تنشغل صالونات بيروت السياسية هذه الايام بسيناريوهات انتخابات رئاسة الجمهورية. واذا كانت بورصة الانتخابات شهدت تقلبات في الشهور الماضية فان الاسبوعين الماضيين حفلا بحديث التمديد للرئيس الياس الهراوي او التجديد له. وعلي رغم طغيان حديث التجديد والتمديد يؤكد عدد من السياسيين ان الباب لم يغلق تماما امام احتمال انتخاب قائد الجيش الجنرال اميل لحود. وفي غمرة الحيرة بين الاسمين يهمس بعضهم: لا تنسوا "النائب البقاعي" روبير غانم . واللبنانيون يتساءلون عن اسم صاحب الحظ والحظوة وساعة التمديد وساعة االجنرال. تتساءل الاوساط السياسية والشعبية اللبنانية عن الموقف الفعلي للقيادة السياسية السورية العليا من استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية المرتقب أواخر الصيف المقبل أو مطلع الخريف الذي يليه. وتتساءل أيضاً اذا كانت هذه القيادة حددت موقفاً ثابتاً ونهائياً من هذا الموضوع. وينبع التساؤلان من جملة أمور أبرزها إثنان. الاول هو التوسع في تداول أخبار تمديد ولاية الرئيس الحالي الياس الهراوي سنتين اضافيتين أو تجديدها من قبل القيادات السياسية في لبنان على تنوعها والتصرف على أساس وجود موقف سوري مؤيد لهذا الاتجاه. وقد عبر عن هذا الموقف أكثر من مرة حلفاء بارزون واساسيون لسورية في لبنان سواء في جلسات مغلقة أو أمام وسائل الاعلام. كما عبر عنه أركان سوريون في لقاءاتهم مع عدد من السياسيين اللبنانيين. والثاني هو الكلام الجازم الذي نقلته شخصيات سياسية عن مسؤول سوري رفيع بعد الاجتماع الاخير للمجلس الأعلى اللبناني - السوري وتضمن تأييداً صريحاً وواضحاً للتمديد بسبب المواقف التاريخية التي اتخذها الرئيس الهراوي واصراراً على تعديل فقرة واحدة من المادة 49 من الدستور الأمر الذي يجعل التمديد وحده ممكناً ويحول دون ترشح الموظفين للرئاسة الاولى وذلك انطلاقاً من انه لا تجوز مساواة أي كان على أهميته بالهراوي. هل من أجوبة عن هذين التساؤلين؟ القريبون من دمشق والمطلعون فعلاً على موقفها من الوضع اللبناني عموماً ومن استحقاق الانتخابات الرئاسية خصوصاً يعطون جوابين. يؤكد الأول ان القيادة السياسية السورية العليا لم تبحث حتى الآن في هذا الاستحقاق في صورة رسمية على رغم وجود ميول وعواطف لدى عدد من أعضائها حيال عدد من الاسماء المطروحة لشغل المنصب الاول في الدولة اللبنانية. ويستبعد ان تضع هذا الموضوع المهم والحيوي بالنسبة اليها على جدول أعمالها في المستقبل القريب لان الاستحقاق ليس داهماً ولأن اتخاذ قرار نهائي وحاسم في شأنه يرتبط بأوضاع وأمور متنوعة لم تحسم بعد بعضها اقليمي. اما ثانيهما فيلفت الى أن القيادة السياسية السورية العليا لا تمانع، من دون أي التزام من جهتها، في اطلاق لعبة التمديد للرئيس الهراوي أو التجديد اذا جازت تسميتها كذلك لأنها تقوي موقعها كناخب كبير أو ربما الناخب الأكبر. ولهذا السبب فإنها قد تكون أوحت لقادة حملة التمديد أو التجديد أنها تؤيدهم، الأمر الذي جعل تحركهم في الوسط السياسي اللبناني واسعاً وقوياً. وأبرز الفوائد التي أملت وتأمل هذه القيادة في تحقيقها من التداول الواسع لموضوع التمديد او التجديد هو الآتي: 1 - تعرف دمشق ان رئيس الجمهورية الياس الهراوي ليس "حبتين" كما يقال. وتعرف تالياً انه يعرف انها لن تتخذ قراراً نهائياً متعلقاً باستحقاق الانتخابات الرئاسية في هذه المرحلة لأسباب متنوعة. لكنها تعرف في الوقت نفسه أنه لا يمانع في طرح موضوع تمديد ولايته أو تجديدها على الرأي العام اللبناني وعلى الاوساط السياسية والنيابية. أولاً لأن هذا الموضوع قد يصبح جدياً عندما يصبح الاستحقاق داهماً، وقد يؤدي الى اتخاذ قرار نهائي ببقائه في قصر بعبدا مدة اضافية. وهذا أمر غير مستبعد في رأيه وفي رأي آخرين لأن سورية خبرته وعرفته وتأكدت من مواقع قوته ومن نقاط ضعفه وكذلك من الحسم في خياراته الاقليمية على رغم بعض الاخطاء التي ارتكبها أو التي استدرجه الآخرون الى إرتكابها سواء من داخل السلطة او من خارجها. كما انه غير مستبعد، لأن سورية قد لا تجد نفسها مستعدة "لتدريب" رئيس جديد أو للاحاطة به على نحو كامل تلافياً لأي خطأ "استراتيجي" قد يرتكبه، علماً أن لا أحد يستطيع ضمان عدم وقوعه في خطأ من هذا النوع. وثانياً لأن الموضوع نفسه، وان لم يتحول جدياً، سيبقى الهراوي رئيساً فعلياً للجمهورية حتى آخر يوم من ولايته. وطبيعي أن لا يمانع في ذلك لأنه يعرف طبيعة السياسة اللبنانية والسياسيين اللبنانيين ويعرف تحديداً أن العشب سينبت لا محالة على طريق قصر بعبدا في حال تأكد هؤلاء ان "الناخب الأكبر" لن يمدد ولايته أو لن يجددها. 2 - تعرف دمشق أن كلاً من رؤساء الجمهورية في لبنان تصرف في مطلع ولايته على أساس انه فتى العروبة الاغر وأظهر الكثير من التعاطف مع القضايا العربية وأبدى الكثير من الاستعداد للتنسيق مع العرب في معظم المواضيع المطروحة. وتعرف ان كلاً من هؤلاء تصرف في نهاية ولايته على أساس أنه فتى المسيحية الأغر وتحديداً فتى المارونية الأغر. وقد انعكس ذلك سلباً على مصالح عربية عدة، والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة كان الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي بقيت "المسيحية السياسية" اذا جاز التعبير بعيدة عنه وبقي هو بعيداً عنها حتى انتهاء ولايته. وهي تعرف ايضاً ان الرئيس الهراوي عانى كثيراً من ابتعاد الشارع المسيحي عنه منذ انتخابه رئيساً للجمهورية وحتى الآن على رغم تشديده على أن ما قام به ولا يزال يقوم به هو لمصلحة لبنان المسيحي - الاسلامي وخصوصاً لمصلحة المسيحيين، وهي تعتقد ان أقطاب هذا الشارع وبعض الموجودين في السلطة قد يحاولون اغراءه لتغيير الموقف المسيحي العام منه وتالياً استدراجه الى مواقف سياسية والى مواقع اقليمية وربما دولية من شأنها الحاق الأذى بالمصالح السورية وبالاستراتيجية السورية وانهم قد يستعينون للنجاح في ذلك بعوامل خارجية معينة. وتلافياً لحصول ذلك غضت القيادة السياسية السورية العليا النظر عن حملة التمديد له أو التجديد، لا بل انها أعطتها بعضاً من ضوء أخضر لتسهيل اقناعه بها وكذلك الناس. طبعاً لا يعكس ذلك عدم ثقة هذه القيادة في الرئيس الهراوي الذي أثبت في أكثر من "تجربة" اخلاصه لخياره اللبناني ولخياره الاقليمي. وانما يعكس صفات عدة للنظام السوري أبرزها الشك في كل الناس والحذر من كل الناس والتحفظ حيال كل الناس والخوف من كل الناس. والجميع يعرفون ان هذه الصفات، على رغم عدم محبة الناس لها، ساهمت كثيراً في ابعاد الاخطار الجدية عن هذا النظام سواء كانت من داخل أو من خارج. 3 - تحتاج سورية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة الى لبنان مستقر سياسياً وان في الحد الادنى باعتبار أن الاستقرار الأمني تؤمنه هي مباشرة على نحو غير مباشر. وفتح معركة الانتخابات الرئاسية منذ الآن يفسح امام تصارع كل الذين يعتبرون أنفسهم ناخبين محليين كباراً، الامر الذي يعطل مصالح الدولة ويشل أعمالها وتحركاتها. ومن هنا كان ايحاؤها لرئيس الحكومة رفيق الحريري بقيادة حملة التجديد وذلك من منطلق ان هذا الامر يعيد تحالفه والرئيس الهراوي الى سابق عهده ويمكنه من الاستمرار في السلطة وربما من تنفيذ الكثير من مشاريعه. واذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يصله ايحاء مماثل، الأمر الذي دفعه الى البقاء على الحياد حيال التمديد او التجديد، على الاقل حتى الآن، على رغم ميل قد يكون عنده لانتخاب رئيس جديد، فلأن موقعه يفرض عليه ذلك، فضلاً عن علاقاته السورية الوثيقة. 4 - تعتقد القيادة السياسية السورية العليا انها بغض النظر الذي مارسته حيال حملة التمديد وفرت لنفسها ورقة مهمة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، الى الاوراق الكثيرة، المهمة التي تملك، ذلك انها تستطيع ان تطلب من الجهات الدولية والاقليمية المعنية بهذه الانتخابات التي قد تكون غير متحمسة للتمديد او التجديد مقابلاً مهماً هو إطلاق يدها في اختيار الرئيس الجديد. موقف الهراوي رئيس الجمهورية الياس الهراوي منزعج كثيراً من تداول موضوع تمديد ولايته سنتين اضافيتين او تجديدها في الاوساط السياسية والاعلامية على ما يقول قريبون منه. وهو منزعج تحديداً من "اتهامه" بالسعي الى أحد هذين الأمرين من قبل أخصام له يعملون في الحقل العام فضلاً عن عدم وجود رغبة لديه في البقاء في سدة المسؤولية الرئاسية مدة اضافية وان أقصى طموحه هو تسليم الامانة في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل وهي في حال افضل من اليوم الذي تسلمها فيه. ولم تنفع الحجج التي أعطاها الهراوي ويعطيها في انتزاع الشك في موقفه الفعلي من التمديد او التجديد الذي يساور هؤلاء الاخصام وأبرزها على الاطلاق انه "لم يمت بعد لكنه شاف من مات" في السابق. وذلك يعني انه رأى "البهدلة" التي تعرض لها الرؤساء السابقون الذين استهوتهم فكرة التجديد وعملوا لها. ذلك أن الذي نجح منهم في تحقيق رغبته اسقطه الشعب في الثلث الاول من ولايته الثانية على رغم كونه أباً للاستقلال كما أن الذين لم يفلحوا في تحقيقها حصدوا نتائج وجودها في نفوسهم مشاكل متنوعة انعكست سلباً عليهم وعلى البلد. لماذا لا يصدق الاخصام المشار اليهم أعلاه ومعهم الرأي العام الرفض الرسمي المباشر وغير المباشر للتمديد او التجديد من قبل الرئيس الهراوي؟ الأسباب عديدة أبرزها الآتي: 1 - قوله في حديث تلفزيوني بث قبل أسابيع، في معرض تشديده على رفض تمديد ولايته أو تجديدها وتأكيده انه لن يتقدم ابداً بطلب تعديل الدستور من أجل هذه الغاية، انه يخضع لارادة المجلس النيابي في حال قرر تعديل الدستور من أجل جعل التمديد او التجديد ممكناً قانوناً. 2 - مبادرة رئيس الحكومة رفيق الحريري الى قيادة حملة الدعوة الى التمديد او الى التجديد في الاوساط السياسية والاعلامية والشعبية اللبنانية وكذلك في الأوساط السورية المعنية بلبنان وصاحبة الرأي الاساسي ان لم يكن الرأي الاول في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والحريري اطلق مبادرته بعد عودة الوئام الى علاقته مع الهراوي التي تردت اشهراً عدة ووصلت الى حد مطالبة الأخير سورية بمساعدته على اخراجه من رئاسة الحكومة. وهو الآن في حلف قوي معه. لو كان الهراوي فعلاً لا يرغب في التمديد او في التجديد لكان بامكانه الطلب الى رئيس حكومته التخلي عن هذه المبادرة وخصوصاً بعد البلبلة والارباك اللذين احدثتهما في الاوساط السياسية اللبنانية. 3 - إقدام اعضاء أساسيين في القيادة السياسية السورية العليا على تسويق فكرة التمديد أو التجديد للهراوي مباشرة ومن خلال الحلفاء في الاوساط السياسية اللبنانية. وكذلك ورود معلومات من دمشق تشير الى أن اشارة اعطيت للمعنيين في لبنان للسير قدماً في أحد هذين الموضوعين. وسورية ناخب كبير للرئيس العتيد او بالاحرى الناخب الاكبر. الفاعليات اللبنانية في المجلس النيابي معارضون بشدة للتمديد او التجديد. وقد عبر هؤلاء عن مواقفهم علناً أكثر من مرة ولا يزالون يعبرون عنها، وفيه ايضاً مؤيدون لطرح من الاثنين لكن تأييدهم لا يزال خجولاً وصامتاً. أما رئيس المجلس نبيه بري صاحب الدور الاساسي والاول في هذه المؤسسة الدستورية فإنه لم يتخذ موقفاً بعد من القضية المطروحة على رغم ان ميله هو لانتخاب رئيس جديد. لكن المجلس لا يشكل خطراً على التمديد او على التجديد اذا قرر الناخب الاكبر غير المحلي للرئيس العتيد اعتماد احدهما، ذلك ان الاكثرية فيه متحالفة معه. وهي تنسق معه في كل القضايا ولا سيما الفائقة الاهمية. وليس في هذا الكلام انتقاص من قيمة المجلس أو تقليل من احترامه. إذ أنه يعبر عن واقع يعرفه الجميع. وعند القيادات الدينية الاسلامية لم تظهر مواقف علنية ورسمية من الموضوعين المذكورين اعلاه. لكن المعلومات المتوافرة تشير الى وجود تيارين، واحد مؤيد للتمديد او التجديد وآخر معارض لهما. وليس ضرورياً الدخول في التفاصيل هنا تلافياً لأمور كثيرة. ولكن هذه القيادات ستتخذ في النهاية الموقف الذي يتفق عليه مع سورية لاعتبارات عدة معروفة. ومن شأن ذلك ان لا يجعل المسلمين عموماً عقبة في وجه الخيارين المذكورين اذا تبنت دمشق احدهما. الاّ أن العقبة الاساسية أمام التمديد او التجديد موجودة في الشارع المسيحي مع الاشارة هنا الى أن كلمة عقبة لا تعني ابداً أن المسيحيين يتمتعون بقدرة فعلية على منع التمديد او التجديد في حال قرره الناخب الاكبر ولم يعارض قراره هذا الناخب الدولي الكبير أي الولاياتالمتحدة الاميركية وكذلك في حال استمر الوضع الاقليمي على حاله الراهنة. وهذا مرجح وربما مؤكد إذ باستثناء "الكتلة الوطنية" وعميدها ريمون اده فإن أغلبية الفاعليات المسيحية تعارض التمديد أو التجديد لا بل ترفضهما. وهذا الموقف لا يقتصر على القوى التي رفضت ولا تزال ترفض اتفاق الطائف ورفضت معه الوضع السوري الحالي في لبنان مثل التيار العوني وحزب الوطنيين الاحرار. وانما يشمل الفاعليات التي أيدت هذا الاتفاق والتي عارضت طريقة تنفيذه. وكذلك الاجتزاء في هذا التنفيذ وفي مقدمها البطريركية المارونية التي يلتف حولها في هذه المرحلة قطاع كبير جداً من المسيحيين كما يشمل اقرب المسيحيين وتحديداً الموارنة الى سورية وفي مقدمهم النائب والوزير سليمان فرنجية الذي أعلن جهراً ومنذ مدة اسم مرشحه لرئاسة الجمهورية، وحزب الكتائب، واذا كان ممكناً ان يؤيد حلفاء سورية من الموارنة والمسيحيين التمديد للرئيس الهراوي او التجديد له بعد طول رفض بسبب تدخل سوري ما فإن الفاعليات المسيحية الاخرى لن تتخذ الموقف نفسه. واذا كان رفض التيار العوني لا يحقق الاثر المطلوب لانه أساساً خارج التركيبة التي أوقفت الحرب فإن رفض بكركي للتمديد أو التجديد لا بد أن يكون له اثر واسع وان غير حاسم. فهذا الرفض يربك الوضع السياسي الداخلي ويربك المعنيين بلبنان من جهات اقليمية ودولية ويجعل المرحلة المقبلة محفوفة بمخاطر جدية. وهذا الرفض الموجود حالياً على نحو غير رسمي ترجح المعلومات الواردة من بكركي تحوله رسمياً سواء بعظة للبطريرك صفير أو ببيان معلل يصدر عن اجتماع لمجلس الاساقفة والمطارنة الموارنة في احدى المراحل. وهذا الموقف يعرفه الفاتيكان من خلال سفيره في لبنان المونسينور بابلو بوانتي الذي سمعه شخصياً من البطريرك صفير. كما سمعه عدد كبير من زوار بكركي. بانتظار الحسم يعتقد عدد من الشخصيات السياسية ان هذا الحسم سيتم خلال الدورة العادية لمجلس النواب التي ستبدأ أواخر الشهر الجاري. أولاً لأن تعديل الدستور الذي لا تمديد من دونه لا يمكن ان يحصل الاّ في دورة عادية. وثانياً لأن التعديل المطروح سيتقدم به نواب لا يقل عددهم عن عشرة، ومن شأن ذلك ربط الحكومة بمهلة أربعة أشهر تحتاج اليها لكي تقدم الى مجلس النواب مشروعاً بالتعديل الذي يكون النواب صوتوا عليه وهذه المهلة لا يوفرها انتظار الدورة العادية الاخرى التي تبدأ في "التشارين" وذلك لأن الانتخابات الرئاسية يفترض ان تجري خلال الدورة نفسها. طبعاً الاّ إذا بادر رئيسا الجمهورية والحكومة الى التقدم بمشروع لتعديل المادة 49 من الدستور. وعندها يمكن الانتظار حتى دورة "التشارين" العادية. وثالثاً لان هناك من يعتقد بأنه لا يجوز ان يتخذ مجلس النواب قرارات اساسية مثل تعديل الدستور من تاريخ بدء المهلة المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية أي من 24 أيلول 1995 حتى 24 تشرين الثاني من العام نفسه. ذلك ان هذه الفترة تصبح او يفترض أن تصبح مخصصة لتصريف الاعمال وللتحضير لانتقال السلطة من رئيس الى آخر. انطلاقاً من ذلك كله هل يمكن التأكيد بأن التمديد للهراوي صار خياراً نهائياً؟ المعلومات المتوافرة عند اكثر من جهة تشير الى أن التمديد جدي. لكنه لم يصبح بعد قراراً ثابتاً ونهائياً. فهو أكثر من تكتيك. وأقل من استراتيجية. وقد يكون رميه في سوق التداول الاعلامي والسياسي يهدف الى رصد ردود الفعل عليه في الاوساط السياسية اللبنانية ولا سيما السياسية منها، وكذلك في الاوساط الدولية المعنية بلبنان وانتخاباته الرئاسية ولا سيما الولاياتالمتحدة. فإذا كانت ردود الفعل هذه مرحبة او غير متحفظة وان غير متحمسة يبقى الهراوي في بعبدا سواء سنتين اضافيتين او ولاية جديدة كما يرجح العارفون. واذا لم تكن كذلك فإن باب الاختيار يفتح ساعتها امام المرشحين على تنوعهم، إلاّ أنه لا بد في هذا المجال من الاشارة الى أن الاميركيين غير متحمسين للتمديد او التجديد على رغم اقتناعهم بأن الهراوي ليس معادياً لهم ولمصالح دولتهم وبأنه ينتظر الفرصة السانحة لتصحيح المسار في البلد على النحو الذي يرتاحون اليه. وعدم حماسهم يعود الى إقتناعهم بأن لبنان في حاجة لرئيس ماروني جديد قادر على استعادة المسيحيين وتحديداً الموارنة الى لبنان الوطن ولبناء الدولة بحيث يساعد ذلك في ازالة مظاهر الاخلال بالتوازن الوطني القائم حالياً. ويعود ايضاً الى اقتناعهم بعجز الهراوي عن القيام بهذه المهمة لاسباب عدة معروفة. طبعاً لا يعني عدم الحماس هذا ان الولاياتالمتحدة ستضع "فيتو" على التمديد او على التجديد في حال أصرت سورية على واحد منهما، ذلك ان اختيار الرئيس اللبناني الاول هذه المرة هو من حق سورية في رأيها على أن يكون لها رأي فيه. والرأي يعني ان لا يكون معادياً لها ولمصالحها. هل يعني طغيان الحديث عن التمديد او التجديد ان حظوظ المرشح العسكري العماد اميل لحود الداخل الى قصر بعبدا في ثياب مدنية قد تقلصت بعدما كانت طاغية قبل أسابيع؟ لا شك في أن الرئيس الهراوي والرئيس رفيق الحريري وآخرين نجحوا في حملتهم الرامية الى قطع الطريق على وصول هذا المرشح الى الرئاسة الاولى وذلك من خلال أمرين، أولهما اثارة الخوف في نفوس اللبنانيين من قيام حكم عسكري في لبنان يقضي على الحريات والديموقراطية او يهددها على الاقل. وفي لبنان تجارب عدة تعزز خوفاً كهذا. وثانيهما اثارة شكوك سورية في مدى التزام العسكري اياه التنسيق معها الى أبعد الحدود خصوصاً انه قوي بمؤسسته العسكرية وبدعم اميركي واسع. هذا فضلاً عن اثارة الشكوك في قلة خبرته السياسية. لكن على علم ذلك، يقول العارفون، لا يزال هذا العسكري مرشحاً جدياً. ولا يزال هناك مجال متسع لوصوله الى السلطة أو على الاقل لمنع حصول التمديد او التجديد، والتطورات المرتقبة خلال الاشهر المقبلة لا بد أن تؤكد ذلك... أو تنفيه.