الجهة او الجهات اللبنانية وغير اللبنانية الفاعلة في لبنان التي قررت اجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية بعد طول تردد وبعد مضي حوالي 35 سنة على اجراء آخر انتخابات مماثلة، حققت انجازاً كونها اظهرت بقرارها معرفة واسعة بطبائع اللبنانيين وأرادت في الوقت نفسه تحقيق أهداف عدة من خلاله، ابرزها صرف اللبنانيين افراداً وأحزاباً ومرجعيات سياسية ودينية وفاعليات عن امرين شكل التركيز عليهما خطراً بارزاً على مسلمات عدة منها الوحدة الوطنية وان كانت هشة، ومنها العلاقة اللبنانية - السورية المميزة ومنها تلازم المسارين اللبناني والسوري في المفاوضات مع اسرائيل، ومنها وحدة الحكم. الامر الاول هو قبول اسرائيل المشروط للقرار الدولي الرقم 425 الداعي الى انسحابها من لبنان. والمعروف ان القرار اثار ارتباكاً واسعاً خصوصاً في البداية، في لبنان وسورية. والامر الثاني هو استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان الذي يفترض ان يكون موعده الدستوري بين اواخر شهري أيلول سبتمبر وتشرين الثاني نوفمبر المقبلين. ومعروف ان هذا الاستحقاق اثار خلافات حادة بين الفاعليات والمرجعيات السياسية والدينية وبين اركان السلطة وتحديداً داخل "الترويكا" الرئاسية الحاكمة، بين واحد منها ساع الى تمديد ولايته الرئاسية مرة ثانية وآخر رافض لذلك وعامل بكل نشاط لاقناع الناخب الاوحد للرئيس اللبناني بموقفه، وثالث غير مقتنع بالتمديد الثاني، وفي الوقت نفسه غير متحمس للسير حتى النهاية مع رافض هذا التمديد خشية ان يحقق هذا الاخير انتصاراً سياسياً داخلياً كبيراً ينعكس عليه سلباً. ومعروف ايضاً ان الاستحقاق الرئاسي نفسه فتح عيون الناخبين غير اللبنانيين للرئيس اللبناني الذين نجح الناخب السوري في أخذ دورهم منذ سنوات وأغرى اوساطاً سياسية وحزبية وربما دينية لبنانية وأخرى خارجية باستدراج هؤلاء الناخبين لتكون لهم كلمة في الانتخاب الرئاسي . كما اغرى جهات معينة بمحاولة الافادة من الطرح الاسرائيلي المشروط لتنفيذ القرار 425 للتأثير على الانتخابات الرئاسية وربما للحد من دور سورية فيها. لقد نجحت الجهة او الجهات المذكورة في تحقيق ما ارادت فالجميع في لبنان اليوم منشغل بالانتخابات البلدية والإختيارية. واذا كان هذا يشكل علامة صحية من خلال اظهار تعلق الناس بالممارسة الديموقراطية وإعادة تعويدهم عليها بعد طول غياب فإنه يؤكد بصورة شبه قاطعة ان الوعي السياسي في البلد لا يزال غير مكتمل وان اللبنانيين لا يزالون في اطار الممارسة الشكلية للديموقراطية لا الممارسة الجوهرية، وظهر ذلك من خلال امور كثيرة، منها فشل التيارات السياسية الاساسية التي تكونت في لبنان خلال الحرب وبعدها واستقطبت جماهير واسعة بعضها موال وبعضها الآخر معارض، في التحكم بالانتخابات البلدية تحضيراً وممارسة ونتائج. إرتباك المعارضة ف "التيار الوطني" الذي يتزعمه العماد ميشال عون المقيم في الخارج يبدو مضعضعاً. و"التجمع الوطني" الذي يضم اضافة الى تيار عون احزاباً حليفة رافضة للوضع القائم لا يبدو متماسكاً. وحركة "أمل" و"حزب الله" يبدوان مضطرين الى تقديم تنازلات كثيرة لعائلات ومرشحين. ومنها ايضاً بروز العصبيات العائلية والعشائرية وحتى داخل العائلة الواحدة والعشيرة الواحدة. ومنها طغيان الشعور المذهبي والطائفي على رغم المحاولات الجادة لمنعه من صوغ نتائج الانتخابات. وظهر النجاح نفسه من خلال تراجع موضوع القرار 425 وانتخابات الرئاسة الى المرتبة الثانية والثالثة او حتى الرابعة من اهتمام معظم الطبقة السياسية اللبنانية التي تركت هذا الامر لسورية راعية الوضع اللبناني بمباركة اقليمية ودولية. طبعاً لا يعني هذا التراجع توقف الاهتمام بانتخابات الرئاسة أو بالقرار 425، فالمبادرة الاسرائيلية المشروطة للانسحاب من لبنان لا تزال موضع مشاورات وأخذ ورد في اكثر من محفل محلي واقليمي ودولي. والاستعداد للانتخابات الرئاسية في لبنان مستمر بزخم لكن بعيداً عن الاضواء. واذا كان الحديث عن الانتخابات البلدية والاختيارية لم يعد مفيداً كثيراً لأنها دخلت في المرحلة العملية، واذا كان الحديث عن الانسحاب الاسرائيلي من لبنان لا يمكن ان يكون واضحاً نظراً الى استمرار غموض كثير من المعطيات والمواقف لا سيما على الصعيد الدولي ولترابطه مع السلام الشامل الذي يؤكده الجميع، فإن الحديث عن الانتخابات الرئاسية ممكن بسبب استمرار سورية ناخباً وحيداً للرئيس اللبناني وبسبب وضوح المواصفات المفترض توافرها فيه، وبسبب التحرك الحثيث الذي يقوم به المرشحون لا سيما اصحاب هذه المواصفات لتعزيز وضعهم عند الناخب الاوحد وعند اللبنانيين، علماً ان احتمال جلاء الغموض على جبهة القرار 425 ليس مستحيلاً وقد يحصل قبل الاستحقاق الرئاسي وربما يكون له بعض التأثير فيه. فما هي صورة الاستحقاق الرئاسي حالياً؟ المعلومات المتوافرة عند مصادر سياسية مطلعة وعند عدد من القريبين من الناخب الاوحد تشير الى الآتي: 1 - تراجع حظوظ التمديد الثاني للرئيس الياس الهراوي لاعتبارات متنوعة، منها الحاجة الى رئيس جديد يوحي بالثقة والامل في احداث انفراجات سياسية واقتصادية بعدما استنفد الهراوي طاقاته وامكاناته. ومنها عدم قدرة سورية في حال استمرار الهراوي رئيساً لولاية ثالثة على تحمل نتائج تدهور الوضع، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. ومنها التحول الشعبي عنه خصوصاً بعد مبادرته المتعلقة بالزواج المدني التي افقدته المسلمين الذين كانوا يقدرون مواقفه المواجهة لاعداء اتفاق الطائف وسورية من اللبنانيين، علماً انه لم يكسب المسيحيين يوما لاعتبارات معروفة. ومنها اخيراً استعداد رئيس الحكومة رفيق الحريري لبذل كل الجهود لمنع التمديد الثاني للهراوي مدعوماً، وان على نحو غير مباشر، من شريكه في الترويكا الرئاسية الحاكمة رئيس مجلس النواب نبيه بري. الجديون جداً 2 - تضم لائحة المرشحين الجديين جداً للرئاسة الاولى، أي اصحاب الحظوظ في الوصول الى الرئاسة بسبب تأييد سورية لهم او على الاقل عدم سلبيتها حيالهم، اسماء ثلاثة: اولهم النائب والوزير جان عبيد، وثانيهم الوزير ميشال إده، وثالثهم النائب والوزير السابق روبير غانم. فعبيد تعتبره سورية اصيلاً وغير طارئ في ايمانه واقتناعه بانتمائه العربي وبعروبة لبنان وفي رفضه عدداً من الطروحات اللبنانية لا سيما المسيحية التي ابتعدت عن هذا الانتماء لاعتبارات متنوعة على رغم المخاطر التي شكلها له موقفه هذا، لكنها تشعر ببعض التخوف من وصوله الى الرئاسة الاولى، لأن انتخابه سيصيب المسيحيين عموماً بنوع من الخيبة، وقد يصيب بعض المسلمين، لأسباب متنوعة الامر الذي سيعقد مهمته لا سيما في بداية عهده. ذلك ان المطلوب اشاعة جو ارتياح للرئيس الجديد واستعداد للتعاون معه وأمل في قدرته على تحقيق بعض الانفراجات على اكثر من صعيد. وتشعر دمشق ايضاً ببعض التخوف لانها تعرف ان نجاحه سيتوقف على ما هي مستعدة لاعطائه اياه او لاعطاء لبنان بكل فئاته لا سيما المسيحيين من خلاله، ربما بسبب الانطباع السائد انه من الذين اعطوها سياسياً كل شيء او سلفوها وباتت ملزمة بالرد لهم، ولأن الظروف السائدة لا سيما الاقليمية منها، قد لا تساعدها على هذا الرد. اما إده فتقدر له سورية اصالته في موقفه السلبي طبعاً من الصهيونية وريادته في معرفة مخاطرها وتحديداً مخاطر اسرائيل على لبنان، خصوصاً على مسيحييه، فضلاً عن العرب. لكنها تشعر ببعض التخوف منه لأسباب متنوعة، منها ان مواقفه السياسية الحالية من قضايا الداخل ومن العلاقة مع سورية التي تنظر اليها الاخيرة بإيجابية تختلف كثيراً عن مواقفه من هذه القضايا خلال الحروب التي عصفت بلبنان، وربما خلال السنوات الاولى للسلم الاهلي الذي ساد لبنان وان هشاً منذ اواخر العام 1990. ومنها انفعاله في التعبير عن مواقفه، وأحياناً مبالغته في هذا التعبير الامر الذي يعطي انطباعا بأنها ترمي الى الوصول الى هدف معين اكثر من اي شيء آخر. ومنها ايضاً سياسته عند وصوله الى قصر بعبدا، اذ ان استمرار انفعاليتها ومبالغتها لن تحقق التغيير والانفراجات المطلوبة داخلياً وان كانت محدودة. كما ان العودة عن هذه السياسة او تعديلها بعد الوصول قد تسبب ارباكات كثيرة داخل لبنان ولسورية. اما غانم فإن سورية تقدر رصانته وعمله الدؤوب والصامت الذي جعلها تبدل رأيها فيه وموقفها منه من السلبية الى الايجابية، وتقدر ايضاً كونه من موارنة الاطراف وتحديداً البقاع الغربي الامر الذي يجعله في متناول اليد وغير عصي على الضغط في حال قرر انتهاج سياسة مخالفة لها. لكنها تتخوف من بعض العلاقات الخارجية له أميركا مثلاً والداخلية الرئيس الحريري علماً انها باتت شبه متأكدة من استعداده لتوظيف هذه العلاقات لمصلحة لبنان ولمصلحتها في آن. ماذا عن المرشحين الجديين الآخرين وأبرزهم العماد اميل لحود قائد الجيش والنائب المتني نسيب لحود؟ اللحود الاول كانت حظوظه دائماً كبيرة ووصوله الى الرئاسة الاولى كان مطلباً دائماً لأوساط سياسية وحزبية ودينية وشعبية لبنانية لما يتحلى به من نظافة كف ومناقبية وانضباط ولنجاحه في بناء مؤسسة عسكرية صلبة على رغم صعوبة الظروف الداخلية، وعلى رغم الاخفاق في بناء المؤسسات السياسية والدستورية وتالياً في بناء الوحدة الوطنية التي يفترض ان تستند اليها المؤسسة المذكورة. ففي العام 1995 بدا ان هناك شبه اجماع لبناني عليه لكن سورية اختارت التمديد للهراوي. وقيل يومها ان لا بديل من العماد لحود في الجيش. وفي العام 1998 تكاد ان تتكرر القصة نفسها على رغم ان الامور لا تزال غير محسومة. اذ مرت فترة تم التلويح بها بوصول "القائد" الى قصر بعبدا قبل اسابيع، وذلك عندما تردت الحال الداخلية كثيراً وهددت الوضع برمته. لكن يبدو الآن ان سورية لا تزال ترى ان البديل منه على رأس المؤسسة العسكرية لا يزال غير متوافر. طبعاً لعدد من اخصام سورية ومن مؤيديها رأي آخر في دوافع موقفها من وصول لحود الى رئاسة الدولة، يشير الى تخوفها من رئيس لا يساوم وان يكن لا يطعن في الظهر، وفي رئيس له نفوذ داخل الجيش ومن رئيس يثق فيه الخارج لا سيما الاميركيين، وينبع التخوف من عدم استقرار الاوضاع الاقليمية ومن احتمال نشوء اوضاع ضاغطة تدفع لبنان في اتجاهات معينة. اما النائب لحود وهو ابن عم العماد لحود فإنه صاحب حظ كبير في الوصول الى الرئاسة الاولى لو ان الشعب هو الذي ينتخب، او لو ان الناخب الاوحد للرئيس اللبناني ليس اوحداً، او ليس مطلق اليد. طبعاً لا يعني ذلك ان لحود معاد لسورية ولاتفاق الطائف، لكنه غير راض عن بعض الممارسات في الداخل، خصوصاً من جهات لبنانية تتغطى بسورية. كما انه غير راض عن طريقة تطبيق اتفاق الطائف. وفي هذا المجال يعتقد بعض مناصري الرجلين، او بالاحرى بعض المعترضين على المرشحين الثلاثة عبيد وإده وغانم، ان حظوظهما لم تنعدم لكنها قليلة جداً. وهي قد ترتفع في حال قررت الولاياتالمتحدة التعاطي جدياً ومباشرة بالانتخابات الرئاسية، لكنها حتى الآن لا تبدو متحمسة لذلك، او لا تبدو في هذا الوارد، الا اذا حصلت ظروف اقليمية معينة تجعلها تعيد النظر في موقفها وتجعل سورية مستعدة في الوقت نفسه للتخلي عن حقها المطلق في اختيار الرئيس اللبناني . من سيكون رئيس لبنان اواخر العام 1998؟ التكهن بذلك من المستحيلات، الا ان الثلاثي صاحب الحظوظ الوافرة يتحرك اعضاؤه كل على طريقته لاقناع الناخب الاوحد بأنه الافضل له وللبنان، فواحد يحاول الايحاء اليه بأن علاقاته أوروبياً وأميركياً مفيدة له وأن خبرته الاقتصادية تخفف من تردي الوضع الاقتصادي اللبناني وبأن تحوله السياسي نهائي. وآخر يحاول ان يتحرك بأصالته الوطنية، وبعدم جدوى المخاطرة والمفاخرة. وثالث يحاول من خلال تأكيد شخصيته الهادئة والابتعاد عن العداوات والتحالف مع حلفاء سورية في لبنان اقناعها بأنه الافضل 0