رئيس "كوب 16" الرياض : مواجهة الجفاف بشكل فعّال يتطلب نهجًا متكاملًا    "الداخلية" تطلق ختمًا خاصًا بمعرض ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء 2024    ولي العهد والرئيس الفرنسي يعقدان لقاء موسعا    بعد الاتهامات المتبادلة بين «حزب الله» وإسرائيل بخرق الاتفاق.. هل تعود المواجهات مجدداً؟    إيفان توني يقود الأهلي السعودي للتعادل مع الاستقلال الإيراني    جوانب اقتصادية وثقافية وبيئية تتصدر المباحثات بين الرياض وباريس    ما الذي يمثله عفو بايدن عن ابنه هانتر    بدعم كبير من المملكة .. إطلاق برنامج التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب في دول الساحل من نواكشوط    جامعة أم القرى تعزز حضورها الدولي بزيارة جامعات هونج كونج.    أمين القصيم يرأس اجتماع اللجنة الدائمة لتنسيق المشروعات    الجبير يلتقي وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي    الهاجري : البطولة الآسيوية لسلة الكراسي المتحركة خطوة مهمة لمرحلة الإعداد القادمة    محافظ الزلفي يهنئ مركز التأهيل الشامل تحقيقه المركز الثاني    هيئة الهلال الاحمر السعودي بالشرقية تدشن برنامج ( المسعف المدرسي )    جامعة أم القرى تُطلق عهدً جديدً في طب الأسنان بتدشين برامج الزمالات الطبية.    قطاع ومستشفى البرك يُقيم "اليوم العالمي للسكري"    نجاح أول عملية استئصال لورم سرطاني بالمثانة في عسير    الخريجي يستقبل سفيري اليابان وجنوب السودان لدى المملكة    خالد بن سلمان يبحث العلاقات الثنائية مع الوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري    أمير المدينة يفتتح مبنى مجلس المنطقة الجديد ويدشن مشروع تطوير مراكز الإمارة    "المملكة" و"لتوانيا" توقعان اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال خدمات النقل الجوي    "الصداقة البرلمانية السعودية- التركية" تجتمع بنظيرتها التركية    الأسد: ما يحدث في سورية محاولة لتقسيم المنطقة    نائب أمير مكة يرعى الملتقى العلمي ال24 لأبحاث الحج والعمرة    وزير الخارجية: الإبادة الوحشية في غزة أكبر اختبار للنظام الدولي    نائب أمير الرياض يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالرياض "مكنون"    نائب أمير مكة يُدشن مشاريع للهلال الأحمر ويطلع على منجزات خدمة ضيوف الرحمن    أمير المدينة يتسلم التقرير السنوي لأبرز إنجازات القوة الخاصة للأمن البيئي    محافظ الخرج يستقبل العميد القحطاني لانتهاء فترة عمله مديراً لمرور المحافظة    رحم الله الشيخ دخيل الله    تحت رعاية خادم الحرمين.. انعقاد «مؤتمر ومعرض الحج» في نسخته الرابعة.. يناير القادم بجدة    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يستعرض دور التسامح    أكاديمية الإعلام السعودية تحتفل بتخريج الدفعة الأولى من المتدربين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 27 إلى لبنان    المركز الوطني يعتمد تأسيس جمعية " ارتقاء " للخدمات الصحية بمحافظة أضم    الشؤون الإسلامية تواصل تنفذ جولاتها الرقابية على الجوامع والمساجد بأبي عريش وفيفا    وفد من مؤسسة سليمان الراجحي في جولة تفقدية لجمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي بمنطقة جازان    في افتتاح الجولة 12 من دوري" يلو".. الفيصلي يستقبل الجندل.. والنجمة يواجه جدة    «رونالدو وتوني» في تشكيلة الشهر آسيوياً    تنفيذ 12 جولة مشتركة لضمان الامتثال في السوق العقاري    الصندوق الثقافي يُسدل ستار مشاركته في النسخة الثانية من «بنان»    دوِّن أهدافك وعادي لا تحققها    نحو فن مستدام    أمير المنطقة الشرقية يرعى توقيع اتفاقيات بين فرع وزارة الصحة وجهات حكومية    أهمية توثيق الأعمال لتجنُّب النزاعات المستقبلية    زواجاتنا بين الغلو والفخامة والتكلُّف والبساطة (1)    آهٍ منك يا "نجم"    100 خدمة عدلية يوفرها تطبيق «ناجز»    تركي آل الشيخ يطلق الإعلان التشويقي لمواجهة أوزيك وفيوري في موسم الرياض    الشتاء والاعتدال في الشراء    فواكه تسبب «تآكل» الأسنان    5 أمور لا تفعلها على مائدة الطعام    32 جولة رقابية لوزارة الصناعة يوميا    إلزامية الداش كام    التصحر مرة أخرى    آسيا.. «مجنونة»    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الخريصي في منزله    القصة القصيرة في القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هدأ الضجيج وسكتت الصحف تمهيداً لاختيار الرئيس . الجزائر : هاجس خلافة زروال يوحد العسكريين
نشر في الحياة يوم 09 - 11 - 1998

هل توصل اطراف الخلاف في السلطة في الجزائر الى تسوية تقضي بطي الصفحة والتحضير لمواجهة الاستحقاق الرئاسي المقبل بموقف موحد وبمرشح موحد للرئاسة؟ هذا السؤال يستأثر منذ أيام باهتمام المراقبين والمطلعين على التطورات الجزائرية.
وما يبعث على طرح السؤال، هو تدافع المؤشرات المفاجئة على الطريقة الجزائرية حيث تندلع خلافات وتنفجر ازمات من دون ان يتبناها احد رسمياً وتنتهي من دون ان يعلن احد عن انتهائها ما يجعل قراءتها امراً مرتبطاً بالمؤشرات وحدها. ومن بين المؤشرات الجديدة يمكن التوقف عند الآتي:
1 - الاستقالة المفاجئة التي اعلنها الجنرال محمد بتشين من منصبه كمستشار للرئيس اليمين زروال للشؤون السياسية بحجة التفرغ للدفاع عن نفسه ازاء الاتهامات التي تعرض لها والتي نشرت في الصحف المحلية، وبعضها يأخذ عليه تورطه بالفساد ويعتبره الرجل القوي في حكم زروال ولينسب اليه طموحات رئاسية. وقد رد بتشين على هذه الاتهامات بتسريب اخبار الازمة والحرب الاهلية بصورة غير مباشرة وأوحى بنشر المزيد منها في الصحف التي يشرف عليها من قريب او من بعيد. وتعرض بتشين لانتقادات حادة من سياسيين معروفين بعلاقاتهم الجيدة مع المؤسسة العسكرية الامر الذي دفع بعضهم الى الحديث عن خلافات مستحكمة بين هذه المؤسسة وبين بتشين، واحتد الحديث الى القول ان استقالة زروال قبل نهاية ولايته الرئاسية والاعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة هو المظهر الابرز للخلافات بين بتشين ورئاسة الاركان، فالرئيس الجزائري، تقول المصادر المحلية، رفض اقالة مستشاره ووضع منصبه بتصرف الناخبين الأمر الذي تسبب بحرج كبير لقيادة الاركان وفتح صفحة نزاع مكشوف هو الأول من نوعه داخل المؤسسة العسكرية المعروفة بحرصها الشديد على ابقاء خلافاتها طي الكتمان.
والراجع ان استقالة بتشين جزء من تسوية ربما تمت بين الطرفين، ويلاحظ ان تصريحات المستشار السابق للرئيس زروال بعد اعلان استقالته تتضمن قدراً كبيراً من نيات التهدئة، فهو اكد ثقته مراراً بهيئة الاركان واعتبر نفسه مراراً جنرالاً في الجيش الجزائري ورفض الحديث عن تيار فرنكوفوني وغير فرنكوفوني في الجيش ولم يتعرض ولو تلميحاً لرئيس الاركان محمد العماري، كما ان الصحف التي من المفترض انه يشرف عليها او يملك تأثيراً داخلها شأن "الأصيل" بالعربية و"لوتاتنتيك" بالفرنسية و"دمان لا لجيري" بالفرنسية، هذه الصحف توقفت بدورها عن نشر ما من شأنه ان يُذكر بالخلاف ويؤجج عناصره.
2 - من جهة ثانية لوحظ ان استقالة بتشين تزامنت الى هذا الحد او ذاك مع توقف صحيفتي "الوطن" و"لوماتان" عن الصدور وتضامن خمس صحف اخرى معها علقت صدورها احتجاجاً على توقف الصحيفتين، وهذه الصحف هي "ليبرتيه" و"لا تريبون" و"لو سوار دالجيري" و"لوكوتيديان دوران"، وكلها بالفرنسية، وصحيفة "الخبر" اليومية وهي الوحيدة الصادرة بالعربية.
ويلاحظ ان الصحف المتوقفة عن الصدور كانت قد فتحت صفحاتها لنشر الانتقادات اللاذعة للجنرال بتشين، وهدد الجنرال نفسه بتقديمها للمحاكمة بعضها بتهمة القدح والذم.
وما يلفت في هذا الصدد ان هذه الصحف تتأثر كلها بالتيار الفرنكوفوني - البربري في الجزائر، ويعتقد كثيرون بأنها مرتبطة بعلاقة وثيقة بأركان في المؤسسة العسكرية، وهو امر من الصعب التأكد منه لكن اذا ما اخذنا في الاعتبار شروط اصدار الصحف وطريقة عملها في الجزائر، وهي شروط لا يمكن ان تتم من دون ارادة المؤسسة العسكرية، فان ذلك يتيح القول ان المؤسسة المذكورة تملك تأثيراً مهماً في هذه الصحف اقله لجهة التحكم في مصدر الطباعة والتوزيع.
والواقع ان توقف "الوطن" و"لوماتان"، وهما معروفتان في الخارج على نطاق واسع تم اثر خلاف مع ادارة المطابع التي تطبع فيها كل الصحف الجزائرية. فقد تبين لهذه المطابع وبصورة مفاجئة، ان الصحيفتين المذكورتين مدينتان بعشرات الملايين من الدينارات، وطالبت الادارة المذكورة باستردادها فوراً تحت طائلة التوقف عن طبع الصحيفتين الأمر الذي ادى الى مبادرة المشرفين عليهما الى اعلان اضراب عن الصدور، وأدى هذا الاعلان الى تضامن صحف معهما لكن التضامن لم يشمل كل الصحف الجزائرية الاخرى التي واصلت صدورها، ومن بينها صحف "الاصيل" و"لوتاتنيك" و"دمان لا لجيري" التي يقال انها متضامنة مع الجنرال بتشين.
الحديث عن الفساد
وتفسّر مصادر جزائرية، تضامن الصحف الخمس الاخرى مع "الوطن" و"لوماتان" بأنه يعبّر عن قلقها من التعرض للضغوط نفسها، فهي ايضاً مدينة للمطابع وقد يُطلب منها دفع مستحقاتها والضغط عليها بواسطة المستحقات ففضلت استباق الأمر وخوض مواجهة سلبية مع السلطة واتهامها بالسعي لاسكات صوت الصحافة المستقلة. من جهتها اعتبرت السلطات انها غير معنية بالخلاف بين الصحف و"ادارة المطابع الحرة" وأكد السيد حبيب شوقي حمراوي الناطق الرسمي باسم الحكومة ان النزاع بين هذه الصحف وادارة المطابع نزاع تجاري بحت وانه غير سياسي ولا علاقة للدولة به.
والراجح ان الدولة يمكن ان تضمن الصحف المذكورة وان تتدخل في "النزاع التجاري" مع "المطابع" وادارتها "الحرة"، فيتم ذلك كما تم في الماضي، شرط انضباط الصحف، خصوصاً في الحديث عن النزاعات داخل الدائرة الأولى في السلطة. وإذا كان صحيحاً ان هذه الصحف تحدثت عن ما اسمته "امبراطورية الجنرال بتشين الاقتصادية" فانها تحدثت ايضاً عن "توزيع المداخيل الجزائرية" الامر الذي يعتبر من المحرمات في الجزائر، وعليه فان الحديث اليوم عن "بتشين" قد يشكل سابقة للحديث عن غيره، وهذا الحديث لا يبدو ان السلطات الجزائرية راغبة بفتحه في ظل الحرب الدائرة مع الاسلاميين الذين يتهمون السلطات بالفساد وتبديد ثروة البلاد.
وما يلفت في هذا المجال ان محاكمة الجنرال السابق مصطفى بلوصيف الأمين العام لوزارة الدفاع في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد استخدمها المعارضون الاسلاميون وغير الاسلاميين لاتهام السلطة بالفساد، وعلى رغم الحكم بالسجن على بلوصيف، فقد اطلق سراحه.
ومهما يكن من أمر فان تزامن استقالة بتشين وتوقف الصحف التي شنت عليه هجوماً عنيفاً، عن الصدور، يوحي بأن السلطات غير راغبة في نشر غسيلها، وإذا تأكدت هذه الفرضية بعد عودة الصحف الى الصدور، فان ذلك يعني ان العسكريين الجزائريين اثبتوا مرة اخرى انهم قادرون على ضبط خلافاتهم وانهم يغلبون وحدة المؤسسة العسكرية على ما عداها ويتمتعون بالقدرة على تبادل التنازلات بعيداً عن الضجيج الاعلامي عندما يهدد هذا الضجيج وحدتهم.
وتجدر الاشارة هنا الى ان التضامن الشعبي مع الصحف المتوقفة عن الصدور ظل محصوراً في تيزي وزو أي في منطقة "القبائل" انطلقت منها تظاهرات شاجبة لضغوط السلطة على الصحف عبر المطابع، في حين ان تعرض الصحافة والصحافيين للاعتداءات في السابق كان يؤدي الى تحركات واسعة في العاصمة والمدن اي في المناطق الخاضعة مباشرة للسلطة ما يعني ان السلطة الجزائرية تريد فعلاً ان تقفل صفحة بتشين او الأصح صفحة الخلاف بينه وبين قطب او اقطاب آخرين. لكن هل يمهد طي صفحة الخلاف الى فتح صفحة خلافة زروال وهل يؤدي الى مواجهة الاستحقاق الرئاسي في ظروف هادئة، وبالتالي هل اتفق اقطاب السلطة على مواصفات عامة لمرشحهم الرئاسي؟
العسكريون يبتعدون
في ظل التكتم الشديد الذي يحيط بهذا الموضوع والناتج عن امتناع القادة العسكريين عن الادلاء بآرائهم في هذا الشأن وفي غيره، وفي ظل التزام الرئيس زروال التصريح حول الانتخابات ضمن حدود البيان العام الذي اعلن فيه استقالته واختصار مدة ولايته، وفي ظل حملة انتخابية فاترة لا تفصح عن الخلفيات الحقيقية للعبة الداخلية الجزائرية، في ظل ذلك كله، يصبح حديث الاستحقاق الرئاسي من شأن "المصادر" التي تتحدث من دون الاشارة الى هويتها، ومن شأن البيانات الحزبية التي تغرق في العموميات وتشير الى الأماني والامنيات اكثر من اشارتها الى الواقع.
وتفيد "المصادر" الجزائرية وما تسرّب الى المعنيين بالأمر في فرنسا وبعض الدول الأوروبية ان الصفة الأبرز لرئيس الجزائر المقبل ستكون "مدنيته" فهناك ما يشبه الاجماع على مسألة واحدة هي ان العسكريين الجزائريين يريدون هذه المرة الابتعاد فعلاً عن منصب الرئاسة وإيكال هذا المنصب الى رئيس مدني على الطريقة التركية فيتدخلون حيث يرون ضرورة ملحة للتدخل ويبتعدون بمؤسستهم عن قضايا الحكم اليومية.
وهنا أيضاً تجتمع مؤشرات عدة لتؤكد هذه المسألة من بينها:
- تجربة الحكم السابقة التي تؤكد ان مشاكل الشارع اليومية لا تحمّل مسؤوليتها للحكام والوزراء والحكومات التي تدير الشؤون العامة وانما للمؤسسة العسكرية. ويختصر المواطن العادي نظرته لمشاكله فيرى ان الوزير او رئيس الحكومة ليس مسؤولاً عنها فهو لا يملك سلطة التقرير الفعلية، ويستنتج ان رئيس الجمهورية العسكري سابقا هو المسؤول ومن ورائه المؤسسة العسكرية التي قد لا تكون مسؤولة فعلاً عن الاداء السيء للوزير او للحاكم المدني لكنها مضطرة لتغطيته. والراجح ان العسكريين لا يرغبون باستمرار هذا الوضع ويودون ان يتحمل الوزير مسؤولية عمله والحكومة مسؤولية عملها وان ذلك يفترض البدء برأس الدولة الذي يفترض ان يكون مدنياً.
- ان النظام الجديد الذي نشأ بعد اعلان دستور جديد ومؤسسات مدنية، لا يستقيم عمله الا من خلال رئيس مدني، وإذا كان زروال قد اشرف على تركيز هذه المؤسسات خلال الحرب الاهلية فان شيئاً لا يبرر استمرار هذا الاستثناء بعدما اصبحت المؤسسات مركزة ودورها محدداً مع وسائل وطريقة انتقال الحكم.
- لقد اظهرت تجربة حكم الرئيس زروال ومن قبل الشاذلي بن جديد ان الرئيس العسكري يمكن ان ينتقل من موقع مرشح الاجماع الى موقع الطرف في خلافات المؤسسة العسكرية الأمر الذي يؤدي الى تداخل خطير يضع المؤسسة في دائرة الضوء فتنكشف خلافاتها، وهو امر ليس مرغوباً في بلدان مثل الجزائر. ولعل التجربة التركية مصدر الهام في هذا المجال.
- لم يعد الصراع مع المسلحين الاسلاميين يقتضي تولي عسكري الحكم في الجزائر. فالجبهة الاسلامية للانقاذ انسحبت من المواجهة العسكرية وخسرت رهان الحرب وهي تبحث الآن عن صيغة تتيح لها الانخراط في العمل السياسي في ظل خلافات بين تياراتها وشخصياتها القيادية في الداخل والخارج. ويبدو ان السلطة الجزائرية تمكنت من حصر العنف في حدود معينة وهي تقود حملات منظمة لتصفية المسلحين الذين لا يتمتعون بتغطية سياسية واسعة في الداخل والخارج. وتجدر الاشارة هنا الى ان موجة الاسلام السياسي التي تصاعدت في اواخر الثمانينات وبداية التسعينات تشهد انحساراً منذ سنوات .
والراجح ان العسكريين الجزائريين يرغبون في ضبط الصوت الاسلامي الجزائري البعيد عن العنف في الاطار السياسي وفي اللعبة السياسية الداخلية وهم يواصلون عزل "العنف والارهاب" بحسب مصطلحاتهم في هامش غير سياسي، وعليه من المنطقي ان تكون نظرتهم للسلطة المدنية، رئيساً وحكومة، متجانسة وان يكون ابتعادهم عن الحكم مندرجاً ضمن هذا التصور.
- ان الاصلاحات التي طرحها الحكم الجزائري ومحاولات الانفتاح التي اجراها ومساعيه الدائبة لاسترداد صدقيته في الخارج، كل ذلك يفترض الاخذ في الاعتبار حساسية الرأي العام العالمي تجاه الحكم العسكري، ما يعني ان اختيار مدني لرئاسة الجمهورية يندرج ايضاً في اطار المساعي الجزائرية الداخلية والخارجية.
وإذا كان الرئيس الجزائري المقبل مرشحاً مدنياً بقوة فان شخصية هذا المرشح تستأثر بالاهتمام، لأن المرشحين الذين يمكن ان ترضى عنهم المؤسسة العسكرية ويمكن ان يتمتعوا في الآن معاً بصدقية لدى الرأي العام المحلي والخارجي، ليسوا كثراً في الجزائر. وتتداول الاوساط الجزائرية المطلعة اسماء بعض المرشحين بصورة خافتة، ويجري الحديث عن بورصة محدودة لمدنيين يمكن ان يلعبوا دوراً في رأس الدولة وإذا كان بعضهم يذكر اسم رئيس الوزراء السابق رضا مالك المقرب من بعض العسكريين فان بعضهم الآخر يرى ان السيد مالك لا يحظى بثقة التيار العروبي والاسلامي المعتدل بسبب مواقفه العلمانية الراديكالية، ويتداول بعضهم اسم رئيس الحكومة الحالي احمد اويحيى الذي يمكن ان يقع الاختيار عليه اذا ما اريد لمنصب الرئاسة ان يكون تكنوقراطياً ويطرح البعض الثالث اسم رئيس الوزراء الاسبق مقداد سيفي، غير ان المعترضين عليه يعتبرون انه حرق اوراقه في الصراع الذي خاضه ضد الجنرال بتشين في الحزب الحاكم وهناك اسماء مدنية مطروحة من خارج الحزب شأن السيد احمد طالب الابراهيمي الذي يحظى بثقة الاسلاميين لأنه نجل البشير الابراهيمي ويحظى بثقة العسكريين ولم يخض معارك مكشوفة مع العلمانيين. ايضاً عن وزير الخارجية الاسبق عبدالعزيز بوتفليقة وهو من رجال السياسة المحترفين ويمكن ان يساهم في اعادة استئناف الحضور الجزائري على الصعيد الدولي والعربي بقوة.
وفي كل الحالات من الصعب ان يتولى الرئاسة احد الامناء العامين للاحزاب الجزائرية الشرعية سعدي ونحناح وبوكروح وجاب الله... الخ بسبب تمثيلهم الحزبي المحدود من جهة وارتباطهم بتيار ايديولوجي لا يحظى باجماع من جهة اخرى، الأمر الذي يحصر مواصفات المرشح المقبل بالشروط المدنية وثقة الشارع بنزاهته وعدم اعتراض العلمانيين والعروبيين والاسلاميين على اسمه. ولعل هذه الشروط الصعبة تجعل المرشحين الجديين لخلافة زروال يعدون على اصابع اليد الواحدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.