تكاد الاوساط السياسية اللبنانية ان تجمع على أن الاعداد لانتخابات رئاسة الجمهورية المرتقبة أوائل الخريف المقبل واكبته اخطاء عديدة ارتكبها المعنيون بها مباشرة على تنوع خياراتهم وتناقضها. العاملون لتمديد ولاية رئيس الجمهورية الحالي الياس الهراوي او لتجديدها ارتكبوا اخطاء عدة أبرزها الآتي: 1 - مبادرة المستفيد الاول والمباشر من التمديد او التجديد الذي هو رئيس الجمهورية الى النزول الى المعركة "بقضه وقضيضه" كما يقال من أجل ازالة العقبات التي تعترض بقاءه في قصر بعبدا مدة اضافية. وقد تجلى ذلك في خطوات عدة، منها مصارحته عدداً من النواب ومن الفاعليات السياسية برغبته في التجديد او في التمديد مباشرة حيناً ومداورة حيناً آخر. ومنها أيضاً إصراره على أن يقتصر تعديل المادة 49 من الدستور اللبناني على الفقرة التي تمنع التمديد او التجديد الامر الذي يزيل من دربه منافساً قوياً هو قائد الجيش العماد اميل لحود. ذلك ان المادة 49 نفسها تحظر في فقرة اخرى انتخاب موظف في الخدمة الفعلية رئيساً للجمهورية وتشترط لحصول ذلك استقالته من الوظيفة قبل سنتين من موعد الانتخاب. وقد ذهب الهراوي بعيداً في هذا المجال اذ هدد الساعين من أجل تعديل مزدوج لهذه المادة الدستورية بأنه سيمتنع عن توقيع التعديل ويحول دون جعله نافذاً قانوناً في حال نجاحهم في مساعيهم، ومنها اخيراً مفاتحته القيادة السياسية العليا في سورية مباشرة بموضوع التمديد وحضه اياها على مساندته لتحقيقه وعلى اسقاط الخيارات الاخرى التي في أذهان أعضائها، علماً أنه ما كان ليفكر في هذا الامر لولا إشارات ايجابية حيال التمديد تلقاها في الاشهر القليلة الماضية، اكثر من مرة، من اعضاء في هذه القيادة. والمعلومات المتوافرة على هذا الصعيد تشير الى أنه تلقى الاشارة الاولى من نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام بعيد انتقاله من المقر المؤقت للرئاسة في الرملة البيضاء الى قصر بعبدا، لكنه لم يقبضها جد في حينه اذا اعتبر ان معطيها قد يكون في وارد "المزاح" او ما شابه ذلك. وقد صدمت مواقف الرئيس الهراوي المذكورة الرأي العام اللبناني، ذلك أنها كشفت، على حدّ قول مصادر سياسية، ان كل ما قاله في السابق اي في الماضي القريب سواء لوسائل الاعلام او لشخصيات سياسية ودينية عن زهده في التمديد وعن انتظاره انتهاء ولايته بفارغ صبر وعن اعتباره بالماضي حين تضرر كل الرؤساء سواء الذين سعوا الى التمديد او الى التجديد. وأضافت المصادر ان مواقف الهراوي كشفت ان كل ذلك كان زهداً مصنطعاً، وطبيعي ان يزعزع ذلك ثقة الرأي العام في رئيس الدولة، وان يجعله يميل الى الاعتقاد بأن دوافعه التمديدية قد لا تكون وطنية كلها وانما بعضها مرتبط بشهوة السلطة. 2 - مبادرة رئيس الحكومة رفيق الحريري الداعي الاول للتمديد الى التحرك العلني والسريع والضاغط من اجل ازالة العقبات من امامه. وقد شمل هذا التحرك النواب اذ راح يستقبلهم في قصره جماعات وافراداً ويتشاور معهم في استحقاق الانتخاب الرئاسي ويحاول اقناعهم بفوائد التمديد، كما شمل البطريركية المارونية غير المتحمسة للتمديد سواء لعدم اقتناعها بمواقف الهراوي او لاقتناعها بأن الاجراءات الدستورية المطلوب اتخاذها للتمديد يجب أن ترافقها اجراءات دستورية اخرى تحقق عدداً من "المطالب المحقة للمسيحيين". وهذه المبادرة شقت الصف الرسمي اذا جاز التعبير وزعزعت الترويكا الرئاسية اذ جعلت رئيس مجلس النواب نبيه بري يعتقد ان الحريري والهراوي يشكلان حلفاً داخل الترويكا لإضعاف موقعه داخلها واضعاف دوره في استحقاق الانتخاب الرئاسي. دفعت هذه المواقف بري الى الظهور مظهر المتريث في العمل للتمديد او غير المتحمس له او ربما الرافض لهذا الخيار. كما دفعته الى التشبث بإجراء المشاورات مع الفاعليات الدينية والسياسية ومع النواب قبل اتخاذ أي قرار في هذا الموضوع. وأكثر ما أزعجه على هذا الصعيد اعتباره ان تحرك الحريري والهراوي رمى الى "القوطبة" عليه ولا يخفى ما لهذه التهمة من آثار سلبية على الوضع اللبناني عموماً، ذلك ان التحرك الثنائي لرئيسي الجمهورية والحكومة اعطى الناس انطباعاً بوجود مشروع لتحالف ثنائي. وطبيعي ان يزعج ذلك الفريق الذي ينتمي اليه بري والذي ظن انه سيكون "بيضة القبان" في انتخابات الرئاسة. وكان أحرى برئيسي الجمهورية والحكومة ان ينسقا مع رئيس مجلس النواب اللهم الاّ إذا كانا غير واثقين من ان التمديد أقره الناخب الاكبر الذي هو سورية ومن ان الرئيس بري يؤيده وذلك خلافاً لما روجاه بواسطة وسائل الاعلام على مدى الشهرين الماضيين. أخطاء مؤيدي لحود والعاملون لايصال قائد الجيش العماد اميل لحود الى رئاسة الجمهورية اقتناعاً منهم بالصفات الحميدة التي يتحلى بها فضلاً عن تجربته الناجحة في اعادة بناء المؤسسة العسكرية وفي ادارتها ارتكبوا بدورهم سلسلة اخطاء أبرزها الآتي: 1 - محاولة توظيف المؤسسة العسكرية وقائدها في الصراعات السياسية الداخلية، وقد تجلى ذلك في اقدام سياسيين ونواب ووزراء على خلاف مر ومستحكم وشرس مع رئيس الجمهورية الياس الهراوي او مع رئيس الحكومة رفيق الحريري او مع الاثنين معاً على إعلان ترشيحهم العماد لحود للرئاسة الاولى وعلى التصرف وكأن ذلك من شأنه في حال حصوله حسم الصراعات والخلافات التي هم طرف فيها لمصلحتهم وقد انعكس ذلك سلباً على المؤسسة وعلى قائدها وجعل الآخرين المستهدفين يتكتلون ضدهما ويعملون ضد دخول الثاني الى قصر بعبدا تلافياً لخسائر سياسية شخصية. 2 - ظهور نوع من الصراع او على الاقل من التنافس بين المؤسسات الدستورية المرئية وتجديد رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وبين المؤسسة العسكرية وقد بدأ ذلك عندما حاول القيمون على المؤسسة الاخيرة ابعاد السياسة عنها اقتناعاً منهم بأن من شأن ذلك ابقاء بذرة التشرذم معششة فيها ومنعها من استكمال اسباب التوحد. وبدأ أيضاً عندما فهم المدنيون ذلك على أنه محاولة للتميز عنهم يمكن ان تفيد مستقبلاً في استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية. ثم تطور الصراع او التنافس عندما وصل الى وسائل الاعلام بطرق عدة أبرزها تسريب معلومات تشير الى فقدان ثقة الجيش وقادته بالسياسيين والى أن المشاكل التي يعاني منها البلد تعود الى فساد الطبقة السياسية والى أن الحلول الناجعة لها يمكن ان يقدمها اناس جدد من خارج هذه الطبقة وقد يكونون من المؤسسة العسكرية ومن خارجها. ولعل الخطأ الاكبر الذي وقع فيه العاملون على ايصال لحود الى قصر بعبدا كان سقوطهم في الفخ الذي نصبه لهم السياسيون ولا سيما المسؤولون منهم. وهو استدراجهم لاظهار الطموحات السياسية للعسكر بطريقة جعلت قسماً مهماً من اللبنانيين "ينقزون" ويخشون ان يكونوا على عتبة قيام حكم عسكري في لبنان وهو حكم يرفضونه نظراً الى مسه بالحريات والديموقراطية ولهم من التجارب المتنوعة في الماضي خير دليل على ذلك. ما هو أثر هذه الاخطاء على الخيارين الاساسيين في استحقاق الانتخاب الرئيسي أي التمديد للرئيس الحالي الياس الهراوي وانتخاب العماد لحود رئيساً للجمهورية؟ لها أثران سلبيان مهمان: الاول شعبي، اذ جعل الرأي العام يتساءل اذا كان اصحاب الخيارين مهتمين فعلاً بالشأن العام أم أن اهتماماتهم تتجاوزه الى شؤون أخرى. والثاني سوري والاثر السلبي هنا يقتصر على أصحاب خيار التمديد. ذلك أن اصحاب خيار انتخاب العماد لحود رئيساً للدولة ادركوا منذ اسابيع ما يحاك ضدهم فامتنعوا عن اي خطوة من شأنها إثارة الخوف عند اي جهة. في حين ان اصحاب الخيار الآخر ضاعفوا تحركهم في اتجاه الناخبين اللبنانيين وكذلك في اتجاه سورية الناخب الاكبر هذه المرة وذلك لجعلها تقرر وقبل موعد الانتخاب بأشهر التمديد للرئيس الهراوي. دمشق والخيارات المفتوحة والجميع يعرفون ان سورية لا تحب ان يضغط عليها أحد أو ان يحشرها أحد علماً أنها اساساً مع ابقاء الخيارات كلها مفتوحة الى أن يحين موعد الاستحقاق، ولموقفها هذا علاقة بالعملية السلمية الجارية، وان بتعثر، ذلك انها تعتقد اعتقاداً راسخاً بأن نوعية الرئيس المقبل للبنان لا بد ان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور هذه العملية ان سلباً وان ايجاباً. وفي اي حال، تعتقد المصادر السياسية الواسعة الاطلاع ان شهر ايار مايو هو الذي سيحدد الخيارات الممكنة على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية ذلك ان التمديد للهراوي اما ان يتم خلاله او لا يتم ابداً وكذلك الافساح في المجال امام وصول العماد لحود الى قصر بعبدا. دعاة التمديد سيبذلون كل جهدهم من اجل تعديل الدستور في الدورة العادية لمجلس النواب وفي اتجاه التمديد فقط فإذا حصل كان به واذا لم يحصل فإنهم سيرفضون اي تعديل للدستور ويقطعون الطريق بذلك على لحود. وفي مثل هذه الحال فإن الباب يصبح مشرعاً اما الخيار الثالث الذي هو اجراء انتخاب رئاسي وفقاً للدستور. اما اذا اعتمد خيار الانتخاب فإن الرئيس العتيد سيكون من فئة المرشحين او الطامحين الذين يربطهم بسورية تحالف وثيق او الذين تستطيع سورية ان تحول دون تفردهم بالرأي والموقف اذا تغيرت الظروف الخارجية وتحديداً الاقليمية. لكن السؤال هنا هو ماذا سيكون موقف سورية من كل هذه الامور؟ وهل تقبل القيادة السياسية العليا فيها أن يحشرها اللبنانيون أو أن يقللوا من خياراتها وهي التي تخوض مواجهة فعلية وان سلمية مع اسرائيل في هذه المرحلة؟ المعلومات المتوافرة عند المصادر السياسية الواسعة الاطلاع تشير رداً على السؤالين المذكورين الى ان سورية لم تقرر لغاية الآن الخيار الرئاسي الذي ستعتمد، ذلك ان الوضع الاقليمي لا يزال غامضاً الامر الذي يفرض عليها عدم التزام خيار محدد لأن ذلك في غير مصلحتها. وتشير ايضاً الى أن خيار التمديد للرئيس الهراوي لا تزال حظوظه أكبر من حظوظ أي خيار آخر واذا وقعت القرعة عليه فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيتولى ايجاد المخرج الملائم الذي يجعله مقبولاً وهكذا يؤكد بري دوره بعدما حاول الرئيسان الهراوي والحريري اضعاف هذا الدور. وتشير ثالثاً الى أن خيار انتخاب قائد المؤسسة العسكرية تراجعت حظوظه بعض الشيء لكنه لا يزال موجوداً. ومن هنا الاصرار السوري وغير السوري على تعديل مزدوج للمادة 49 من الدستور وهي تشير اخيرا الى أسماء ثلاثة قد يختار منها الرئيس المقبل في حال سقوط الخيارات الاخرى يحملها الوزيران جان عبيد ومخايل الضاهر والنائب روبير غانم وهناك من يضع اسماً رابعاً هو لادوار صوما الامين العام السابق لمنظمة الاغذية والزراعة الدولية. ما هي المواصفات التي تريدها سورية من الرئيس المقبل؟ القريبون منها يقولون انها تريد "هراوي" آخر لكن "أقل مرجلة" لأن المنطقة لا تزال في وضع دقيق الامر الذي لا يسمح لها بالتساهل في لبنان حرصاً على نفسها وعلى نظامها وعلى أمنها وأمنه، ويقولون ايضاً انها لا تريد رئيساً يفاجئها كل يوم بموقف يحرجها ويربكها ولا سيما امام الرأي العام اللبناني وامام العالم. وقد فاجأها الرئيس الهراوي اكثر من مرة. ويقولون ثالثاً انها تريد رئيساً لا يعرضها للضغوط الاسرائيلية بل يتعاون معها لتلافي هذه الضغوط او على الاقل لإزالة تأثيرها عنها وعن لبنان، ويقولون ايضاً انها تريد رئيساً واعياً لا يقع في الافخاخ التي تنصبها له اسرائيل باستمرار. ويقولون اخيراً انها تريد رئيساً لا يمس الوثائق المتفق عليها ومنها اتفاق الطائف على رغم العيوب في تطبيقه والثغرات في نصوصه. فهذه الوثائق مكسب مهم وهي ترفض مسها ما لم يكن هناك تعويض وطني ينجم عن هذا المس، فمس الوثائق يضعف الشرعية وآثار ذلك سلبية عليها وعلى لبنان.