يعيش لبنان أزمة سياسية حادة بسبب استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي يفترض ان تجري قبل شهر على الاكثر من انتهاء ولاية الرئيس الحالي الياس الهراوي في 23 تشرين الثاني نوفمبر المقبل. والازمة ناتجة تحديداً عن أمرين مهمين: أولهما اقتراح عدد من القيادات السياسية تمديد ولاية الرئيس الهراوي سنتين أو ثلاث سنوات. وقد أغضب ذلك المرشحين للرئاسة الاولى وأخاف الفئات اللبنانية التي اعتبرت ان الرئاسة الحالية لم تنجح في رأب الصدع داخل المجتمع اللبناني لا بل انها على العكس من ذلك عمقت الانقسامات ورسّخت اللاتوازن الوطني. وأثار قلق الحريصين على الدستور لأن التمديد يستلزم تعديلاً للمادة 49 منه وتحديداً للفقرة منها التي تحظر اعادة انتخاب رئيس الجمهورية الاّ بعد ست سنوات من انتهاء ولايته، اضافة الى كون التعديل يفتح الباب امام تعديلات جوهرية تمس توازن التركيبة السياسية الحاكمة. والامر الثاني هو انتخاب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية وقد أثار ذلك خوف الطبقة السياسية من قيام حكم عسكري في البلد يحملها مسؤولية تدهور الاوضاع. كما أثار خوف التيارات السياسية المؤمنة بالنظام الديموقراطي البرلماني والتي تخشى من العسكر. كيف يمكن القضاء على هذه الازمة قبل تحولها مأزقاً يهدد الجمهورية الجديدة التي لم تكمل عامها السادس بعد؟ يعتقد بعض السياسيين بأن تخلي الرئيس الهراوي عن طموح تمديد ولايته هو الطريقة المناسبة للقضاء على هذه الازمة، بينما يعتقد البعض الآخر بأن تخلي العماد لحود عن طموح الوصول الى قصر بعبدا هو طريقة مناسبة اخرى للقضاء على الازمة. لكن مصادر سياسية مطلعة تعتقد بأن الطريقتين المذكورتين اذا كانتا تزيلان المأزق الراهن، الا انهما لا تمنعان بروز مأزق آخر كل ست سنوات وقبل انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية. والتجارب السابقة في لبنان تؤكد هذا الوضع، فالرئيس الاستقلالي الاول بشارة الخوري تسبب في "ثورة بيضاء" أنزلته عن كرسي الرئاسة الاولى بعد ثلاث سنوات من تجديد ولايته. والرئيس كميل شمعون افسح في المجال امام جهات داخلية وخارجية لكي تشعل ثورة 1958، عندما اظهر رغبته في تجديد ولايته. والتجديد للشهابية من دون مؤسسها في العام 1964 ساهم في تكتل جهات لبنانية معنية على أساس طائفي، فكان ذلك من أسباب تدهور الاوضاع وتالياً الحرب التي اندلعت في العام 1975 واستمرت نيفاً و16 سنة. ورغبة الرئيس امين الجميل في التجديد حالت، مع أسباب اخرى جوهرية، دون انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية. فكانت حكومة العسكريين برئاسة العماد ميشال عون تلافياً للفراغ، وكانت الحربان المدمرتان، التحرير والالغاء. وفي ما يتعلق بالعسكريين الطامحين، تضيف المصادر نفسها، ان الوضع لم يختلف كثيراً، فالطموحات الرئاسية للواء فؤاد شهاب هي التي جعلت احداث العام 1958 تتخذ ذلك الحجم الواسع وهي التي املت عليه الوقوف منها على الحياد، كما يقول اخصامه. وقد وفّر ذلك الموقف الوصول الى الرئاسة الاولى. وطموحات العماد ميشال عون الرئاسية بعدما تسلم قيادة الجيش هي التي تسببت في اكثر من اشكال بينه وبين السلطة السياسية وبينه وبين الميليشيات المسيحية، والطريق الافضل لتلافي حصول ازمات مماثلة ولمنع تحولها مأزقاً في رأي المصادر نفسها هي التي تؤدي الى تعديل نهائي للدستور في الاتجاهين الآتيين: 1 - تقصير ولاية رئيس الجمهورية، أي رئيس جمهورية، الى أربع سنوات مع النص على امكان تجديدها مرة واحدة. وبذلك يصبح التجديد أمراً طبيعياً فلا يسبب أية مشاكل. 2 - العودة الى النص الدستوري القديم المتعلق بشروط انتخاب موظف في الخدمة الفعلية رئيساً للجمهورية. وهذا النص كان يلزم الموظف الاستقالة من منصبه قبل ستة اشهر من موعد الانتخابات الرئاسية. الا ان دون هذا الحل صعوبات، فرئيس الجمهورية، او بالاحرى المرشح لرئاسة الجمهورية، اي مرشح، لن يقبل ان تتساوى فترة ولايته مع فترة ولاية رئيس مجلس النواب وهي أربع سنوات، علماً ان الولايتين غير متساويتين في كل الدول التي تعتمد الديموقراطية والنظام البرلماني. والطائفة الشيعية التي ينتمي اليها رئيس مجلس النواب لن تقبل تقصير ولايته، سواء بجعلها سنتين أو بإعادتها سنة واحدة كما كانت الحال قبل "اتفاق الطائف" والتعديلات الدستورية المنبثقة منه. ذلك انها تعتبر ان تطويل هذه الولاية لبى مطلباً مزمناً عندها هو المشاركة فعلياً في التركيبة الحاكمة، فضلاً عن ان الرؤساء لن يتمكنوا، في حال تقصير ولايتهم الى أربع سنوات، من القيام بأي عمل منتج لانهم سيصبحون اسرى النواب وكذلك أسرى فكرة التجديد. وهذا الامر واضح في انظمة قوية كنظام الولاياتالمتحدة فكيف في لبنان البلد المركب والضعيف. اما الموظفون الكبار فقد يحرمهم التعديل الذي يحتم عليهم الاستقالة فرصة خوض الانتخابات الرئاسية لأن الاستقالة تفرض عليهم التنازل عن موقع من دون ان تضمن لهم موقعاً آخر. وهنا يلفت البعض الى أن الطرح المتعلق بالموظفين في الخدمة الفعلية يرمي الى ازاحة العماد لحود عن رأس المؤسسة العسكرية اكثر مما يرمي الى تسهيل امره وامور غيره من الموظفين الطامحين الى الرئاسة الاولى. وسط هذه الاجواء أين أصبح الاستحقاق الرئاسي في ضوء محاولات توفير الظروف، سواء للتمديد أم لانتخاب موظف للرئاسة الاولى؟ رئيس مجلس النواب نبيه بري انهى مشاوراته مع النواب والفاعليات السياسية والحزبية والدينية. ولوحظ من حصيلتها "الاعلامية" ان هناك أربعة مواقف: 1 - عدم تأييد الغالبية لتعديل الدستور من حيث المبدأ، خصوصاً اذا كان الهدف منه تركيب الاوضاع الرئاسية لشخص معين او لاكثر من شخص. 2 - ميل الغالبية، في حال فرضت ظروف وطنية تعديل الدستور، الى أن يتناول هذا التعديل فقرتين اساسيتين من المادة 49 بحيث يصبح متاحاً تمديد ولاية الرئيس الهراوي وكذلك انتخاب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية او اي موظف آخر لا يزال في الخدمة الفعلية. 3 - تأييد اقتصار تعديل الدستور على الفقرة التي تسمح بتمديد ولاية الرئيس الحالي للجمهورية. 4 - اصرار الغالبية او ربما كل الذين اشتركوا في المشاورات على الفصل بين موعد حسم قضية التعديل الدستوري سلباً او ايجاباً ولفقرة من المادة 49 أو لفقرتين وبين الموعد الدستوري للانتخاب. وذلك يعني ان الانتخاب او التمديد او التجديد يجب ان يحصل ضمن المهلة التي حددها الدستور اي قبل ستين يوماً من موعد انتهاء الولاية الرئاسية، وهذا الموعد هو 23 من شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل. الاّ أن عدداً من المصادر السياسية الواسعة الاطلاع يدعو في هذا المجال الى عدم الركون في المطلق الى المواقف الاعلامية من التعديل الدستوري التي أعلنها الذين شملتهم استشارات الرئيس بري. ذلك ان المواقف الحقيقية في اثناء الاستشارات قد تكون مختلفة كلياً او جزئياً عن المواقف المعلنة. في ضوء كل ذلك ما هي حظوظ التمديد، وتحديداً حظوظ التعديل الاحادي وحظوظ التعديل المزدوج للمادة 49؟ يرجح العارفون ان تكون حظوظ التعديل المزدوج اكبر، ويستبعدون تعديلاً احادياً. وفي حال الاصرار على الأحادي فإنهم لن يفاجأوا اذا قرر الناخب الاكبر، وهو سورية، صرف النظر عن التعديل كله، الامر الذي يقضي على فرصة التمديد او التجديد وعلى فرصة انتخاب الموظف في الخدمة الفعلية رئيساً للدولة. وفي هذا المجال يبدي هؤلاء ملاحظات قد توضح معالم المعركة الرئاسية، ومنها الآتية: 1 - تأكيد الرئيس حافظ الاسد لرئيس مجلس النواب نبيه بري قبل اسابيع ان سورية لم تتخذ بعد قراراً نهائياً من استحقاق الانتخابات الرئاسية اللبنانية. لكنه امتدح الرئيس الهراوي كثيراً. 2 - أخطأ الرئيس الهراوي في ادارة معركة التمديد. وشاركه في الخطأ رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري وذلك عندما مارسا ضغطاً من اجل جعل التمديد او التجديد حقيقة واقعة استناداً الى وعد يقول الهراوي انه حصل عليه من الرئيس الاسد. علماً أن أحداً لا يستطيع ان يعرف ماذا دار بين الرئيسين. ذلك ان هذا الضغط أربك سورية وحلفاءها في لبنان وعطل أو يكاد ان يعطل خيار التمديد، فنزول الرئيس الى الساحة أدى الى بروز نيابي وسياسي معارض. 3 - يحظى الهراوي باحترام دمشق وتقديرها، مثلما يحظى بهما قائد الجيش. ولذلك فإنها تحرص على أن لا يؤدي الخيار الرئاسي الذي سيعتمد بضوء أخضر منها الى الاضرار بأي منهما. لكن الطريقة التي أدير بها الاستحقاق الرئاسي وفرت الظروف لكي يشعر كل منهما بالخسارة الكبير في حال لم يقتصر عليه الخيار الرئاسي. فالهراوي لم يقصر في حق لحود وهاجمه أمام كبار المسؤولين السوريين واللبنانيين وسائر الفعاليات السياسية، والعماد لحود لم تصدر عنه كلمة فيها مسّ بالرئيس الهراوي لكن محيطه ومعاونيه لم يقصروا في هذا المجال. وبادلوا الاخير مواقف مماثلة. وعلى هذا فإن "وقوع القرعة" على التعديل الاحادي، سواء لمصلحة الهراوي أم لمصلحة لحود سيلحق الضرر بواحد منهما. كما ان اعتماد التعديل المزدوج سيؤذي الرئيس الهراوي لأنه يقلل حظوظ التمديد كما انه يساويه بموظف. الا ان لبعض العارفين نظرة مختلفة الى هذا الموضوع. فهو يعتقد بأن هدف سورية الاساسي كان تكبير حجم الرئيس الهراوي لبنانياً ومحاولة تحقيق نوع من الاجماع الوطني عليه لاعطاء شرعية وطنية للعلاقات اللبنانية - السورية التي حددت معاهدة الاخاء والتعاون والتنسيق الموقعة بين لبنان وسورية مبادئها والتي فصلت بعضها الاتفاقات الثنائية المنبثقة عنها والتي ستحدد الاتفاقات الاخرى المرتقبة تفاصيلها السياسية. وعند حصول موعد الاستحقاق يفترض في رئيس الجمهورية ان يتخذ الموقف المناسب في ضوء الاجماع الوطني على إبقائه في سدة الرئاسة الاولى، ويفضل ان يكون برفض التمديد. وساعتها يخرج من المسؤولية رئيساً تاريخياً يحظى بتقدير وطني وسوري لكن بعدما يكون افسح المجال امام انتخاب رئيس جديد يكمل المسيرة. لكن "حسابات الحقل عند سورية لم تنطبق على حسابات البيدر". ذلك ان الهراوي لم ينتبه او ربما لم يشأ أن ينتبه الى "النظرة الاستراتيجية" السورية للموضوع. اذ بادر من الرفض العلني للبقاء في الحكم بعد انتهاء ولايته الى تبني التمديد والترويج له. وصار بذلك فريقاً في معركة داخلية بعدما كان مرجعاً وحكماً، او بعدما كان يراد له ان يكون حكماً ومرجعاً. وأربك ذلك سورية لأنها لا تستطيع ان تقبل بأن يكون حليفها الاول رئيس دولة لبنان وأن يبقى موضع جدل او موضع نزاع. ولهذا فإنها تفتش عن حل لهذا المأزق. والحل قد يكون باعطاء الهراوي تعويضاً عن انتهاء التمديد وذلك بابعاد الرئاسة الاولى عن لحود مع التعويض علىه بالتمديد له قي قيادة الجيش، وقد تكون ايضاً باعتماد التمديد للهراوي ولحود، مع تقديم وعد مبدئي للأخير بأن حظوظه الرئاسية ستكون اكبر بعد انهاء الولاية الممددة. وقد يكون اخيراً باختيار لحود رئيساً للدولة بمبادرة من الهراوي. اما في حال تجديد ولاية الهراوي ست سنوات فإن مصادر تعتقد بأنه سيبادر قبل انتهائها بسنوات، خصوصاً اذا توافرت الظروف الملائمة على الصعيد الاقليمي، الى الاستقالة من الرئاسة مفسحاً في المجال امام وصول العماد لحود اليها، ولا يعتقد احداً بأنه قد يمتنع عن ذلك في حال قرر الناخب الاكبر، اي سورية، ذلك. ويطمئن العارفون الخائفين على الحريات وعلى الديموقراطية من وصول العماد لحود الى الرئاسة الاولى، سواء الآن أو بعد بضع سنوات، بالآتي: 1 - لا يمكن اقامة حكم عسكري في لبنان بسبب تركيبته المتنوعة القابلة للتفجر. 2 - لا يمكن اقامة حكم مخابراتي مئة في المئة في لبنان للسبب نفسه. 3 - لا ينوي العماد لحود تغيير النظام اللبناني وانما سيحاول المساهمة في اعادة بناء لبنان ومؤسساته بعد النجاح الذي حققه في بناء مؤسسة الجيش. 4 - لا تستطيع سورية ان تقبل رئيساً "يمون" على الجيش لاعتبارات عدة تتعلق بها. ولذلك فإن وصول لحود الى الرئاسة الاولى لا بد ان يرافقه تعيين قائد للجيش وجهاز مخابرات جديد لا "يمون" عليهما. ومن شأن ذلك دفعه الى حصر همه في المساهمة في اعادة البناء. وفي اي حال هذه هي صورة استحقاق الانتخابات الرئاسية الآن. وهي مشوشة، وجلاؤها غير ممكن قبل اواخر الصيف المقبل. هل تفضل انتخاب رئيس للجمهورية من داخل مجلس النواب أم من خارجه؟ المنطقة والديانة من داخل من خارج لا جواب مجلس النواب مجلس النواب شرق بيروت 12.76 $ 77.19 $ 10.07 $ غرب بيروت 23.95 $ 60.41 $ 15.63 $ الشمال 25.92 $ 46.66 $ 27.41 $ الجنوب 20.74 $ 76.83 $ 02.44 $ البقاع 24.53 $ 63.21 $ 12.27 $ جبل لبنان 15.91 $ 63.64 $ 20.46 $ الضاحية الجنوبية 28.99 $ 65.22 $ 05.80 $ الشريط الحدودي 22.92 $ 77.09 $ 00.00 $ الشوف وعاليه 25.00 $ 54.55 $ 20.46 $ مسيحيون 16.98 $ 69.10 $ 13.91 $ مسلمون 27.37 $ 61.67 $ 10.95 $ هل تؤيد انتخاب رئيس يستمر على النهج السياسي الحالي؟ الدين أعارض أعارض أؤيد أؤيد لا جواب بشدة بشدة مسيحيون 28.53 $ 52.59 $ 15.09 $ 01.17 $ 02.59 $ مسلمون 16.13 $ 40.63 $ 30.45 $ 10.66 $ 02.01 $ هل تؤيد انتخاب رئيس يكون مع الغاء الطائفية السياسية؟ الدين أعارض أعارض أؤيد أؤيد لا جواب مسيحيون 20.75 $ 37.26 $ 32.07 $ 07.54 $ 02.35 $ مسلمون 02.88 $ 09.79 $ 33.42 $ 53.89 $ 00.00 $