معارضو التمديد لرئيس الجمهورية الياس الهراوي لا يزالون "يتكلون" على العملية السلمية لإبعاد هذه الكأس "المرة" في نظرهم عن شفاههم وعن شفاه جميع اللبنانيين. ذلك ان ارتفاع اسهم هذا الخيار ما كان ليحصل في رأيهم قبل اشهر عدة لولا الجمود الذي كان مسيطراً في حينه على العملية المذكورة وتحديداً على المسار التفاوضي السوري - الاسرائيلي ولولا الخوف من تحول هذا الجمود تعثراً دائماً. والجمود يقتضي ابقاء كل شيء في لبنان على حاله ولا سيما في رئاسة الدولة خصوصاً ان قطاعات لبنانية عدة كانت تنتظر استحقاق الانتخاب الرئاسي لإحداث تغيير في هذا الموقف يؤدي الى سلسلة من التغييرات السياسية في الداخل وربما في العلاقة مع الخارج. والآن بعد عودة الروح الى المفاوضات بين دمشق وتل ابيب وبعد تأكد المشتركين فيها والمعنيين بها من انها ستصل حتماً الى نهاية ايجابية، سواء قبل الانتخابات العامة في اسرائيل المقررة السنة المقبلة او بعدها، عاد الى الامل في اضعاف خيار التمديد الى نفوس هؤلاء وعادت الحماسة الى نشاطهم الرامي الى إقناع الناخبين الكبار بعدم صلاحيته لهم وللبنان. ماذا سيفعل المنتخب هل اتكال معارضي التمديد المشار اليه اعلاه في محله؟ وكذلك الربط بين عملية السلام واستحقاق الانتخاب الرئاسي في البلد؟ المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة لا تعتقد اساساً بوجود أي رابط بين استحقاق الانتخاب الرئاسي في لبنان وبين العملية السلمية الشرق الاوسطية الجارية سواء أثمرت تسوية في نهاية المطاف او انتهت الى فشل ذريع يبقي المنطقة مشرعة الابواب امام الحروب، ذلك ان ما سيفعله الرئيس الهراوي الممدد له ثلاث سنوات اضافية في حال فشلت العملية السلمية او ارجئت ثمارها الى موعد غير محدد لا يستطيع ان يفعل غيره أي رئيس جديد منتخب. كما ان الرئيس الجديد المنتخب لن يفعل في حال نجاح العملية السلمية أكثر مما يستطيع الرئيس الهراوي الممددة ولايته ان يقوم به، وهذه حقيقة تنبع من درس متعمق لطبيعة الاوضاع في لبنان وحجم القوى الاقليمية والدولية المعنية عادة بالاستحقاق الرئاسي المذكور وكذلك لدور كل منها فيه. وذلك كله، في هذه المرحلة، يدل على نحو ثابت او شبه ثابت ان الناخب الاكبر لرئيس الجمهورية في لبنان في هذه المرحلة او في الاشهر المقبلة سيكون سورية، إما الولاياتالمتحدة التي يتمنى لبنانيون كثيرون ان تكون اما الناخب الأكبر وإما شريكاً لسورية في هذه المهمة فلا يبدو انها متعلقة بدور كهذا لا عن قصور وعجز وانما عن اقتناع بأن ترك الامر لسورية يعزز فرص التوصل الى تسوية مع اسرائيل في الشرق الاوسط وعن معرفة بأن القيادة السياسية العليا في سورية لن تقدم على اختيار اعداء لأميركا وتنصيبهم في مراكز القرار في لبنان. وهو يحدد في طريقة او اخرى فئة المرشحين للرئاسة الاولى الذين لن يختلف اداء كل منهم في الموقع الرسمي عن اداء الآخرين ولا سيما في القضايا الاساسية والاستراتيجية. الثلاثة معا وانطلاقاً من ذلك تعتبر المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة اياها ان اتكال المعارضين للتمديد على العملية السلمية ليس واقعياً لا بل انها تذهب ابعد من ذلك فتقول ان المعلومات التي في حوزتها تشير الى أن التمديد للهراوي، والبعض يقول التجديد، ارتفعت نسبة حظوظه كثيراً بحيث تكاد ان تقارب المئة في المئة مع الاشارة هنا الى أن قراراً نهائياً في هذا الصدد لم يتخذ بعد من الناخب الاكبر الذي هو سورية. واذا كانت هذه المعلومات غير جديدة في نظر الكثيرين في لبنان ولا سيما الذين منهم ايدوا التمديد وتبنوه وروجوا له فإن الجديد فيها هو ان التمديد لن يقتصر على ولاية الرئيس الهراوي وانما سيشمل رفيقيه في "الترويكا" الرئاسية اي الرئيسين نبيه بري ورفيق الحريري. فالاول حليف موثوق فيه مئة في المئة ووجوده ضروري على رأس المجلس الذي سينتخب بعد زهاء سنة من الآن وذلك لضبط الامور وتوجيهها حيث تقضي المصلحة المشتركة اللبنانية - السورية. وتجربته على هذا الصعيد كانت ناجحة ولا تزال ناجحة من خلال رئاسته لمجلس العام 1992، والثاني حليف لسورية يزداد الوثوق فيه يوماً بعد يوم. وهو الوحيد القادر في نظرها في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان والمنطقة ان يمنع الاوضاع من التدهور ولا سيما الاقتصادية منها. وهو يحظى بثقة القادرين في المجتمع الدولي وفي مقدمهم الولاياتالمتحدة الاميركية وفرنسا فضلاً عن المجتمع العربي. الامر الذي يجعل هذا المجتمع يعتبر انه لم يبعد عملياً عن لبنان. وذلك ان "الترويكا" الرئاسية هي التي تحكمه وليس واحداً من اعضائه فقط. العسكريون أيضاً هل يقتصر التمديد على المدنيين؟ المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة تجيب، استناداً الى معلوماتها، بأن تقلص حظوظ قائد الجيش العماد اميل لحود في الوصول الى رئاسة الجمهورية لأن الناخب الاكبر لم يحبذ هذا الخيار لا يعني ابداً عدم تقدير لما انجز في المؤسسة العسكرية ولمناقبيته وعدم استمرار الحاجة اليه ولكن في موقعه الحالي وليس في أي موقع سياسي آخر. وهذا يعني ان قيادته للجيش ستستمر وفق الصيغة القانونية اللازمة. كما سيتم ابقاء معاونيه الكبار في الجيش في مناصبهم ولا سيما الذين منهم يتولون مواقع امنية. اما تقلص الحظوظ المشار اليه اعلاه فله اسباب عدة منها عدم استعداد الناخب الاكبر للموافقة على وجود شخصية تحظى بدعم العسكر وبدعم الولاياتالمتحدة في السلطة قبل انتهاء العملية السلمية وتحديداً قبل تكريس دورها اللبناني من خلالها. ولا يعكس ذلك شكاً في العماد بقدر ما يعكس حذراً هو من طبعه. هل يمكن اعتبار معلومات المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نهائية؟ هي ليست كذلك. فكل شيء في السياسة يبقى عرضة للتغيير في أي لحظة او في آخر لحظة، لكن الاسباب التي تجعلها مقنعة كثيرة ولا سيما في ما يتعلق برئاسة الدولة. اما رئاسة مجلس النواب فهي مبدئية محسومة للرئيس بري في المجلس المقبل الاّ اذا ارتكب اخطاء قاتلة او "فاولات" احرجت الناخب الاكبر او دفعت قوى دولية كبرى ونافذة الى اعتباره عدواً وتالياً الى وضع فيتو في مقابل اسمه. وأما رئاسة الحكومة فهي معقودة اللواء للحريري الاّ في حالتين: الاولى تفاقم الوضع الاجتماعي والوضع الاقتصادي بشكل يدفع اصحاب القرار الفعلي في البلد الى ازاحته. وقرار من هذا النوع يصبح متوقعاً اذا اتخذ التفاقم المذكور منحى غير قابل للضبط. والثانية تفضيل اللبنانيين والسوريين ان تتولى الاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة اي بعد زهاء سنة حكومة حيادية. ومعروف ان الرئيس الحريري ينوي خوض هذه الانتخابات بقوة. وفي هذه الحال فإنه قد يعود الى الرئاسة الثالثة بعد الانتخابات. بين احتمالين معارضو التمديد والمراقبون يقولون إن من شأنه زيادة الهريان في البلد والعفن والتدهور على كل الصعد، واخصام سورية من اللبنانيين وغير اللبنانيين يتهمونها بالعمل لايصال لبنان الى الحال المذكورة لجعله عاجزاً عندما يحل السلام في المنطقة عن اتخاذ اي قرار او موقف يلغي دورها اللبناني او يقلصه. ويعتبر هؤلاء ان هدفها الاساسي هو اعادة اللحمة عملياً بين لبنان وسورية مع بقائهما دولتين مستقلتين وان نظرياً بالنسبة الى الاول لان الظروف الدولية لا تسمح بادخال تعديل على الكيانات السياسية والجغرافية. اما حلفاء سورية فينفون ان يكون هدفها احتواء لبنان الدولة وجعله يدور في فلكها. وفي هذا المجال يؤكد هؤلاء أن دور سورية في لبنان سيستمر لأنه حاجة لبنانية اولاً ولأنه حاجة اقليمية ودولية ثانياً. لكنهم يدعون في الوقت نفسه اخصام سورية الى عدم الخوف على لبنان فيها. ذلك ان التوازن الاقليمي الذي سيسيطر على المنطقة بعد السلام مع اسرائيل والذي سترعاه وتشرف عليه لا بل ستديره الولاياتالمتحدة الاميركية سيؤمن للبنان الحد الادنى من الاستقلال والسيادة وسيؤمن لشعبه الحد الادنى من الحرية والتوازن في ظل العيش المشترك. والنجاح في ذلك يقتضي التزاماً كاملاً من اللبنانيين مسيحيين ومسلمين بوطنهم واستعداداً للتضحية من أجله.