تكمن أهمية «ابن العربي» الملقّب ب»الشيخ الأكبر» في تجسيد وحدة المذاهب من خلال آثاره على الفكر الإسلامي وعلى الفكر الإنساني بدياناته الثلاث، ولأن الخيال لا يقف عند حد، ولأن السفر بالخيال هو الزاد لمعرفة تتجاوز قواعد العقل السائدة، فلنتعرف على بعض آراء ابن العربي في المرأة، ولنعتبرها من الشروح، لك أن تقتنع بها، لك أن تهملها، لك أن تفكر بها، افعل ما شئت، لكن رجاء لا تنقص من جهد الرجل في اجتهاداته. يرى ابن العربي أن الإنسان هو تركيب بين الأنوثة والذكورة ليكتمل ويستحق منزلة الخلافة التي لا تقتصر على ذكورة أو أنوثة، وإنما على كائن موحّد الجزء المذكّر فيه خلقه الله أولاً، والمؤنّث بعثه كاملاً من الجسم الأول، وهو النقص الوارد في قوله تعالى: «..وللرجال عليهن درجة..»، غير أن العربي يذهب إلى أن هذه الدرجة قد عُوضت بتفضيل المرأة وتميّزها عن الرجل، فكلمة «المرأة» تزيد عن الكلمة الدالة على الرجل وهي «المرء» بحرفين لهما رمزية تعوّض عن تلك الدرجة، فهذه الدرجة بحسب ابن العربي ليست من جهة الإنسانية التي تجمع بين الرجل والمرأة معاً، ولكن من جهة أن الله خلق آدم من تراب ثم نفخ فيه من روحه، أما حواء فمنبعثة من آدم ذاتاً واحدة، وفي فلسفة ابن العربي أسبقية آدم على حواء وإن كانت تعطي درجة للرجال على النساء، إلاّ أن ليس فيها تفضيلاً للذكر على الأنثى، فالعكس هو الصحيح، لأن الأفضلية في المقام ستؤول للأنثى لا للرجل بحكم أن آدم له مقام الفردية (يحتاج إلى ثان) وحواء لها الوحدانية، ولنكتفي شرحاً في هذه الجزئية بالذات، فزبدة الكلام أن الله أخّر المرأة في الوجود، ولكن فضّلها في المقام والرتبة، وهو شرح تفرّد به ابن العربي في الفكر الإسلامي وكان رائداً في إعلاء شأن المرأة والذي تتبناه التنظيمات العصرية اليوم، متخطياً حدود التقيّد بالزمان والمكان، عملاً على تطوير الفهم الديني. فماذا عن قوله تعالى: «..للذكر مثل حظ الأنثيين..»؟ لقد استوقفني تفسير الرجل، فأبداً لم أفكر بالأمر على شاكلته، ولا يعني أنه قالها أن نقولها، ولكن المعرفة بما أريد بنا تلزمنا أقلها بالتفكّر فيما انتهى اليه، والاقتراب من الحقيقة يستحق دائماً تقليب المسائل على احتمالاتها كافة، يرى ابن العربي أن إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين لا يفضّل الذكر عن الأنثى بل يقوّي الضعيف، فالقوي يكتفي بالقليل لأنه في غنى عن الزيادة، فوحدانية المرأة تكفيها قسمة واحدة كمقامها في الوحدانية، بينما الذكر له مقام الفردية وهو ما يقابله في الأعداد العدد اثنان، يقول تعالى: «وزكريا إذ نادى ربه ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين»، لذا تجد الرجل من ضعفه يأخذ القسمتين. فماذا عن موضوع الشهادة؟ ذهب ابن العربي إلى أن وجود المرأتين في الشهادة يحقق اليقين فإذا نسيت الواحدة ذكرتها الأخرى، بينما إذا نسي الرجل ضاع معه الحق المتنازع عليه، فالنسيان موروث عن نسيان آدم أي مرتبط أكثر بالرجل، بينما المرأة وإن ضلت ذكّرتها امرأة أخرى، فللمرأة الكمال بأنها لا تنسى وإن ضلت فسترجع إلى الصواب بامرأة مثلها، وللرجل النقصان لأنه إذا نسي فإنه يضل ويضيع الحق حتى مع رجل مثله، أما حنو ومحبة آدم لحواء فلأنها جزء منه فهو حب الكل للجزء، أو حب آدم لنفسه، بينما حنو ومحبة حواء لآدم هو حنو الجزء للأصل، أي حنين إلى الموطن، فتجد العاطفة الباطنية لدى المرأة أقوى، والقدرة على سترها أكبر من الرجل، يقول ابن العربي: «أعطيت المرأة القوة المعبر عنها في محبة الرجل بالحياء، فقويت على الإخفاء». [email protected]