قال تعالى: «وللرجال عليهن درجة»، وبما أن آدم أصله من تراب، فإن صدوره من عناصر الطبيعة قد يضيف إلى الطبيعة هذه الدرجة، فتزيد على آدم بدرجة السببية التي عنها تولّد، أما حواء التي صدرت من آدم، فلا يعني أن الدرجة الفاصلة بينها وبينه تنطوي على تفاضل ولكن على اختلاف، ولا يؤدي الاختلاف إلى تفاضل بين الموجودات بقدر ما يُحدث تعدداً ضرورياً لحفظ الوجود، فما ينقص لدى موجود ما يحوزه الآخر، وإلاّ إذا أريد لهذه الدرجة التعبير عن تفاضل، فإنه سيرجع حتماً إلى المرأة، لأنها التي خُلقت كاملة على صورتها من آدم وهو حي نائم، والظهور بصورتها الكاملة النابضة بالحياة من الحي أرقى من خلق الذكر البشري من تراب جامد، هذا في حال التصميم على حكاية التفاضل، ولكن الأوقع أن الله أوجد كل من الرجل والمرأة على خلاف ما أوجد الآخر لا على ضده، فكل ضد خلاف، وليس كل خلاف ضداً، ما يلغي رؤية التضاد والتنافر بينهما، ويؤسس لعلاقة اختلاف بين متناسبين، باجتماعهما يكون التناغم والانتماء إلى الوجود الحق كما أراده صاحب الحق. فإذا عدنا إلى الطبيعة نجد أنها تشبه المرأة، لكونها تشترك معها في القدرة على التوليد الذي هو تنفيس عن اللاوجود ليصبح وجوداً، فالمرأة والطبيعة تلتقيان في صفات الانفعال والتلقي والجود، ما يجعلهما وجهين للأنوثة، يقول تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)، فكأن الليل أم، والنهار متولد عن هذه الأم، كما ينسلخ المولود عن أمه إذا خرج منها، وفي ذلك تشبيه لليل بالأنوثة لاقترانه بظلمة أشبه ما تكون بظلمة الرحم، ليرجع للأنوثة موقع الأصل بالنسبة لذكورة تنسلخ منها في المولود الذكر الذي تلده بعد أن يضمه رحمها، وعليه تتمتع الأنثى بدرجتين: أنها فرع من آدم، وأنها تلد الذكر، فهي أصل للذكورة، ما يجعل الأنوثة تحتل موقع الفرع والأصل معاً. تتمتع المرأة بسر إلهي لحملها لروائح التكوين وحفظ الحياة البشرية والروحية على الأرض، ولكون حضورها يفتّق الاختلاف ومعرفة الرجل بذاته وبالآخر، فالمرأة توقظ في الرجل الانجذاب إليها، والرغبة في حبها، فإذا بعاطفته ترغمه على الانحناء أمامها، وكأنه اشتياق ل«باطن أنوثته» فيها من حيث لا يعي، وفي ذلك قوة الأنثى التي لا تقارع، فالمرأة حين تتشبه بالرجل في غلظته وقساوته وأنانيته، فإنها تقدح بأنوثتها، ولكن إذا تشبه الرجل بصفاتها من عطاء ورحمة ومحبة وحنو، فإنه يقترب من إنسانيته، وليس في العالم المخلوق أعظم قوة من المرأة لسر لا يعلمه إلاّ من أوجدها، وقد نبه الوحي إلى هذه القوة حين أعلن أن مواجهة امرأتين (أمهات المؤمنين حفصة وعائشة رضي الله عنهما اللتان تظاهرتا على النبي عليه الصلاة والسلام) اقتضت تعاون الله وجبريل والملائكة وصالح المؤمنين عليهما، وهو اعتراف إلهي صريح بأن المرأة ليست محل ضعف واستكانة، بل هي قوة خالصة بما تحمله من أسرار الغيب، يقول الله تعالى: «وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير»، ومن يستعان عليه فهو في ما يستعان فيه أقوى مما يستعان به. هذه هي المرأة التي خلقها الله، وظهرت في صورة مع الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان عقب اللقاء الوطني الثامن للحوار الفكري، في نظرة مميزة وشجاعة ورائدة من ولي الأمر للمرأة وسط بنية اجتماعية ومعرفية أقصتها وهمّشتها وجردتها كثيراً، ولأن الحضور الكلي والجزئي لا يقوم سوى بحضور الذكورة والأنوثة، فقد اجتمعا في صورة واحدة تمثل ببساطة صورة الحياة. [email protected]