الحوار مع الفنان الكوميدي محمد هنيدي مثل "الاسكتش" الضاحك، لا مجال للجدية ولا لأسئلة المثقفين. حوار بسيط بساطة هنيدي نفسه يدخل القلب مباشرة إذا سألته عن نجاح فيلمه "صعيدي في الجامعة الأميركية" الذي تقترب ايراداته من عشرة ملايين جنيه في أسابيع عرضه الثلاثة الأولى، يجيبك "توفيق من ربنا... أصل أمي دعت لي"، وإذا حاولت استفزازه بأنه "مضحكاتي وليس ممثلا" يرد بهدوء "الله يسامحك". ويكتسب وجهه جدية صارمة عندما تسأله عن الفنان عادل إمام، ويقول "هذا الرجل استاذي، كبير عائلة الكوميديا المصرية حالياً". لكنه في الوقت نفسه ينفي أنه امتداد لإمام ويقول: "كل واحد له بصمة، بصمة هنيدي ليست مثل بصمة إمام. كما أن إمام له بصمة تختلف عن بصمة فؤاد المهندس. وهكذا كل فنان له بصمته الخاصة". الحوار مع هنيدي جرى في كواليس مسرحية "ألا بندا" على مسرح الفردوس في القاهرة - وبالمناسبة المسرح كامل العدد باستمرار ويعمل يوم العطلة للإقبال الشديد على العرض في موسم مسرحي ضعيف الحضور. بدأ الحوار وانتهى أقرب إلى دردشة ضاحكة. وهو الاسلوب الحواري الذي يفضله هنيدي ويغري الصحافيين باتباعه. أغرب قضية واجهها هنيدي كانت ضد الهيمنة الاميركية: الجامعة الاميركية في القاهرة قررت مقاضاة هنيدي ومنتج الفيلم لاستغلال اسم الجامعة في عنوانه. من هنا كان السؤال الأول: هل هي قضية مفتعلة لزيادة أسهم الفيلم في السوق؟ أم انها قضية حقيقية جرى التنازل عنها قبل أن تستفحل الأزمة وتنعكس سلباً على الجامعة نفسها؟ - يا سيدي نحن لا نسخر من أحد كما تبادر للذهن، ولكن الإدارة في الجامعة تخوفت من أن تظهر صورتها بشكل لا يرضيها. لهذا منعت تصوير الفيلم داخلها. لم نغضب لأنه ليس من الذكاء ولا الكياسة أن نخسر صداقة الجامعة الاميركية، ثم هم أحرار في مقرهم. ولكن آخر شيء كنت أتوقعه أن يتعرضوا للفيلم لأنه يستخدم اسم الجامعة، ونسوا أننا قلنا في الفيلم إنها جامعة محترمة. وكنت أتمنى أن يحضروا عرض الفيلم قبل أن يطالبوا بوقف عرضه، المسألة كلها أدهشتنا لأننا لم نرتكب جريمة في حق الجامعة. ولم أفعل الحرام عندما قلت الجامعة الاميركية. أنا لم أقل جامعة القاهرة أو عين شمس مثلاً. وكأن الجامعة الاميركية مكتوب على بابها "لا مساس". لقد قدمت في فيلمي "صعيدي في الجامعة الاميركية" رحلة شاب ناجح ونابغة التحق بالجامعة الاميركية، وهذا نموذج موجود على أرض الواقع ولم أخترعه. عموماً الجامعة تنازلت وهذا مرضٍ لي شخصياً. السخرية من أهل الصعيد أنت متهم بالسخرية من الصعايدة وفي الفيلم "إفيهات" كلها عن الصعايدة، ألا تخشى ثأر أهل الصعيد؟ - أبداً والله، كيف أسخر منهم وأنا في الأصل صعيدي من بلدة "صفط رشين" مركز "ببا" محافظة بني سويف؟ صحيح أنني لم أزرها طيلة حياتي، إلا أن والدي حكى لي عنها ونشأت أعرف أنني صعيدي، وكنت أسكن في امبابة وسط الصعايدة قبل انتقالي إلى المهندسين. وحتى الآن أنا أزور امبابة يومياً لأقابل "أهلي الصعايدة"، كيف اسخر من أولاد العم وكلهم يحبونني. الصعيدي الذي قدمته متفوق ونابغة لم أقدم الصعيدي الموجود في أذهان البعض، الصعايدة في الحقيقة رجالة، والفيلم ليس أبداً "ترْيقة" على الصعايدة. كيف تفسر لنا نجاحك المدوي الذي جعل فيلمك "اسماعيلية رايح جاي" يحقق 18 مليون جنيه، و"صعيدي" داخل على عشرة ملايين ومسرحك كامل العدد؟ - النجاح من عند الله، وكما يقول أهل السياسة "لا تعليق". هل أنت خائف من النجاح؟ - بصحيح أنا مرعوب، إيه اللي بيحصل ده؟! هل وجدت تفسيراً لكل هذا الحب الذي يحيط بك؟ - لا أجد تفسيراً لما يجري، سوى أنني مقبول من الناس كلهم. كلهم يعاملونني كأحد أفراد الاسرة. تصور مرة كنت في الاسكندرية ودخلت مطعماً وفجأة حوالي ألفين واحد وواحدة هجموا عليّ علشان يسلموا ويفرحوا بيّ، المشكلة أن المطعم اتكسر وصعب عليّ صاحب المطعم هذا جعلني لا أخرج من البيت كثيراً، وذكرني بحكايات فريد شوقي عندما كان ينزل من البيت متنكراً حتى لا يهجم عليه أحد. هل أنت خليفة عادل إمام؟ - لست خليفة لأحد، ولكني تعلمت منه، وهو استاذي. ليس هناك من يرضى أن يكون امتداداً لأحد ولكل فنان بصمة خاصة، وعادل إمام صاحب فضل في تقديمي للناس واحتفظ له بصورة كبيرة في غرفتي بالمسرح. ولماذا اعتذرت عن المشاركة في فيلمه الأخير إذاً؟ - ببساطة لأني وجدت أن الدور لن يضيف لي كثيراً، نقلت للاستاذ إحساسي فقبل كلامي واعتذاري وانتهى الموقف. ثم أثناء التصوير زرته وقدمت له الورود. والأستاذ زارني في المسرح اكثر من مرة، وشاهد فيلمي الأخير وكفاكم كلاماً عن هذه العلاقة، باختصار عادل إمام استاذي وخلاص. متى يجمعك به فيلم جديد؟ - عندما يكون الدور مناسباً لن اتردد، لأن العمل معه فرصة كبيرة وهو فنان ومعلم. الهجوم الحاد على عادل إمام استخدم فيه البعض اسمك.. ما موقفك من ذلك؟ - انا ضد الهجوم على عادل إمام، لأنه فنان كبير قدم للكوميديا أحلى سنوات عمره، ونال جماهيرية لم ينلها فنان قبله، وهو نجم النجوم الأوحد الناجح دائما، وهو أكبر من أي هجوم ضده لأن رصيده عند الجمهور ضخم جداً. هل انتهى زمن عادل امام كما يروج البعض؟ - زمن عادل امام لا ينتهي وله مكانته في قلوب الناس، وهذا جزء من الهجوم المرفوض على الاستاذ. نعمل بروح الشلّة والنجاح للجميع وأنت نجم نجوم جيلك؟ - النجاح في جيلي للجميع، نحن نعمل بروح الورشة أو الشلة. ولست وحيد عصري ولا عبقري زماني، أنا واحد من مجموعة. يقولون إنك تحاول تقليد اسماعيل يس؟ - اسماعيل يس عبقري كوميديا، وأنا لا أقلده ولا أقلد غيره. أنا تعلمت منه كما تعلمت من الكبار أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وسعيد صالح وعادل إمام وغيرهم. هل نستطيع أن نقول: انتهى زمن الكبار؟ - الحكم الوحيد للجمهور، ولن تخرج من لساني أبداً كلمة تجرح الاساتذة. هل توافق على الرأي الذي يقول إن مدرسة الكوميديا المصرية انتهت؟ - من قال ذلك؟ الفن لا ينتهي والكوميديا لا تتوقف ولكنها تتطور بما يتناسب مع عصرها. الكوميديا هي تقديم الجديد وعدم الوقوع في التكرار، وهذا ما يشغلني حالياً. إنني لا اعرف على وجه التحديد لماذا سقط بعض النجوم في منتصف الطريق، ولكن أعرف أن الكوميديا العربية تحتاج إلى جهد خلاق وعبقري يفجّر دماء جديدة في عروقها لتعود شباباً، عموماً لست متشائماً ولا أعرف سوى لغة التفاؤل. كيف تصل الكوميديا المصرية أو العربية الى العالمية؟ - هذا موضوع يشغل ممثلاً عالمياً، أما أنا فإنه لا يشغلني، لأنني لا امثل للمشاهد الاميركي ولا السويدي ولكني أمثل للمصريين والعرب، هؤلاء جمهوري، ولهذا أقدم ما يسعدهم. أنا اقدم كوميديا للشباب العربي، لجيلي الذي لا يجد من يعبر عنه، ولهذا كان تجاوب الشباب مع فيلم "صعيدي في الجامعة الاميركية"، لأنهم وجدوا أنفسهم فيه. هل ستستمر في تقديم هذه النوعية من الأفلام الشبابية؟ - لا بد أن استمر لأن غالبية رواد دور العرض من الشباب كما أن الأسرة المصرية عادت إلى سيرتها الأولى، إلى السينما النظيفة الخالية من الجنس والعنف، السينما البسيطة والكوميديا التي لا تسخر من أحد وليست ضد أحد، إنني أحاول إعادة سينما زمان التي دخلت بيوتنا وامتزجت بمشاعر الجمهور، وأحاول إضحاك المشاهد ببساطة لأنه لم يعد يتحمل مزيداً من الهموم. هل إضحاك الجمهور أصبح فعلاً مهمة شاقة؟ - جداً.. جداً، حياتنا مليئة بالمشاكل والهموم تطحننا. اللهاث لجمع المال والايقاع السريع جعلانا نهجر "البال الرايق"، ودّعنا الروقان وأغاني أم كلثوم وفيروز ونجاة، لم نعد نتذوق الشعر الجميل، لم تعد هناك جلسات أنس وصحبة حلوة، وأظن أن البسمة وليس فقط الضحكة أصبحت غالية قوي ونادرة جداً في هذه الأجواء المتوترة. هل تنوي تقديم سلسلة أفلام باسم هنيدي كما فعل اسماعيل يس؟ - ربما يحدث هذا في المستقبل، لا أعرف على وجه التحديد جدوى تلك الفكرة، كل ما لدي عرض من أحد المنتجين لتحقيق مثل هذه السلسلة، لكني رفضت مبدئياً على رغم أن هذا كان يمكن أن يصيب نجاحاً هائلاً، عرضوا عليّ أن نسمي الفيلم "هنيدي في الجامعة الاميركية"، بدلاً من "صعيدي" لكني وجدت أن هذا سابق لأوانه، أنا أعشق النجاح دون وجع دماغ. موقف ضد إسرائيل وما هي حكاية تربعك على عرش سوق الكاسيت بأغاني أفلامك؟ - عمري ما فكرت أن أكون مغنياً، أنا ممثل فقط، والغناء ضرورة للدراما في الفيلم. هاجمك البعض وقالوا إنك المطرب عدوية في التمثيل، وإنك مجرد بالونة وفرقعة ستنتهي سريعاً؟ - هم أحرار في ما يكتبون، ربنا يعطينا طول العمر لنرى ماذا سيحدث في المستقبل، وبعدين المطرب عدوية لم يكن سيئاً بل كان استاذاً في لونه الشعبي وعاش طويلاً. دعنا ننتقل الى محور جديد، هل كان حرق العلم الإسرائيلي في الفيلم دلالة على موقف رافض من التطبيع مع إسرائيل؟ - كلنا مع السلام، ولكننا ضد انتهاك حقوقنا العربية. ونحب السلام، ولكن ليس على جثث العرب. وكيف يكون التطبيع مع عدو يعتدي على جنوبلبنان وفلسطين؟ كل يوم يقتل وينسف البيوت ويدمر آمال الشعوب. كيف أنسى جثث آلاف الشهداء في حروبنا مع إسرائيل؟ الفنان الحقيقي لسان حال شعبه ومجتمعه يعبر عن التيار الأصيل في داخله وليس ضد توجهات هذا الشعب. إذاً أنت من انصار مقاطعة إسرائيل؟ - أنا مع السلام شرط عودة الحقوق إلى أصحابها وتحقيق العدل على الأرض. هل تقبل المشاركة في فيلم إسرائيلي أو مع ممثل إسرائيلي؟ - مطلقاً، مرفوض تماماً، كيف اضع يدي في يد مغتصب حقوقنا وسارق آمالنا؟ أنا مصري عربي صعيدي وفلاح من طين مصر، لا أحب إلا كل ما هو مصري أصيل. هل تقبل أن تعرض في غزة وأريحا؟ - مرحباً لأنها أرض فلسطينية وبلد شقيق. زرت بيروت أخيراً زيارة خاطفة، هل أحسست أن هناك حرباً فنية بين عواصم عربية؟ - حرب مرة واحدة! يا ساتر! إنها حرب مفتعلة في أذهان البعض، مصر وقاهرتها قبلة للعرب، بابها مفتوح على الدوام وأهلاً وسهلاً بكل فنان عربي لأن هذا دور مصر وجواز مرور أي فنان عربي هي القاهرة. لازم جواز سفره يختم في القاهرة. ثارت ضجة هائلة عندما حاول المذيع المصري مفيد فوزي سؤالك عن "العولمة" البعض تعاطف معك واستهجن سخرية مفيد، والبعض أحب أن يسمع منك تفسيرك للعولمة ونحن منهم؟ - العولمة تاني؟ لا أعرف إذا كان الاستاذ مفيد حاول الإساءة إليّ أم لا، عموماً الثقافة ليست في حفظ الكلمات لنرددها وربنا يستر علينا وعليكم. على ذكر "العولمة" ما رأيك في "الفياغرا"؟ - يا ساتر، أنا لا أحب التقاليع ولا الأشياء المصطنعة لا الجري وراء الدعاية الأفرنجي، وياما سنرى في المستقبل. وفضائح كلينتون ومونيكا؟ - كل رجل في حياته ألف مونيكا، والضجة مفتعلة وهم أحرار في مجتمعهم. متى ستتزوج؟ - هذه مفاجأة للجمهور، فجأة سيجد في يدي العروسة المتطرف إما جاهل أو مخدوع في رده على سؤال حول التطرف والإرهاب باسم الدين، قال هنيدي: أنا متدين أؤدي الفروض في أوقاتها وأحب قراءة كتب الشيخ الشعراوي الله يرحمه، وأقرأ سورة ياسين يومياً قبل التصوير أو قبل ظهوري على المسرح، واكثر من هذا لا أعرف كثيراً عما تسأل عنه، وأنا ضد كل من يستخدم العنف سلاحاً لتحقيق أهدافه. الدنيا جميلة لماذا نهدرها بالقتل والدماء، المتطرف جاهل أو مخدوع، مغرر به وعلينا أن ننصحه بالطريق القويم. - هواية هنيدي الوحيدة التدخين، ويقول: أدعو الله أن أقلع عنها، وكم من مرة نويت ذلك ولم استطع للأسف. - والدة هنيدي هي مستشاره الفني، يحكي لها قصة الفيلم فإذا وافقت وافق هو ولو رفضت يرفض، ويحرص على أخذ البركة منها.