تتسع رقعة النزاع في الجزر الجنوبية في أرخبيل الفيليبين بسبب تفاقم النشاطات المسلحة للجماعات الإنفصالية والمنظمات المتطرفة. غير أن النزاع هناك ليس وقفاً على الجماعات السياسية، بل إن غالبيته تعزى الى نشاط القراصنة الذين روعوا السفن التي تجوب البحار، وأفزعوا الباحثين عن متعة السياحة بعمليات الإختطاف والمطالبة بفدية لقاء الإفراج عن الرهائن. قراصنة في مطلع القرن 21 كأنهم قادمون من كتب التاريخ. ظل القراصنة ينشرون الرعب في جزر الفيليبين منذ مئات السنوات. غير أنه إنضم إليهم في الآونة الأخيرة عدد من الثوار الذين أضفوا نكهة سياسية ودينية على أهداف العمليات التي يقومون بها، خصوصاً عملية إحتجاز الرهائن الأجانب على يد جماعة أبو سياف المتشددة. وذلك فيما تشهد الجزر الواقعة جنوب الفيليبين تمرداً مسلحاً منذ سنوات عدة بقيادة جبهة مورو للتحرير التي تشن هجماتها في محافظة مينداناو. وإذا كانت عملية إحتجاز الرهائن التي تسعى السلطات الليبية الى وضع حد لها سلطت الضوء على منظمة أبي سياف من دون بقية المنظمات الفيليبينية التي تنشط في تلك الجزر النائية، فإن الحقيقة التي لا يعرفها كثيرون أن النصف الأول من العام الحالي شهد وقوع 161 عملية قرصنة هناك. ويمثل هذا الرقم زيادة في نسبة حوادث القرصنة البحرية في الفيليبين بمعدل 40 في المئة. وتبدو السلطات في مانيلا عاجزة تماماً عن السيطرة على ظاهرة القرصنة المسلحة التي أخذت تفرض نفسها في تلك المنطقة. وفي المقابل فإن دول المنطقة التي تعاني من مضاعفات القرصنة، خصوصاً إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، بدأت تتخذ تدابير مشددة للحيلولة دون إتساع نطاق الظاهرة. وقررت الولاياتالمتحدة والصين - على رغم فتور العلاقات بينهما - القيام بمناورات بحرية مشتركة لمكافحة القرصنة البحرية في أعالي البحار. غير أن المراقبين يقولون إن تلك المساعي تبدو غير ذات جدوى، بسبب إحاطة القراصنة التامة بجزر المنطقة وخلجانها، وبسبب تمكنهم من بناء شبكات رصد وتجسس مقتدرة. وهكذا فإن القراصنة نجحوا في إبقاء علمهم الشهير - تتوسطه جمجمة وعظمتان - يرفرف ناشراً الفزع والخوف في النفوس من دون أن تنجح السلطات في إنزاله. وتشمل العمليات التي يقوم بها قراصنة البحر الفليبينيون إيقاف السفن في عرض البحر وممارسة الإختطاف والنهب المسلح. ويزيد عدد الجزر التي تعتبر مسرحاً للقرصنة على 200 جزيرة. ومن أشهر القراصنة هناك الكوماندو أليكس الذي كان من أبرز قادة جبهة تحرير مورو التي تنادي بمنح جنوب الفيليبين إستقلاله ليحكم المسلمون هناك أنفسهم بأنفسهم. ولا يخشى أليكس سوى عدو واحد هو الكوماندور روبرت بالانون رئيس القوة التي تحمل الرقم 61، وتخصص لها السلطات في مانيلا سبع زوارق سريعة مسلحة للقيام بدوريات في أعالي البحار. وقد زود كل من تلك الزوارق مدفعاً عيار 25 ملم ومدفعين رشاشين. لكن الخبراء العسكريين يقولون إن المدافع والرشاشات ليست كل ما يحتاجه جيش نظامي لمحاربة تلك العصابات التي تجيد الإختباء في أشجار المانغروف التي تنتشر في مياه المنطقة وسواحلها، كما أن القراصنة يستخدمون زوارق بدائية صغيرة مزودة محركات سريعة تتيح لها خفة في الحركة والمناورة، تمكنها من تفادي نيران القوات الحكومية. وكانت منطقة جنوب الفيليبين مسرحاً لثورة مسلحة تقودها جبهة مورو التي تحظى بتعاطف في العالم العربي والإسلامي. غير أنها أضحت محط إهتمام في أعقاب قيام منظمة أبي سياف باختطاف الرهائن، وبينهم اللبنانية ماريا معربس. وفي المقابل فإن هجمات الجماعات الإسلامية أدت الى تطرف مجموعات من السكان ذوي الديانات الأخرى الذين نشطوا في تأسيس مجموعات مسلحة لوضع حد لعدم الإستقرار الذي أضحى سمة ملازمة للجنوبالفلبيني. ويزيد المسألة قتامة إقبال عدد كبير من المدنيين على الإنضمام متطوعين الى تلك المنظمات، وإلى الفرق المشتركة بين الجيش والشرطة، للتصدي للقراصنة والجماعات المسلحة التي يبدو أن هدفها من وراء عمليات إحتجاز الرهائن الحصول على فدية مالية ضخمة. ويعتقد بأن تبادل الأموال من أجل إطلاق الرهائن من شأنه أن يساعد تلك المنظمات المسلحة على تطوير ترسانتها من الأسلحة، وتعزيز قدرات أعضائها من ناحية التدريب والكفاءة. الأمر الذي يعني أن الجزر الجنوبية الواقعة ضمن أرخبيل الفلبين مقبلة على مزيد من عدم الإستقرار وسفك الدماء. ولا يمكن فك الإرتباط بين ما يحدث في تلك الجزر النائية والضعف المستمر الذي تتعرض له الحكومة في مانيلا من جراء ذلك. وربما لهذا قرر الرئيس الفيليبيني جوزيف إيسترادا تكريس قدر أكبر من الموارد العسكرية لتمكين قوات الجيش والشرطة من وضع حد للتمرد والقلاقل التي يشهدها جنوب البلاد. وينعكس ذلك سريعاً على الأداء الإقتصادي ونفور المستثمرين الأجانب. ويرى المهتمون بالشؤون الآسيوية أن تفاقم العنف في الفيليبين يعزى، في جانب كبير منه، إلى سياسات حكومة الرئيس ايسترادا. وعلى رغم الإنتصارات التي تحققها قوات الأمن الحكومية في غاراتها علي معاقل المتمردين والقراصنة، فإن العمليات الإرهابية بدأت تنتقل الى خارج البلاد، خصوصاً إندونيسيا حيث هوجم مقر السفير الفيليبيني في جاكرتا أخيراً. وعلى رغم أن جبهة تحرير مورو بدأت نشاطها في السبعينات، إلا أن الرئيس إيسترادا قرر فجأة إنذارها بإلقاء أسلحتها في موعد أقصاه 30 حزيران يونيو الماضي، في مقابل منح المنطقة قدراً محدوداً من الحكم الذاتي. وحين لم يستجب الثوار لإنذاره أمر الجيش والشرطة بتصعيد العمليات العسكرية التي تستهدف المتمردين الإنفصاليين. ويقول مسؤولو الغرفة التجارية المحلية في محافظة مينداناو الجنوبية إن النزاع المسلح يكلف المحافظة خسائر تقدر بمليار بيزو العملة الوطنية يومياً. وعلى هامش هذه الإضطرابات انتعشت السوق السوداء في تجارة الأسلحة التي تضاعفت أسعارها