تصاعد العنف بشكل مثير في الجزائر خلال النصف الاول من الشهر الجاري مُخلّفاً اكثر من 100 قتيل في صفوف المدنيين وقوات الامن. واكد هذا التصعيد ثابتة في مسار العنف الذي تشهده الجزائر منذ مطلع التسعينات وهي ان هناك تناسباً طردياً بين العمليات التي تستهدف قوات الامن واعمال العنف التي تضرب المواطنين العزّل. لكن خلافاً لاعمال العنف السابقة التي كانت تستهدف عادة قوات الامن، فان اعمال العنف خلال الاشهر الاخيرة لم تقع في الميدان نفسه. فقد نفّذت جماعات مسلحة عمليات ناجحة ضد قوات الامن في مرتفعات تيزو وزو وسكيكدة وجيجيل شرق البلاد لكن اعمال العنف التي ضربت المواطنين حدثت وسط البلاد وغربها في المدية وتيبازة والبليدة وعين الدفلي. والمشكلة ان هذه الاعمال الوحشية لم تعد تنسب الى تنظيم بعينه، اذ ان معظم الصحف المحلية اضحت تتحرج من ذكر "الجماعة الاسلامية المسلحة" التي كانت في وقت ما مشجباً تعلّق عليه مختلف الجرائم ضد المواطنين. ونجحت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي تنسب اليها معظم العمليات التي تستهدف قوات الامن - في اثناء الراغبين في الصاق هذه التهمة بها، عوضاً عن الجماعة الاسلامية، لأن الجرائم المرتكبة تقع بعيداً عن ميادين نشاطها كما سبقت الاشارة فضلاً عن ان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة براً ساحتها صراحة بقوله: "ان لهذه الجماعة حساباً مع قوات الامن وليس مع المواطنين"! ولملء هذا الفراغ لجأت صحيفة معروفة بعلاقاتها ببعض الدوائر الامنية الى بعث بعبع جديد سمّته "الذباح موسى القزم" الذي شارك في مذبحة وقعت في قرية وزرة جنوب المدية. يذكر ان هذا "القزم" ورد ذكره قبل اربع سنوات في مذبحة حي قطيطن في المدية 120 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة التي كان جلّ ضحاياها من اقرباء وانصار الشيخ علي بن حجر أمير "الرابطة الاسلامية للدعوة والجهاد" التي انضمت الى هدنة "الجيش الاسلامي للانقاذ" قبل ثلاث سنوات. وتتباين التفسيرات حول هذا التصعيد الجديد في العنف الذي يحصد بصفة خاصة متعاطفين او نشطاء سابقين في الحركة الاسلامية - اذ يعتبره بعضهم مؤشراً الى "انهيار سياسة الوئام الوطني" في حين يرى فيه آخرون "بوادر قرارات حاسمة تمسّ السلطة ومنظومة الحكم". لكن لا يذكر هؤلاء ان كانت هذه القرارات في مصلحة الرئيس بوتفليقة ام في مصلحة "السلطة الفعلية" التي ألفت التعامل مع "واجهات رسمية" تحركها من طرف خفي. وجاءت أخبار استقالة أربعة الاف من الوطنيين والحراس البلديين هم أعضاء من مجموعات الدفاع الذاتي وتخليهم عن محاربة المجموعات الاسلامية المسلحة لتلقي شكوكاً اضافية حول خفايا التطورات الجزائرية، خصوصاً أن هؤلاء "المستقيلين" عبورا عن احتجاجهم على تخلي السلطات عنهم وعدم توفيرها لهم الأسلحة والأموال ليواصلوا مهمتهم في الدفاع عن قراهم. ومهما يكن فان استمرار العنف والعنف المضاد على هذا النحو الغامض والمشبوه يؤشر من دون شك إلى استمرار ازمة الحكم في الجزائر التي ذهب بعض المتفائلين الى الاعتقاد بأنها في طريق الحل اثر انتخاب الرئيس بوتفليقة قبل 18 شهراً.