أظهرت زيارة وفد سوري رفيع المستوى الى انقره قبل ايام وجود رغبة سورية في عدم زيادة التوتر مع تركيا والحفاظ على "شعرة معاوية"، على اساس استمرار الحوار السياسي الهادئ على القضايا العالقة على رغم الانتقادات السورية للعلاقات العسكرية المتنامية بين تركيا واسرائيل، وكان آخرها انتقادات صحيفة رسمية لارسال تركيا طائرات عسكرية الى اسرائيل للمشاركة في مناورات لمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الدولة العبرية. وضم الوفد السوري معاون وزير الخارجية السفير عدنان عمران ورئيسة دائرة اوروبا الغربية صبا ناصر والسفير السابق في انقره السيد عبدالعزيز الرفاعي، الذي يعمل حالياً مستشاراً في اللجنة السياسية. والتقى الوفد وزير الخارجية التركي اسماعيل جيم ورئيس ادارة الشرق الاوسط كوركت تسيترغه وكبار موظفي وزارة الخارجية. وقالت مصادر ديبلوماسية ان الزيارة التي استغرقت 3 ايام رداً على زيارة تسيترغه لدمشق في شباط فبراير الماضي التي مهدت بدورها للقاء جيم مع نظيره السوري فاروق الشرع على هامش اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الاسلامي في الدوحة في آذار مارس الماضي. وكانت تلك اللقاءات هي الاولى بين الجانبين منذ قرار انقره في بداية العام 1995 وقف الاجتماعات الوزارية السورية - التركية - الايرانية الخاصة بشمال العراق ومعارضة قيام كيان كردي يهدد الدول الثلاث، ثم اتباع تركيا سياسة مختلفة تمثلت في الدخول المتكرر للقوات التركية الى شمال العراق ثم توقيع اتفاق التعاون العسكري في بداية العام 1996 وصولاً الى اجراء مناورات بحرية مع اسرائيل واميركا في بداية العام الجاري في البحر المتوسط. وتابعت المصادر الديبلوماسية ان "شعور القيادة التركية بالعزلة، خصوصاً في قمة المؤتمر الاسلامي في طهران نهاية العام الماضي ورفض الاتحاد الاوروبي انضمام تركيا، دفعا المسؤولين الاتراك الى اجراء مراجعة لسياستهم الشرق اوسطية، ما ادى الى اعلان مبادرة سياسية لاستئناف الحوار مع دمشق وارسال تسيترغه"، علماً ان الاتراك كانوا اشترطوا فور توقف الاجتماعات في العام 1995 لمعاودتها تسلم زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله اوجلان الذي تتهم انقرهدمشق بإيوائه. واوضحت المصادر ذاتها ان محادثات المسؤول التركي في دمشق ادت الى الاتفاق على مبدأ مفاده ان توقف دمشق الحملات الاعلامية ضد تركيا وحشد الدول الاسلامية والعربية ضد "التحالف التركي - الاسرائيلي" في مقابل تعهد انقره بتخفيف وتيرة التعاون مع اسرائيل. وهذا ما حصل في اجتماعات الدوحة اذ ان مشروع قرار بإدانة التعاون التركي - الاسرائيلي لم يصدر في البيان الختامي. وما شجع السوريين على الاستجابة للمبادرة التركية، امران: الاول، ان دمشق لا تريد فعلاً ان تنجرّ الى ما يسعى اليه الاسرائيليون وبعض القادة العسكريين الاتراك، وهو وضع سورية بين "فكّي كماشة" اسرائيلي في الجنوب وتركي في الشمال. ثانياً، ان المسؤولين السوريين مقتنعون بأن الحوار السياسي مع تركيا وتحسّن العلاقات الثنائية يؤديان الى اقناع الاتراك بالابتعاد عن اسرائيل والسعي وراء مصالحهم في المنطقتين الاسلامية والعربية. وتتضمن المبادرة السياسية استئناف اللقاءات على مستوى وزيري الخارجية والداخلية وضباط الامن وخبراء المياه. وبالتالي استئناف اجتماعات اللجان الثنائية الخاصة ببحث ملفي نهري دجلة والفرات، اذ ان دمشق تطالب تركيا بالدخول في مفاوضات جدية للتوصل الى "قسمة عادلة للمياه تحفظ حقوق سورية وتركياوالعراق". وقال خبراء فنيون ان دمشق تعتقد بأن الاتفاق المرحلي للعام 1987 الذي نصّ على تصريف تركيا لأكثر من 500 متر مكعب في الثانية من مياه نهر الفرات، نصّ ايضاً على انه "مرحلي وضروري للدخول في مفاوضات للتوصل الى اتفاق نهائي". وتعتقد المصادر الديبلوماسية بأن "الخطوة العملية" المقبلة ستكون قيام الوزير جيم بزيارة دمشق التي كانت تشترط ان توافق انقره على ارسال جيم الى سورية قبل قيام الوفد السوري بزيارة تركيا. واضافت المصادر: "ان زيارة الوفد السوري لتركيا معناها اننا في المسار الصحيح".