دخلت كيم نوفاك تاريخ السينما العالمية منذ نهاية خمسينات القرن العشرين، بفضل فيلم «فرتيغو» (دوامة) الذي أخرجه عملاق أفلام الإثارة ألفريد هيتشكوك، وتقاسمت بطولته مع جيمس ستيوارت. ويعتبر مؤرخو الفن السابع ان هذا العمل هو من أهم أفلام هوليوود، بل ربما أبرز الأفلام من دون تمييز في الجنسية أو في اللون السينمائي. وظهرت نوفاك ذات الجاذبية الطاغية، في ما بعد، في أفلام عدة سمحت لها بالحفاظ على مكانتها كنجمة مرموقة، مثل «غرباء عندما نلتقي» و «الجرس والكتاب والشمعة» و «قبّلني أيها الغبي» و «عبودية الجنس البشري» و «صاحبة البيت الشهيرة»... وغيرها من الأعمال التي شاركها بطولتها أكبر نجوم هوليوود، إلى أن اعتزلت الفن مطلع تسعينات القرن الفائت، لكن لتظل أسطورة سينمائية حية. جاءت نوفاك، وعمرها الآن 80 سنة، إلى فرنسا لحضور التكريم الذي خصصه لها مهرجان «كان» الأخير، فالتقتها «الحياة» وحاورتها: أنت معروفة برغبتك في العزلة، فهل كان من السهل عليك القدوم إلى مهرجان «كان» في هذا العام، وبالتالي حضور التكريم الذي خصص لك ولفيلم «فرتيغو»؟ - لا، فقد ترددت كثيراً قبل أن أوافق على السفر من الولاياتالمتحدة إلى فرنسا، خصوصاً أنني مثلما ذكرت أنت، أحب عزلتي الفنية وصرت لا أميل إلى الدخول في اللعبة الإعلامية ولا أُدلي بأحاديث ولا أخضع لجلسات تصوير لمصلحة المجلات والصحف والوكالات المتخصصة. لكنني لم أستطع في النهاية الرفض الكلي في شأن الدعوة الموجهة إليّ من إدارة مهرجان «كان»، وأعطيت رأيي الإيجابي لسبب واحد أساسي يخصّني مباشرة، لكنه يمس الراحل ألفريد هيتشكوك وفيلمه «فرتيغو» الذي أطلقني في سماء هوليوود والعالم. لقد شعرت بواجب تجاه هيتشكوك، وبالتالي تجاهلت موضوع العزلة لأيام قليلة وسافرت. حدّثينا عن علاقتك بألفريد هيتشكوك أثناء تصوير فيلم «فرتيغو»، إذ من المعروف عن أستاذ أفلام الإثارة أنه كان يهوى تعذيب الممثلات نفسياً وعقلياً؟ - لن أدعي أنه كان ألطف الرجال، وإلا لكذبت عليك. لكنني من ناحية ثانية لن أقول إنني شخصياً إمرأة سلسة وسهلة المزاج، فقد عذبته بمقدار ما عذبني، بمعنى أنني كنت أفرض عليه رؤيتي للسيناريو وللشخصية التي كنت أؤديها في الفيلم، ولم يكن هيتشكوك يحب تصرفاتي هذه بالمرة، لأنه كان معتاداً ممارسة السيطرة الكاملة والديكتاتورية على أفلامه، خصوصاً ممثلاته. فكم شكت الراحلة غريس كيلي (أميرة موناكو في ما بعد) منه ومن معاملته لها، وكيف انهارت تيبي هيدرين عصبياً أثناء تصوير فيلم «الطيور». أنا صمدت بفضل قوة شخصيتي، لكن أيضاً لسبب آخر خفي أبوح به في شكل استثنائي الآن، لأن الأعوام مرت وصرت لا أبالي بالقيل والقال، ألا وهو قدراتي المحدودة كممثلة والتي جعلتني أمثل الدور على طريقتي وليس مثلما كان يأمرني هيتشكوك بتمثيله، وهو ما كان يصعب عليّ فعله. هل تعنين أنك ممثلة رديئة؟ - لم أستخدم هذا اللفظ، وما أقوله هو أنني ممثلة محدودة الموهبة. لكنك رُشحت مرات عدة للفوز بجائزة أفضل ممثلة؟ - أنا فعلت أكثر من ذلك، بما أنني فزت بهذا اللقب ذات مرة، وأنا جيدة بالفعل إذا تم استخدامي في إطار محدد ولأداء شخصيات معينة. لكنني لست قادرة على إنجاز كل شيء من دراما وكوميديا ومغامرات وعواطف ملتهبة مثل عمالقة التمثيل. خلافة مارلين مونرو قيل عنك إنك مارلين مونرو الجديدة في وقت من الأوقات، لكن يبدو أن الحكاية لم تدم. لماذا؟ - لقد تأثرت إلى درجة كبيرة جداً برحيل مارلين مونرو، وابتعدت عن هوليوود إثر وقوع تلك الحادثة المروعة، وبالتالي لم أترك مسألة قيامي بتولي خلافتها، مثلما قيل وكتب في ذلك الحين، تؤثر فيّ وتدفعني إلى إعارتها أدنى جدية، وفضلت الاعتزال إلى أن هدأت الأمور ونسي العالم السينمائي فكرة مارلين مونرو الجديدة هذه. لماذا؟ علماً أن جاذبيتك الطاغية أدارت الرؤوس وجعلتك محط أنظار الجماهير في العالم؟ - لأنني مثلما قلت تواً تأثرت بنهاية مارلين مونرو التعيسة ولم أرغب في الحلول مكانها أو تولي خلافتها في أي شكل من الأشكال. كيف كان تصرفك مع الرجال في ذلك الحين؟ - أعجز عن الدخول في تفاصيل مثل هذا الموضوع، فأنت تقول إنني كنت موضع اهتمام الرجال، لكن دعني أقول لك إن هذا اللفظ ضعيف بالمقارنة مع ما كان يحدث فعلاً. من الطبيعي أن تتلقى أي إمرأة تتميز بشيء من الجمال بعض العروض من الرجال، لكن الأمر إذا حدث في هوليوود وإذا كانت صاحبة الشأن ممثلة معروفة بكونها فاتنة فلا يمكنك أن تتخيل الجنون الذي تحاط به هذه المرأة بالتحديد. وأنا إذا فعلت كل ما كان بوسعي حتى أتفادى التحول إلى مارلين مونرو ثانية، فالحكاية ليست غريبة عن الإلحاح الذي كنت أواجهه من الرجال والذي دفع بي إلى الاقتناع بأنني لو كنت قد وقعت في فخ خلافة مارلين مونرو لكنت فقدت رشدي كلياً وفي وقت قصير جداً، على رغم قوة شخصيتي وصلابتي العقلية والعصبية. والجمهور يعتقد بأن الجاذبية نعمة، وهي قد تكون كذلك بالفعل في حالات ما، لكنها في هوليوود، وعلى الأقل في الزمن الذي عاصرته أنا، كانت لعنة أكثر من أي شيء آخر. كيف تمضين الوقت في عزلتك؟ - أسكن في مزرعة ضخمة مع زوجي الطبيب المتقاعد، نربي الخيل وحيوانات أخرى ونهتم بأمور هذه المزرعة على كل الصعد. ألا تفتقدين السينما؟ - نعم إنني أفتقدها، وكم من مرة شعرت برغبة في معاودة التمثيل وكدت أن أبذل الجهود من أجل الحصول على دور في فيلم هنا أو هناك، إلا أنني عدلت دوماً عن قراري في اللحظة الأخيرة. وهل فتح تكريمك في مهرجان «كان» شهيتك على الانغماس في بحر شعبيتك التي لا تزال في أوجّها مهما طال اعتزالك؟ - وجودي في المهرجان أثبت لي بالفعل أنني لا أزال في عقول محبي السينماً. لكن الانغماس من جديد في متاهات الشعبية وعلى المدى الطويل، قد لا يعجبني أو يناسب مزاجي وطباعي.