الناجحة وزواجها من بعض كبار هذا العالم وعلى رأسهم أورسون ويلز وعلي خان، الذي انجبت منه ابنتها ياسمين. ومن هنا، راح متابعو أخبارها يتذكرون، حين وصلهم نبأ مرضها وموتها، كيف أن نهايتها كانت قبل ذلك بكثير. وتذكر صحافي في مجلة فنية شعبية اميركية كيف انه حين اتصل بها أواخر سنوات السبعين ليزف اليها نبأ عودة الاهتمام بها وبأفلامها في بلدان نائية من هولندا واستراليا واليابان، فوجئ بها تصمت قليلاً عبر سماعة الهاتف، ثم تقول بصوت لا مبال تماماً: "كل هذا لا يهمني". ذلك أن ريتا هايوارث كانت تعتبر نفسها امرأة منتهية، منذ طلقت علي خان، الذي كان ثاني أكبر حب في حياتها بعد أورسون ويلز، كما تعتبر نفسها نجمة منتهية، منذ حلت صور مارلين مونرو محل صورها على خزائن الجنود وفي دفاتر طلاب الجامعات. وهي على أية حال قالت هذا بنفسها في واحد من آخر الأحاديث الصحافية التي أدلت بها، إذ قالت: "ذات يوم وجدت انه يصعب علي ان استعيد مكانتي وان ابرهن على قيمتي كممثلة ونجمة، وذلك بكل بساطة لأن هوليوود كانت قد عرفت نجمة اغراء جديدة، شقراء حقيقية بدت نازلة من الفردوس مباشرة. انها مارلين مونرو التي حلت مكان جيلدا في مخيلات الناس وعلى واجهات المخازن. منذ تلك اللحظة راحت رسائل الاعجاب التي كانت تنهال عليّ قبلاً، تنهال عليها. بالنسبة إليّ كانت مارلين تشبه حبة البطاطا لا أكثر. ولكن هو الزمن، حين يتبدل تتبدل الموضة، ولا سيما فيما يتعلق بالمرأة / النجمة وقدرتها على الاثارة". ريتا هايوارث لم تكن تشبه حبة البطاطا على الاطلاق. كانت بالأحرى تشبه المثل الأعلى النسائي بامتياز، واللافت أن حسنها ونضوجها كانا واضحين منذ سنوات صباها الأولى. فتلك الأنثى الرائعة المولودة في بروكلين في العام 1918، لأب اسباني الأصل وأم ايرلندية، بدأت تفتن الذكور باكراً جداً. ولنتركها هي تروي ذلك: "أنا منذ بدايتي كنت نجمة كبيرة ومجنونة كبيرة أيضاً... لكنني لم أتمكن من منع الآخرين من التلاعب فيّ، وذلك بدءاً من والدي الذي كان من فناني الكاباريه. كنت في السادسة حين طفقت أدور معه من كاباريه الى آخر حيث نقدم "نمرتنا" تحت اسم "ادواردو بيبي كانسينو والدلوعة ريتا". في ذلك الحين كنت أتقن أنواع الرقص جميعاً. وكان الرجال يحبونني وكنت أدرك ذلك بالغريزة. أمي كانت ايرلندية واسم عائلتها هاوارث، ومنها أخذت اسمي بعد أن حرفته قليلاً ليصبح هايوارث. كانت أمي سكيرة من الدرجة الأولى، ولم تكن لتشعر بالسعادة إلا حين أذهب أنا وأبي الى العمل، لتبقى وحدها وتشرب من دون هوادة. كنا في ذلك الحين نعيش في عربة مثل الغجر، وكنت أحسد الناس الذين لديهم بيوت واسعة مدفأة. وهكذا ما أن بلغت السابعة عشرة من عمري وأحسست أن في امكاني أن أعتمد على نفسي، حتى تركت البيت وتوجهت الى وسط نيويورك. صحيح انني عرفت الجوع هناك في أيامي الأولى، لكنني سرعان ما تمكنت من الحصول على عمل في بعض الملاهي الصغيرة، هناك كنت أرقص وأغني". طبعاً هذا الجانب من حياتها، لم تكن ريتا هايوارث ترويه خلال المرحلة التي صارت فيها ملء الأسماع والأبصار. لكنها في سنواتها الأخيرة، حين لم تعد تبالي بأي شيء، وحين راح المرض يفتك بها راحت تروي وتروي، وكأنها تخشى أن يستبد بها المرض وتنسى كل شيء. وهو ما حدث بعد ذلك حقاً. ولكن من ذا الذي كان في وسعه أن يصدق ما ترويه ريتا هايوارث وهي تعيش مرارة أيامها الأخيرة؟ بالنسبة الى ملايين المعجبين بها، كانت ريتا، ولا سيما في الأربعينات والخمسيات تمثل رمز النجاح والسعادة المطلقة. ففي السينما لعبت تحت ادارة كبار المخرجين ورأى كثيرون أن ثمة تزاوجاً خلاقاً لديها بين الممثلة والنجمة. وفي الحياة الاجتماعية جاء زواجها اللاحق من علي خان، وقضية رفض الفاتيكان مباركة ذلك الزواج، ليضفي على تلك الفاتنة هالة المرأة الصلبة المتمردة، خصوصاً أن علاقتها بعلي خان جعلتها نجمة كبيرة من نجمات مجتمعات العالم. مهما يكن فإن سيرة ريتا هايوارث الفنية كانت سيرة مثالية لفنانة قديرة عرفت ساعات المجد كما عرفت ساعات الهبوط. وكان مصيرها مشابهاً لمصير معظم بنات جيلها. وهي نفسها لم تكن لتجد غرابة في ذلك المصير، إذ انها في معرض حديثها عن نهاية "غريمتها" الكبرى مارلين مونرو المأسوية لم يفتها أن تقول: "حتى وإن كان من حقي أن أكره مارلين مونرو لأنها أخذت مكاني على عرش هوليوود، فإنني أتألم لها حين أذكر نهايتها الحزينة. لقد كانت نهاية مثالية تشبه نهايات كل النساء اللواتي يشتهرن بجمال أجسادهن. وحدهن النساء اللواتي يتمتعن بالكثير من الموهبة وبالقليل من الاثارة، من أمثال بيتي دايفز يمكنهن أن يعشن، في فنهن، طويلاً". عرفت ريتا هايوارث، بداية المجد الفني، وكانت في السابعة عشر من عمرها، إذ أنها وصلت هوليوود بعد فترة قضتها في نيويورك، وقيض لها أن تلعب ادواراً صغيرة في بعض الأفلام. وفي العام 1939 حدثت المعجزة: اكتشفت كممثلة جيدة من قبل المخرج هوارد هاوكس الذي اعطاها أول أدوارها الكبرى في فيلم "وحدها الملائكة لها أجنحة". وكان نجاحاً فوري لفت اليها أنظار مسؤولي شركة "كولومبيا" الذين أسرعوا بتحويلها من فاتنة سمراء سوداء الشعر، الى امرأة ذات شعر أحمر ترتدي ثياباً تكشف عن مفاتن، وابتسامة ساخرة تكشف عن قوة في الشخصية. وهي على ذلك النحو ظهرت في فيلم "دم ورمل" لروبن ماموليان 1940 ثم في "الشقراء ذات طعم الفريز" 1941 و"جوني ايفر" 1941 ايضاً. ولم يعد في وسع شيء أو أحد أن يوقفها منذ ذلك الحين، إذ قررت ان النجاح الذي حققته يجب أن يتواصل. وهي إذ تزوجت منتجاً هوليوودياً ثرياً يدعى ادوارد جادسون، تعاملت معه كمدير أعمال أكثر منه زوجاً. وهو رد لها الصاع صاعين لاحقاً. إذ انه خلال زواجهما ساعدها على تبديلات في شخصيتها وكان هو دافعها الى تغيير اسمها. وحين أرادت أن تطلقه في العام 1941 طالبها بتعويض قدره 30 ألف دولار، حصل عليه بالفعل! في العام 1946، وبعد أفلام راقصة مع فرد آستير وجين كيلي، أكدت مكانتها كنجمة من طراز رفيع، كانت انطلاقتها الثانية الكبرى في "جيلدا" الفيلم الاسطوري الذي لا يزال حتى يومنا هذا يثير مخيلة المتفرجين ويعطي هوليوود تلك المرحلة دروع النبالة. وإثر ذلك كان لقاؤها مع أورسون ويلز، وهي نفسها روت ظروف ذلك اللقاء وما ترتب عليه قائلة: "بعد فترة دخل فيها فيكتور ماتيور حياتي، اضطر فيكتور الى التوجه نحو الجندية وشعرت بفراغ كبير. هنا في ذلك الوقت بالذات تلقيت مكالمة هاتفية من أورسون ويلز الذي عرض علي دوراً أساسياً في فيلم جديد له. ما أن وضعت سماعة الهاتف، حتى صرخت من أعماقي: يا للسماء! انه العبقري الذي تتحدث عنه اميركا كلها، منذ صدمها بمسلسل أهل المريخ الاذاعي في العام 1938، ثم صدمها مرة أخرى بفيلم "المواطن كين". قبل ذلك لم أكن قد مثلت سوى في أفلام متوسطة او متواضعة، من ناحية مضمونها على الأقل. لكنها كانت افلاماً ناجحة جاورت فيها كبار الكبار في هوليوود، من غلين فورد الى جيمس كاغني الى تايرون بادر وفرد آستير. إذاً، حين اتصل بي أورسون ويلز كنت على أتم استعداد للقبول بالعمل معه. وعلى الفور قلت له نعم وتواعدنا على اللقاء. وهو دعاني الى الغداء ثم أخذني الى الاستديو الذي يعمل فيه وراح يقدمني الى الموجودين جميعاً بوصفي صديقة قديمة له. ولاحقاً تنبهت الى أن كل الذين التقيت بهم في تلك اللحظة وأنا في صحبته، كانوا ينظرون اليّ نظرة غريبة. وأدركت ان تلك كانت طريقة أورسون في الغزل. في الأحوال كافة كنت شديدة السعادة. ومنذ تلك اللحظة صرنا نرى بعضنا بشكل يومي ثم تزوجنا وتحدثت الصحافة عن زواجنا على أنه "عرس العصر"...". ولكن لماذا انتهى ذلك الزواج السعيد بالطلاق؟ .. ببساطة، قالت ريتا، لأن اورسون ويلز كان من الذكاء والعبقرية بحيث أن أذكى الأذكياء كانوا يبدون بالمقارنة معه حمقى. وأنا لم تكن لدي في ذلك الحين أية بضاعة ثقافية، بينما كان اصدقاؤه هو، الذين علينا أن نلتقي بهم يومياً، من الكتّاب والصحافيين والفنانين الكبار. وكانوا يتحدثون عن أمور لا أفقه عنها شيئاً. لقد حاول أن يساعدني واقترح علي أن أقرأ كتباً، لكنه في النهاية كان يفقد صبره. في البداية اعتقدت ان ذلك التفاوت سوف ينتهي مع ولادة ابنتنا ريبيكا، التي أعطت اورسون طعم السعادة". غير ان تلك السعادة لم تكن من نصيب ريتا حتى وإن كان أورسون قد حاول دائماً أن يسوي الأمور. وانتهى الأمر الى الطلاق، ولا سيما بعد "الكارثة" المادية التي أسفر عنها عرض فيلم "امرأة من شانغهاي" الذي مثلته تحت ادارته، والذي حين بدأ يعتبر واحداً من كلاسيكيات السينما كان الأوان قد فات. لقد ظلت ريتا هايوارث تحتفظ لأورسون ويلز بمكانة كبيرة في قلبها حتى أيامها الأخيرة، لكن هذا لم يمنعها من أن تقول انه اذا كان رجلاً عظيماً وفناناً كبيراً، فإنه كان زوجاً سيئاً. الزوج الجيد عادت ريتا ووجدته في علي خان، ذلك الرجل الشرقي الفاتن الذي كان واحداً من كبار نجوم مجتمع العالم في ذلك الحين، والذي سيعطيها السعادة التي لم يتمكن اورسون ويلز من توفيرها لها. ولكن، أيضاً، بشكل موقت: "منذ البداية، أحسست بانجذاب كبير نحو علي خان الذي التقيت به مصادفة في احدى الحفلات في الكوت دازور. في ذلك الحين كان علي خان حلم كل نساء العالم. وكنت قد توجهت الى الجنوب الفرنسي بعد نجاح جيلدا وفشل زواجي من اورسون ويلز. وهناك، في وحدتي وأيضاً في اقبالي على الحياة، بدا لي علي خان عاشقاً مثالياً: كان فاتناً من الناحية الشكلية، عميقاً من الناحية الانسانية وثرياً جداً. وهو اهتم بي منذ تعارفنا وأخذ يمسك بيدي في كل لحظة. وحين كان يمسكها كنت أحس برعشة غريبة، أنا التي كنت قرأت "ألف ليلة وليلة" في صباي وحلمت دائماً بأمير شرقي ساحر أعيش معه حكاية خرافية. لذلك تجاوبت معه ولم أعد أهتم بعملي الفني، بل ابتعدت عن السينما تماماً: كان لدي رجل أحبه ويحبني وكنت أعيش كالأميرة. وتزوجنا على رغم اعتراض الفاتيكان لزواجي من مسلم وأنا كاثوليكية. وأسفر الزواج عن انجابي ابنتي ياسمين، وهنا مرة أخرى تكرر ما حدث مع أورسون ويلز: أخذ الأب يهتم بالابنة أكثر من اهتمامه بأمها. وهكذا في الوقت الذي كنا فيه، معاً، نمثل رمز العائلة السعيدة، كنت أشعر انني الطرف الأضعف في تلك المعادلة. وحين بدأت أتمرد على واقعي، ولو بشكل مبطن، تذكر علي خان ان من حقه أن يحب ويتزوج نساء أخريات. وكان من بينهن عارضة ازياء شابة خلبت لبه، فراح يظهر معها علناً ويطارحها الغرام فيما انا منهمكة في تربية ابنتنا. وادركت انني قد خسرت مرة أخرى. ولم يعد امامي إلا أن أطلب الطلاق. وهو ما حصلت عليه في العام 1953". ولم يعد ثمة ما يحول بينها وبين العودة الى السينما والى هوليوود. وهكذا عادت واتصلت بزوجها القديم جادسون الذي أكد لها أن في امكانها الحصول على ما تشاء من أدوار "غير أن زمن "جيلدا" كان قد ولى وهكذا عدت ولكني عدت أضعف وأكبر في السن وأقل قدرة على إثارة المتفرجين". وكان تلك المرحلة، بالطبع، مرحلة ظهور مارلين مونرو. في ذلك الحين كانت ريتا تقترب من الاربعين من عمرها. ومن هنا نراها تقول ان أزمتها كممثلة تواكبت لديها مع ازمة التقدم في السن كامرأة. "كنت مثل انسان أغلق الأبواب على نفسه من الخارج، فيما كان العيد في الخارج يضرب أطنابه". وفي ذلك الحين تزوجت ديك هايمز، لأنه كان مغنياً ناجحاً وشهيراً. وكنت أنا في حاجة الى رجل أعيش بر أمانه ويطمئنني. ومن جديد أدركت لاحقاً انني كنت مخطئة. فديك سرعان ما تبدى شرساً عنيفاً. ورحنا نتشاجر بشكل يومي" وكان من الطبيعي أن ينتهي الأمر، مرة أخرى، بالطلاق. تماماً كما حدث بالنسبة الى زواجها اللاحق من المنتج جيمس هيل، الذي فشلت معه أيضاً في تحقيق حلمها الدفين القديم: حلم أن تكوّن عائلة حقيقية دافئة تكون هي، جزءاً منها "لقد كان هذا مشكلتي الحقيقية الدائمة. كان طموحي الوحيد منذ البداية أن أكوّن عائلة. فأنا منذ طفولتي لم أعش في كنف والدين حقيقيين عاديين أو في منزل أشعر ا نه مأواي الحقيقي. أنا منذ طفولتي أحلم بحياة عادية، منظمة ومطمئنة. حلمت دائماً برجل أضع رأسي على كتفه، وحلمت بأن أكوّن حياة حقيقية. لكنني تنقلت طوال حياتي من غلطة الى أخرى. وحتى حين أنجبت أطفالي لم أتمكن أبداً من أن أربيهم كما كنت أتمنى أن أفعل. فهل الخطأ خطأ الآخرين؟". تطرح ريتا هايوارث هذا السؤال بمرارة ثم تجيب: "بل كان خطأي أنا. فأنا حملت دائماً في أعماقي جرثومة العجز عن أن أحيا حياة طبيعية. من هنا كانت حياتي كلها غلطة متواصلة قد يكون من الصعب اعتبار أي شخص غيري مسؤولاً عنها".كان هذا ما قالته ريتا هايوارث في أيامها الأخيرة، حين غابت عنها شمس الشهرة نهائياً وركنت وحيدة تجتر ذكرياتها وتحسب ماضيها في حساب الأرباح والخسائر. ولكن ما الذي كان بقي منها كفنانة منذ ذلك الحين؟ لا شيء يذكر. فماضيها المجيد كان أضحى وراءها. وهي لئن كانت قد ظهرت في بعض الأفلام، فإن ظهورها لم يلفت نظر الكثيرين، ولا سيما في أفلام الخمسينات التي حملت تواقيع جورج سيدني "الصهباء والشقراء" أو روبرت روسن "لقد أتوا الى كوردورا" أو جورج مارشال "اللصوص السعداء" أو غير ذلك