وزير الحرس الوطني يحضر عرضاً عسكرياً لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الوطني الكورية    وزير الحرس الوطني يصل جمهورية كوريا في زيارة رسمية    ترمب يتحدث عن وجود تزوير في فيلادلفيا.. والمدعي العام ينفي    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    «المالية»: 309 مليارات ريال إيرادات ميزانية الربع الثالث.. و«غير النفطية» تصعد 6 %    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    ازدهار متجدد    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    همسات في آذان بعض الأزواج    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    كلمات تُعيد الروح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتهى عصر النجوم وابتدأ عصر سيندي كروفورد وكلوديا شيفر ... شغلن العالم
نشر في الحياة يوم 25 - 12 - 1995

كان القرن العشرون قرن السينما والسيارة والقنبلة الذرية كما كان ايضاً قرن المرأة، التي خرجت اخيراً من عباءة الرجل وفرضت حضورها في كافة المجالات، كسياسية وكاتبة وموظفة ومتشردة وعاملة وربة بيت و... كل ما يمكن ان يخطر في البال. ومع هذا فإنها ظلت بشكل أو بآخر حلم الرجل ومجال تحقيقه لأقصى درجات انسانيته. وإذا قلنا حلماً نقول: سينما. ففي السينما وعبرها، عبر نجماتها الكبيرات من تيدا بارا الى بريجيت باردو ومن لويز بروكس الى مارلين مونرو تعلم الرجل كيف يحلم ويحب وكيف يكون انساناً حقاً. وهكذا عرفت الشاشة الفضية عشرات الوجوه والاجساد التي ملأت زماننا واتسمت دائماً بأكثر سمات الاسطورة غرابة. غير ان هذا كله تبدل بشكل جذري في السنوات الاخيرة: مات عصر النجوم وافتتح عصر الاحلام، وانزاحت الرغبات، فإذا بكلوديا شيفر تحل مكان افا غاردنر، وسيدني كروفورد تحل مكان مارلين مونرو، في وقت ترث الأميرة ديانا كل النجوم السابقين، من ممثلات سينما وكاتبات وعارضات ازياء. وما الصفحات الآتية سوى حكاية تلك الرحلة الطويلة التي قطعتها المرأة / النجمة في أحلام الرجال طوال القرن العشرين.
كان القرن العشرون قرن السينما والسيارة والقنبلة الذرية كما كان ايضاً قرن المرأة، التي خرجت اخيراً من عباءة الرجل وفرضت حضورها في كافة المجالات، كسياسية وكاتبة وموظفة ومتشردة وعاملة وربة بيت و... كل ما يمكن ان يخطر في البال. ومع هذا فإنها ظلت بشكل أو بآخر حلم الرجل ومجال تحقيقه لأقصى درجات انسانيته. واذا قلنا حلماً نقول: سينما. ففي السينما وعبرها، عبر نجماتها الكبيرات من تيدا بارا الى بريجيت باردو ومن لويز بروكس الى مارلين مونرو تعلم الرجل كيف يحلم ويحب وكيف يكون انساناً حقاً. وهكذا عرفت الشاشة الفضية عشرات الوجوه والاجساد التي ملأت زماننا واتسمت دائماً بأكثر سمات الاسطورة غرابة. غير ان هذا كله تبدل بشكل جذري في السنوات الاخيرة: مات عصر النجوم وافتتح عصر الاحلام، وانزاحت الرغبات، فإذا بكلوديا شيفر تحل مكان آفا غادنر، وسيدني كروفورد تحل مكان مارلين مونرو، في وقت ترث الاميرة ديانا كل النجوم السابقين، من ممثلات سينما وكاتبات وعارضات ازياء. وما الصفحات الآتية سوى حكاية تلك الرحلة الطويلة التي قطعتها المرأة / النجمة في أحلام الرجال طوال القرن العشرين.
بدأ كل شيء حين كفت تيودورا عن ان تكون ابنة لصناعي آتية من ولاية اوهايو الاميركية، لتصبح ابنة لرسام فرنسي وسيدة مصرية غامضة. وبما ان عوالم الشرق العربية الساحرة كانت على الموضة في ذلك الحين، تحول اسم تيودورا ليصبح تيدا بارا Theda Bara، وحين كانت تيدا تسأل عن معنى اسمها كانت تبتسم بسحر وغموض وتقول: "انه تنويع على كلمتين لهما الحروف نفسها: Arab Death والكلمتان تعنيان بالطبع "الموت العربي" وتيدا اعتبرت يومها قاتلة للرجال، ذات أصل عربي... وبدأت بهذا الاسطورة كلها.
الاسطورة هي اسطورة فاتنات السينما، تلك الاساطير البشرية التي ملأت القرن العشرين كله، ورافقت الفن السابع منذ اول افلامه الروائية. ترى هل يمكن لأحد ان يتصور ما كان يمكن ان يكون عليه فن السينما لولا عشرات الساحرات الفاتنات، المخلوقات الاسطورية، النجمات اللواتي حققن في الحاضر المباشر ما كان الشاعر لوي آراغون يقصده بقوله: "المرأة مستقبل الرجل"؟
تماهٍ في عتمة الصالات
الحال ان جزءاً كبيراً من لعبة السينما قام على ذلك التماهي الذي نما على الشاشة، او بين الشاشة ومقاعد المتفرجين في الصالات المظلمة. فمنذ اللحظة التي أتاح العرض السينمائي للمتفرجين، وهم وحيدون حالمون وسط عتمة الصالة، ان يتماهوا مع الابطال النجوم، ليعيشوا مع البطلات النجمات ملايين حكايات الغرام، حدث انقلاب جذري في حياة الرجال، وفي العلاقات الاجتماعية وفي الدور الذي يلعبه الفن في حياة الناس. ففي عتمة الصالة، حين يكون المتفرج ذائباً حتى النخاع في ما يحدث أمام عينيه الظمأتين على الشاشة وهو في وحدته المطلقة، قامت تلك الحياة الثانية التي ارتسمت في أفق حياة المتفرج، وصار ممكناً ثم ضرورياً ذلك الحضور "لآلهات الاولمب الجديدة"، من تيدا بارا الى مادونا، ومن باولا نيغري الى ناتالي وود، ومن مارلين ديتريش وغريتا غاربو الى كيم نوفاك ومارلين مونرو وبريجيت باردو...
غير أن الأمور ما كان لها ان تستقيم على ذلك النحو، لولا اللعبة الاساسية الاخرى التي جرت خارج الشاشة. فالنجمة، إذ كانت "صناعتها" تنطلق من الادوار التي تلعبها، وهي دائماً بالنسبة الى النجمات ادوار تأتي متلاحقة متراكمة متشابهة لكيلا يحدث أي انقلاب مفاجئ في علاقتها المرسومة مع جمهورها، فإن الصناعة لم تكن لتكتمل إلا هناك خارج الشاشة، عبر الحكايات الاسطورية او الحقيقية المضخمة التي ترسم من حول حياة الفاتنات وجذورهن وآلامهن وعلاقاتهن الغرامية. وكانت الصحافة، خاصة، ونوادي المعجبين هي الأمكنة المفضلة لنسج تلك الروايات. ولكن لئن كانت الحكايات تظهر في البداية مفبركة ترسم للنجمة صورة تستكمل صورتها على الشاشة، فإنه لم يكن من النادر ان تقع النجمة في فخ اللعبة وتصبح حياتها الواقعة شبيهة بالحياة الوهمية التي رسمت لها، فتغوص في اسطورتها المخلوقة وينتهي بها الأمر لأن تكون ضحيتها، حدث هذا لجين هارلو، ولجين تيرني، وحدث، خصوصاً، لمارلين مونرو التي شربت اسطورتها حتى الثمالة، فكانت في ذلك مضرب المثل والصورة المجسدة للعبة الهبوط الى الجحيم.
نجوم ذكور ولكن...
اليوم، بعد خمسة وثلاثين عاماً على انتحارها، لا تزال مارلين مونرو تفتن ملايين المعجبين وتعيش في أحلامهم، ولا تزال نهايتها تعتبر أشبه بنهاية لنمط معين من عصر النجوم. صحيح ان موتها لم يعن موت النجوم ككل، وانه لا زال ثمة حتى اليوم، في زمن التلفزة والكومبيوتر والواقعية المخيفة، نساء يشغلن احلام الرجال ولياليهم، من نجمات السينما او نجمات الازياء. ولكن رحيل مارلين مونرو عكس رحيل عصر بكامله وعالم بأسره.
كانت مارلين مونرو وستظل الاشهر بين نجمات القرن العشرين، لكنها لم تكن الوحيدة بأي حال من الاحوال. فمنذ تيدا بارا، صارت صناعة النجمات صناعة رائجة حيث اكتشف صانعو الاساطير من منتجين ومخرجين ورجال اعلام، ان صناعة النجمة / الاسطورة هي الطريق الافضل لغزو قلوب المتفرجين من الرجال. ولكن من النساء ايضاً، حتى وان كان من المعروف ان السينما في الوقت الذي كانت لها نجماتها من الاناث، كان لها ايضاً نجوم من الذكور، ولكن كان من النادر لنجم ذكر ان يتحول الى اسطورة والى معبود من لحم ودم، ولئن أتى مقتل جيمس دين ليؤسطره، فإنه لم يتمكن من تحويله الى حلم نسائي حقيقي، لقد أُدرجت اسطورته بالأحرى ليصبح رمزاً لجيل متمرد اكثر مما صار رمزاً للذكر المعبود.
اذن، كانت النجمات في الدرجة الاولى إناثاً، وكانت الاولى تيدا بارا، التي ظهرت اول افلامها وأول تجليات اسطورتها عند عشرينات هذا القرن، أي منذ اللحظة التي راحت فيها السينما تتخذ شكلها الكوزموبوليتاني وتبدأ فعلها في حياة البشر وأحلامهم وتخلق لهم ما يطلق عليه علم الاجتماع الجماعي اسم "الطبيعة الثانية". ولكي تصنع اسطورة تيدا بارا كما يجب كان من الضروري لها ان تولد في "حر الصحراء اللاهب" وأن لا تكف عن الالتقاء خلال طفولتها بأشخاص مثيرين للقلق ينمون لديها حبها للموت وقدراتها الاغوائية والالتباس الطاغي على شخصيتها. وعلى ذلك النحو أتى مناخ الغرابة الذي أحاط بأسطورتها ليتواكب مع البعد الجنسي في شخصيتها ومع اغواء الموت الدائم المحيط بها. أتى كل ذلك ليهزم افئدة الرجال من حولها، وكان عليها هي ان تمثل وتمثل في افلام بلا انقطاع لكيلا تغدر بهوى المعجبين او تغيب عنهم طويلاً. وهكذا مثلت خلال خمسة اعوام فقط ادواراً تقول الكثير من كيلوباترا الى غادة الكاميليا ومن كارمن الى أزميرالدا وجولييت.
كيف تولد الأساطير
ومن تيدا بارا الى مادونا كانت الرحلة الطويلة، وعاشت السينما العالمية عقداً بعد عقد على ايقاع سحر النجمات وتأوهات المعجبين امام نجمة تكون تارة "غولة" تأكل الرجال، او فاتنة غامضة تذيبهم في سحرها، او فتاة هادئة تذكرهم بحب المحارم المستحيل. والمعجبون لعبوا اللعبة على الدوام وكانوا يلاحقون حياة وأفلام النجمات، وينظرون الى كل واحدة منهن على انها المرأة المثالية بشكل أو بآخر. وعلى ذلك النحو بفضل التراكم ولعبة التماهي، تمكن ذلك كله من تبديل صورة المرأة التي كانت سائدة في القرون السابقة، وخلق صورة جديدة اكثر تعددية وسحراً، صورة هي في نهاية الأمر وبشكل من الاشكال صورة القرن العشرين نفسه.
وهذا القرن راح يتخذ على التوالي صورة بولا نيغري او غلوريا موانسون، نورما شيرر او ماريون دايغيز، عند بدايات كانت كما سيتبين في ما بعد تعيش على وقع انتظار اسطورة جديدة، وهذه الاسطورة وصلت في العشرينات، مع موريس سيتلر الآتي لتوه من السويد الى هوليوود، وكان اسمها غريتا غاربو. وغريتا غاربو كانت في نهاية الامر ابتسامة غامضة ونظرة تخترق المتفرج حتى أعمق اعماقه، كانت المرأة الآتية من الصقيع - بالتناقض مع تيدا بارا - التي تشكل الحلم المستحيل. والحال ان كل الادوار التي مثلتها غاربو في افلامها عكست ذلك الحلم، وهي واصلت حلم اللاوصول الى نهايته، حيث فجأة ومن دون مقدمات، تراها تعتزل في العام 1941 وهي في قمة مجدها وحاجة المتفرجين اليها، ومن دون ان تجد نفسها مضطرة لأن تفسر لأحد ما ستقدم عليه. ومنذ ذلك الحين اختفت غريتا غاربو، تركت عالم السينما الذي كان من الواضح انها لم تحبه أبداً، وراحت تدور وتدور حول العالم، اسطورة حية لامرأة لا يصدق احد انها تشيخ، وانها هي هي صاحبة تلك الصور العابرة التي يتمكن مصدر مغامر من التقاطها لها بنظاراتها السوداء وملامحها الهاربة. وهي حين ماتت قبل أعوام قليلة اكتشف الجميع ان أحداً لم ينسها طوال السنوات الماضية. فغريتا غاربو من طينة مارلين مونرو، من طينة النساء اللواتي لا ينسين أبداً.
إدارة رؤوس الرجال
نجمات من طراز بريجيت هيلم وكلارا بو ولويز بروكس ربما يكن قد أخلدن الى النسيان بعد ان شغلن عالم السينما طويلاً، لكن معاصرتهن الالمانية الاصل مارلين ديتريش لا تزال حية في الذاكرة حتى اليوم بصوتها الصبياني الاجش ونظراتها الماكرة. ديتريش المولودة في برلين والتي ستشتهر لاحقاً باسم "لولا لولا" الذي حملته في اشهر افلامها "الملاك الأزرق" حيث تغني قائلة: "انا لولا لولا... خلقت من أجل الحب، من أعلى رأسي الى أخمص قدمي". كان هذا يكفي لادارة رؤوس الرجال، ولكي تفرض مارلين ديتريش اسلوب سحر جديد يعبق بأنوثة تتفجر وهي مغلفة بملابس الرجال وربما بتصرفاتهم ايضاً، الرجال الذين احبتهم دائماً وأحبوها سواء عملت في أفلام اميركية او فرنسية او المانية.
مقابل ذكورية مارلين ديتريش وعدوانيتها الساحرة كان هناك سكون جين هارلو واستسلامها، جين التي كانت واحدة من أولى ضحايا هوليوود الكبار فهذه النجمة الساحرة التي لم يكد الناس يقعون في هواها حتى قضت وهي في السادسة والعشرين من عمرها، اربكت اميركا كلها بموتها المبكر والفجائي. فهي كانت من السحر واللطف والرومانسية بحيث وجدت مكانها بسرعة في عالم هوليوود. ولهذا كانت جنازتها على حجم حب هوليوود لها، كانت جنازة اشبه بمهرجان حقيقي: طلي وجهها بالاصباغ وسوي شعرها بحيث اتخذت السمات التي عرفت بها على الشاشة، ثم غطي جسدها كله بكفن من الحرير الموسلين زهري اللون، ثم وضعت داخل تابوت مغطى بالقطيفة السوداء. يومها تراكض عشرات ألوف المعجبين يتحلقون في هستيريا جماعية مرعبة من حول الكنيسة التي سجيت فيها فيما راح صوت جانيت ماكدونالد يلعلع عبر مكبرات الصوت بأغنيات حب حزينة.
حزينة كانت كذلك نهاية فيفيان لي، تلك الانكليزية الهادئة، امرأة لورانس أوليفييه التي تقوم اسطورتها على دورها في "ذهب مع الريح" حيث تمكنت من اقناع الاميركيين بقدرتها على لعب دور "سكارليت"، وهو الدور الذي كانت تتنافس عليه كبيرات هوليوود في ذلك الحين. ولكن لئن كانت هارلو انتهت بالموت المبكر، فإن فيفيان لي وقعت ضحية الجنون. فهي تماهت مع سكارليت بحيث لبسها الدور تماماً، وعاشت سنوات طويلة وكأنها سكارليت، حتى اكتشفت يوماً ان سكارليت وهمية وان الحياة اليومية شيء آخر تماماً فكان الجنون الذي سبق نهايتها والذي جعل تنيسي ويليامز يقول عنها "لأنها عرفت الجنون عرفت كذلك دنو الموت منها بشكل دائم".
بروز عقلانية جديدة
انغريد برغمان، وبعدها غريس كيلي ثم صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا، كن من نمط النساء اللواتي لم تفقدهن النجومية صوابهن، لذلك عشن وبقي بعضهن وسط حياة مزدوجة حقاً: حياة على الشاشة لها كل ما لها وعليها كل ما عليها، وحياة حقيقية يومية تقيهن مخاطر الجنون. وهوليوود أحبت السويدية انغريد برغمان لأكثر من سبب، ولكن خاصة لأنها كانت تمتلك موهبة التمثيل الى جانب كثافة عاطفية وشعورية استثنائية. ومن هنا، رغم نجوميتها واسطورة معظم ادوارها، ظلت علاقة الحب والتماهي بينها وبين جمهورها علاقة عقلانية. اما غريس كيلي فربما حكايتها كسندريلا معاصرة - بسبب زواجها من أمير موناكو - اضافة الى ادوارها في أفلام الفريد هتشكوك التي لا تترك للنجومية اي حيز، حيث المخرج وجرائم افلامه، هم النجوم الوحيدون، ربما كان هذا ما اعطاها وأعطى حياتها طابعاً عقلانياً رسم علاقتها، هي الاخرى، بمعجبيها. وهذا الكلام ينطبق على الايطاليتين صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا، لكنه لا ينطبق على جين تيرني، تلك الساحرة التي بدأت حياتها كنجمة بعيدة، ثم راحت تقترب اكثر واكثر من الجمهور. وعن هذا كانت هي نفسها تقول: "طوال مساري الفني، كانوا يحرصون دائماً على اعطائي ادوار الرائدات في الغرب الاميركي، والارستقراطيات والنبيلات العربيات والصينيات..." لماذا؟ "لأنهم كانوا يذكرون لي دائماً ان تصرفي يكشف عن عنف وعن رغبة لدي في تدمير ذاتي". ولربما يفسر هذا محاولاتها العديدة للانتحار، تلك المحاولات التي اذهلت متفرجيها وأربكتهم، هم الذين منذ فيلمها الشهير "لاورا" بدأوا يحبونها بعيوبها ويرون فيها صورة النجم البعيد الذي يتطلب الأمر جهداً للوصول اليه. على أي حال ستبقى جين تيرني في اذهان الرجال وهواة السينما، بوصفها الممثلة الوحيدة التي حدث لفيلم تقوم ببطولته هو "لاورا" ان ظل فيه الناس يتحدثون نصف ساعة عن جمالها قبل ظهورها؟
وما ينطبق على جين تيرني في "لاورا" ينطبق على ريتا هيوارث في "جيلدا" فهو الآخر فيلم اسطوري جاء ليتماشى مع اسطورية بطلته. وريتا هيوارث، على اي حال، كانت اسطورة من نوع مختلف وعلى حدة. ريتا هيوارث عكست، ومن دون ان تريد، صورة العاهرة المشتهاة. لذلك كانت على الدوام الاكثر شعبية والاقل ظهوراً كنجمة بعيدة تقف في فضاءات عالية. ولعل هذا يتضح بشكل متكامل حين نسمعها تقول، عن دورها في "جيلدا": "عندما افكر في هذا الفيلم ملياً، ادرك انه ليس فيلماً جيداً، لكن الجمهور جن به. وباتت صورتي بفضله منتشرة في كل مكان: في الشاحنات وعلى الروزنامات وفي المجلات والكتب. وفي بعض البارات صنع الساقون كوكتيلا اطلقوا عليه اسم جيلدا. كان هذياناً كاملاً أشعرني بأنني صرت الشخصية التي امثلها، فيما راح الرجال يقدمون لي حبهم وحياتهم وثرواتهم. كان كل هذا رائعاً لكنني لم استسغ ابداً وضع صورتي ملصوقة على القنبلة النووية التي ألقيت على ناغازاكي...".
تغير العصر وتغير الرجال
بفضل "جيلدا". لكن كذلك بفضل جمالها وشخصيتها الساحرة وصلت ريتا هيوارث الى عرش ظلت تتربع عليه حتى وصلت الفاتنة الأخرى التي ازاحتها عن عرشها، الفاتنة الاخرى كانت مارلين مونرو التي فعلت ما لم تتمكن آفا غاردنر ولا لانا تورنر ولا جنيفر جونز من فعله: حلت محل ريتا هيوارث.
في انتظار وصول مارلين الاسطوري والمدوي، راحت آفا ولانا وجنيفر يزاحمن ريتا حقاً، وصار لكل واحدة منهن معجبوها، وراحت افلامهن تجول في الآفاق وتعزز اكثر واكثر من الحضور الانثوي في السينما، ولكن المشكلة كمنت في أن العصر الذي ظهرت فيه هذه الفاتنات الثلاث كان عصر السينما الاجتماعية والادوار الرجالية مما جعل من غير الممكن للسينما ان تواصل خلق اساطيرها. كان الفيلم أضحى جزءاً عضوياً من حياة الناس الى درجة انعدمت فيه امكانية قيام الأسطورة. وكان مصير نجمات من طراز جين هارلو وتيدا بارا كشف انسانية النجمات. لذلك لئن قامت علاقة حب حقيقية بين المتفرجين وفاتنات من طراز آفا غاردر او لانا تورنر فإن تلك العلاقة لم تتسم ابداً بطابع اسطوري، بل بطابع انساني أتى متماشياً مع النزعة الانسانية التي كانت بدأت تنجم في الخمسينات. وهنا حتى نجمة من طراز اليزابيث تايلور التي ظهرت في تلك الآونة بالذات، لم تتمكن من اعادة المناخ الاسطورة لنجمات اصبحت سيدات جميلات، محبوبات، انيقات، يقمن بأدوار متميزة وحسب.
كان على الاسطورة، لكي ترجع بكل زخمها وقوتها، ان تنتظر حياة وموت مارلين مونرو، التي ستظل واحدة من أروع الاساطير الهوليوودية، بجمالها وغنجها البادي في كافة افلامها، ولكن استمراراً للأسلوب القديم في صناعة النجوم، انما من دون اصطناع هذه المرة، كانت مارلين جميلة مشعة وأنيقة، وكان ما يسحر الناس اكثر، فيها، ذلك التناقض الهائل بين اشعاع ابتسامتها وحزن عينيها. وذلك الحزن كان موروثاً من طفولتها التعيسة، حين ولدت تحت اسم نورما جين بيكر، العام 1926 في لوس انجليس على مسافة قصيرة جداً من هوليوود التي ستتبناها لاحقاً وتجعلها طفلتها المدللة، قبل ان تعود وتنسفها كلياً بعد ذلك. كانت بدايات مارلين مونرو في الحياة عسيرة، كانت طفولتها جحيماً، وهي لكي تهرب من ذلك الجحيم راحت تحلم في مأوى الايتام الذي ترعرعت فيه. والحلم في ذلك الحين وفي ذلك المكان، كان لا يمكنه إلا أن يكون حلماً سينمائياً وهوليوودياً. لكن الاحلام في اميركا تتحقق عادة. وهكذا حين بلغت السادسة عشرة من عمرها وكانت اضحت عاملة في مصنع للسلاح، جاءها الحظ على هيئة مصور سحر بوجهها وجيدها في آن معاً فالتقط لها تلك الصور المصيرية التي سرعان ما انتشرت وتحولت السمراء نورما جين الى شقراء وبدأت تسلك الدرب التي قادها الى شركة فوكس والى ذلك العقد الاول الذي جعل منها ممثلة ثم نجمة مقابل 75 دولاراً في الاسبوع. وفي هوليوود صارت نورما جين، مارلين مونرو وبدأت الاسطورة تتكون، وراحت افلامها تنال نجاحاً بعد نجاح حتى كان العام 1952 وكانت الفضيحة الكبرى: لقد تصورت مارلين عارية لتظهر صورتها على روزنامة. ومنذ ذلك الحين وحتى تحولها الى السيدة آرثر ميلر، ثم انتحارها في العام 1961 وقد أضحت عشيقة للرئيس الاميركي جون كنيدي، قطعت مارلين مونرو تلك الرحلة العجيبة وصارت اجمل وأشهر وأشهى امرأة في العالم. ومن هنا لئن كان عقد الاربعينات عقد انغريد برغمان وريتا هيوارث خاصة، فإن عقد الخمسينات كان عقد مارلين مونرو، المرأة التي صارت حلم كل الرجال، ولم تنافسها في مكانتها تلك سوى فرنسية مغناج هي بريجيت باردو، التي كانت ? على أي حال ? أول المستفيدات بهذا المعنى، من انتحار مارلين.
الفاتنة التي قتلت عصر النجوم
مهما يكن، أتى انتحار مارلين مونرو ليكشف، مرة أخرى، عن خواء الحياة الهوليوودية وقسوتها، في زمن كانت النجومية بدأت تتوزع في شتى الاتجاهات، فمع صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا وبريجيت باردو تبدى واضحاً ان الممثلة لم تعد بحاجة لأن تمر في هوليوود، كما كانت تفعل اجنبيات مثل غريتا غاربو ومارلين ديتريتش ولويز بروكس، للوصول الى النجومية العالمية، ثم مع غريس كيلي وانتقالها من امارة القلوب الى امارة موناكو، بدا واضحاً ان النجمات يمكنهن ان يكن شيئاً آخر غير نجمات السينما. وكان ذلك هو الزمان الذي راحت تظهر فيه نجمات من نوع آخر، أميرات وملكات مثل ثريا الايرانية ومغنيات اوبرا مثل ماريا كالاس، سيدات مجتمع مثل جاكلين كنيدي، ثم خاصة عارضات ازياء مثل تويغي وبتينا التي نافست ريتا هيوارث على قلب الآغا خان، علي خان...
وفي ذلك الانتقال كان موت مارلين مونرو ووجود بريجيت باردو حاسمين، فالأولى بموتها قتلت عصر النجوم جسدياً، اما الثانية فبسبب رداءة تمثيلها وعدم جدية معظم الافلام التي مثلت فيها، تبدت على الدوام فتاة مجتمع اكثر منها فتاة سينما حقيقية. فاذا استثنينا ادوارها في افلام مثل"... وخلق الله المرأة" حيث كانت مجرد جسد على اي حال وفي "حياة خاصة" ثم في "الاحتقار" لجان لوك غودار، سنجد ان فيلموغرافيا بريجيت باردو لا تبرر المكانة التي احتلتها، تلك التي عاشت جمالها عقدين من السنوات شغلت خلالهما قلوب وعقول الرجال في كافة انحاء العالم، يبرر مكانتها فقط جمالها وسحرها وجسدها النادر وابتسامتها البلهاء في فتنتها. كل هذا جعلها سيدة جمال ومجتمع، وجعلها الوالدة الشرعية لسلسلة النجمات اللواتي أتين من بعدها، ولكن من آفاق وعوالم أخرى. فتماماً كما ان نجومية ثريا وجاكلين كنيدي كانت هي التي مهدت لظهور نجومية الاميرة ديانا، كانت نجومية بريجيت باردو هي التي مهدت، على الاقل لظهور نجمتين هما الآن الاشهر بين نجوم الارض قاطبة، سيندي كروفورد وكلوديا شيفر.
فإذا كانت اللعبة تحولت مع بريجيت باردو، كما مع اورسولا اندرس وراكيل والش، الى لعبة شكلية، لعبة اجساد وحسب، فإن النجمات اللواتي يقوم كل عملهن ومسارهن على جمال اجسادهن يجدن في ذلك الواقع ثغرة يدخلن منها ويقلبن معادلات النجومية كلياً.
الرغبة في الجسد وحده
هذا الواقع تواكب مع تبدل المكانة التي تلعبها السينما في حياة الناس وكذلك مع تبدل المعايير الاخلاقية واضمحلال العنصر الرومانسي من حياة البشر الى حد كبير. ففي الماضي كانت الرومانسية والغرائبية المضفاة على حياة النجمات، تشكل السحر الحقيقي الذي يجذب المعجبين اليهن. كانت تيدا بارا أو بولا نيغري او مارلين ديتريتش او مارلين مونرو بحاجة الى اضافة خارج السينما لاضفاء تلك الهالة التي صنعت لهن وصنعت علاقة النجوم بالمتفرجين. ولكن بعد ذلك ساد فن الادوار وصارت السينما اكثر جدية من ان تسمح بمثل تلك العلاقة. وعلى ذلك النحو حدث ذلك التبدل الاساسي، التبدل الذي باتت علامته الاساسية اليوم انزياح الحلم من نجمة السينما الى نجمة الازياء، باعتبارها تمثل، في مجال المقاييس الجسدية والحضور الاجتماعي، أقصى ما يمكن ان تصل اليه أحلام الرجال.
هل هي خطوة الى الامام ام خطوة الى الوراء في تاريخ علاقة الرجال بالمرأة.
من الصعب الاجابة عن هذا السؤال. ولكن في المقابل من السهل جداً ان نلاحظ اليوم انه على رغم وجود سلسلة طويلة وعريضة من نجمات السينما الحقيقيات، من جوليا روبرتس الى ماتيلدا ماي، ومن كيم باسنجر الى بياتريس دال، ومن ميريل ستريب الى ايمانويل بيار وكل الأخريات المشابهات، فإن النجومية الحقيقية هي هناك في عالم الازياء، حيث المقاييس الكاملة والمرأة التي تعطي الانطباع بكونها مجرد جسد خاضع كل الخضوع. وفي زمن التحرر والمساواة بين الجنسين، من الواضح ان الرجل الذي فقد عرش تفرده كذكر، لم يعد راغباً في نجمات يذوب فيهن وفي غرامه الرومانسي بهن، بل الى أجساد تشعره انه المقصود بالتأنق والعري وان كل شيء يصنع من حول المرأة انما يصنع من اجله كسيد مطلق. في مثل هذه الذهنية الجديدة، ذهنية الاستلاب والوهم الجميل، تنتهي كل العوالم التي كانت كلوديا كاردينالي وكانديس برغن وجولي كريستي آخر سيداتها الكبار وتطل على العالم وأحلام الرجال عوالم ليندا ايفانجليستا وكلوديا شيفر وسيندي كروفورد وناومي كامبل. عوالم مختلفة معطرة بارادة الجمال مصنوعة من ألف استلاب واستلاب، عوالم تسلمنا الى مجاهل القرن الحادي والعشرين من دون ان تقول لنا كيف ستكون الطريق المقبلة لأحلامنا الذكورية العذبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.