تقف بلدان آسيا الوسطى امام مفترق تاريخي، فهذه الجمهوريات التي انسلخت بشكل طبيعي عن الامبراطورية السوفياتية، تجد نفسها بين تراثين: الاسلام الراسخ الذي لم تستطع عقود طويلة من السيطرة الشيوعية الكاملة ان تلغيه، والعلمانية وليدة النظام الماركسي الذي حكم الاتحاد السوفياتي. واذا كان لنظام سياسي ان يزول او يتغير بفعل تطورات سياسية فانه يستحيل في المقابل الغاء حواضر تاريخيةبانقلاب او بطلقة مدفع، مثل سمرقند وطشقند وبخارى التي عاشت قروناً من الحضارات المتراكمة. من هنا يأخذ الصراع المحتدم في آسيا الوسطى اهميته. فكيف اذا كان يقف على مشارفه النزاع الافغاني والرقم الصعب فيه حركة "طالبان"؟ وكيف اذاكانت الطموحات الايرانية تتحفز على الضفة الاخرى من بحر قزوين؟ وكيف اذا كانت تركيا الاسلامية والعثمانية والاتاتوركية معاً، تفتح ذراعيها لما تعتبره امتداداً لها على الحدود الروسية؟ انها المنطقة البكر في العالم، حيث تختلط الثروات بالنزاعات بالأيديولوجيات وحيث الاسلام هو القوة الفصل. ليس من شك في أن لآسيا الوسطى أهمية بالغة على الخارطة الجيوسياسية للعالم، فهي المحطة الكبرى في طريق الحرير بين الشرق والغرب. وقدراتها الوقودية والكهربائية الهائلة يمكن أن تغدو مصدراً غنياً لتزويد أفغانستان وباكستانوتركياوإيران بكل أنواع الطاقة. فأوزبكستان، مثلاً، اشتهرت باحتياطيات الذهب الوافرة. وهي تشغل المرتبة الخامسة في العالم والمرتبة الثانية في الكومنولث السوفياتي بعد روسيا، كما تشغل المرتبة الأولى من حيث كميات الذهب بالنسبة إلى الفرد الواحد من السكان. وتجاوز انتاجها من الذهب العام الماضي 72 طناً، وهو يزداد سنوياً بنسبة 20 في المئة. إلا أن الإسلام هو الهدف والوسيلة في الصراع على مخلفات الاتحاد السوفياتي والمتغيرات التي أعقبت زواله في آسيا الوسطى، خصوصاً بالنسبة إلى روسيا التي تربطها بها وشائج قديمة متنوعة. وأول ما يلفت في هذا الشأن ان الإسلام يؤدي تدريجياً إلى ابتعاد آسيا الوسطى عن روسيا، ذلك أن هذه المنطقة العريقة تعود إلى جذورها التاريخية التي انتزعها الروس منها منذ قرون. وليس لزاماً بالطبع ان تؤدي هذه العودة إلى تدهور العلاقات الدولية بين الطرفين. فلروسيا تجاه الإسلام موقف مزدوج تكتيكياً، بل وحتى استراتيجياً، فهي تخشى الإسلام ولا تخشاه. وقد خلفت مسألة انفصال الشيشان عقدة نفسية لدى الروس تدفعهم إلى نسيان الاسباب الحقيقية للمشكلة، فلا يبقي عالقاً في الذهن سوى "التطرف" و"الارهاب" الاصولي. إلا أن صانعي القرار في موسكو اليوم يواجهون صراخ بعضهم واستغاثتهم من "الخطر الإسلامي" بمحاولة لترشيد السياسة الروسية تجاه الإسلام الذي يعتبره كثيرون من المحللين الاستراتيجيين حليفاً لموسكو وليس خصماً لها في سياستها الدولية البعيدة المدى. ومهما بدا الامر غريباً في روسيا المستضعفة حالياً، فإن مفكريها الاستراتيجيين يعالجون مواضيع مستقبلية متنوعة، في مقدمها ما يسمى بمشروع المحاور الامبراطورية أوراسيا الجديدة، الامبراطورية الأوروبية، الامبراطورية الشرقية، الامبراطورية الروسية الموجودة في الوسط كحلقة وصل تربطها علاقات يراد لها أن تكون طيبة مع جميع النقاط على محيط الدائرة. وفي هذا المخطط يفرد الاستراتيجيون الروس للعالم الإسلامي الممتد من الفيليبين وحتى المغرب العربي دور امبراطورية إسلامية، كأهم عنصر من عناصر الامبراطورية الأوراسية في الجنوب. ومن هذا المنطلق يتأرجح موقف موسكو حيال الاتجاهات الإسلامية الأساسية الثلاثة العربي والتركي والإيراني ويتفاوت معتمداً على مدى ميل تلك الاتجاهات إلى المحاور التي يعتبرها الروس حليفة له في المستقبل البعيد. ويرى بعض المحللين أن موسكو قد تفضل الإسلام الآتي من ايران طالما هو ضد المحور الأطلسي الأميركي الذي سيقوم في مواجهة كل المحاور الامبراطورية الآنفة الذكر. وعلى الصعيد التكتيكي يتعامل الروس مع الحركات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة في جمهوريات آسيا الوسطى انطلاقاً من منابعها القومية وانتماءاتها إلى الاتجاهات الإسلامية الثلاثة ومن الصراعات بين تلك الاتجاهات هناك. وفي روسيا نفسها تعتبر الاصولية مستوردة أساساً مع المطبوعات الإسلامية التي تصل إليها من الخارج، مثل كتب أبو العلاء المودودي وسيد قطب وغيرهما، إلا أن الجمعيات الدينية لا تستطيع الاعلان عن تأسيس دولة إسلامية في روسيا نظراً إلى كون المسلمين أقلية في هذه البلاد 20 مليوناً من مجموع 150. فالإسلام السياسي المحروم من هدفه الاستراتيجي لا بد ان يبقى هنا في مرتبة ثانوية على رغم وجود "اتحاد مسلمي روسيا" وجماعة "نور" الإسلامية واحتمال نشوء كتلة برلمانية إسلامية كالكتلة التي كانت قائمة في البرلمان الروسي قبل الثورة الشيوعية العام 1917. أما في آسيا الوسطى فالمسلمون يشكلون الأكثرية. الأدوار المؤجلة في معرض تحليل الأوضاع الدينية في المنطقة، يشير الدكتور ألكسي مالاشينكو، عضو المجلس العلمي لمؤسسة كارنيجي في موسكو، إلى الأدوار التي لا يؤديها الإسلام اليوم بحكم الظروف وينتظر أن يؤديها في آسيا الوسطى. فللإسلام هناك أهمية متفاوتة لا يجوز، في رأي مالاشينكو، التقليل من شأنها ولا المبالغة فيها. والإسلام حالياً ليس هو العامل الحاسم في لم شمل المجتمع الآسيوسطي بأسره. فإلى جانب المسلمين، يقيم عدد من غير المسلمين لا يزال كبيراً 17 في المئة في قرغيزيا و5،6 في المئة في أوزبكستان و8 في المئة في تركمانستان و4 في المئة في طاجيكستان وحتى 34 في المئة في كازاخستان. والسلطات التي تربت على الروح العلمانية السوفياتية لا تتجرأ على توظيف العامل الإسلامي لتوحيد المجتمع خوفاً من اغاظة الروس الاورثوذكس داخل آسيا الوسطى وخارجها. وحتى على الصعيد الاثني لا يلعب الإسلام الآن دوراً جوهرياً في توحيد الأمة. فالمصالح العشائرية والقبلية والاقليمية أقوى من الانتماء الديني، خصوصاً في تركمانستان وكازاخستان. ولا يشكل الإسلام هيكيلة بناء الدولة. فالدساتير علمانية في جميع الجمهوريات "الإسلامية" في آسيا الوسطى. وبهذا المعنى تعتبر تلك الجمهوريات شذوذاً عن القاعدة في العالم الإسلامي. وعلى رغم ذلك ثمة ما يبرر الأمل في اعلان طاجيكستان يوماً ما الإسلام ديناً رسمياً للدولة. وقد يحدث الشيء ذاته في جمهوريات آسيوية أخرى. فليس منطقياً أن تنضم تلك الجمهوريات لعضوية منظمة المؤتمر الإسلامي أو تتعاون مع بنك التنمية والإعمار الإسلامي من دون أن تعلن رسمياً أنها دول إسلامية. وليس الإسلام في آسيا الوسطى عاملاً للاستقرار على رغم استخدامه وسيلة في الممارسات والفعل السياسي. فمن جهة هناك الإسلام الرسمي حيث تستثمر الدولة العلمانية شتى الهيئات التي تتحكم بالحياة الدينية إلى درجة تبلغ حد الديكتاتورية كغلق المساجد التي يلتف حولها المتذمرون من السلطات، ومن جهة أخرى هناك "الإسلام غير الرسمي" المتمثل في حركة واسعة لنشر العقيدة الإسلامية بصفتها الشمولية العالمية التي لا تحصر الإسلام في التراث الاثني والحضاري للدولة القومية. ووجهة النظر هذه بالذات تتعارض مع التوجهات الايديولوجية لجميع دول آسيا الوسطى، فيما تتبناها المعارضة الإسلامية في تلك الدول كافة. ويخلص الدكتور مالاشينكو إلى ان وجهتي النظر في آسيا الوسطى لا تتركان مجالاً للوفاق بين الطرفين اللذين يتهمان بعضهما البعض بالمروق وبتشويه معنى الدين. وإلى ذلك لا تكف السلطات عن ملاحقة السياسيين الإسلاميين وعلماء الدين الذين لا تروق لها تصرفاتهم، ويلاحظ اجماع مدهش لدى كل رؤساء جمهوريات آسيا الوسطى عندما يتحدثون عن خطر الاصولية الاسلامية الداهم. ويبدو أنهم اقتنعوا بوجود هذا "الخطر" فعلاً بعدما كانوا حتى قبل عامين يهددون الغرب به لاعتبارات تكتيكية فقط. خلال الزيارة التي قام بها الرئيس بوريس يلتسن إلى طشقند في 11 تشرين الأول اكتوبر الماضي، وقع بيان الحلف الثلاثي روسيا، اوزبكستان، طاجيكستان للتعاون العسكري أيضاً في حال وقوع عدوان على أحد الأطراف. وكان يلتسن والرئيس الأوزبكي إسلام كريموف وقعا البيان في غياب الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف الذي قيل إنه أعلن موافقته عليه مسبقاً. وبذلك كسبت موسكو رسمياً للمرة الأولى في تاريخها الحديث حلفاء عسكريين بعدما ظلت من دون حلفاء منذ حل حلف وارسو. واختلفت الآراء على هذه المسألة التي ازدادت غموضاً بعدما أشار الكرملين صراحة في "نظريته" العسكرية الجديدة إلى إمكان رد روسيا نووياً في حال تعرضها مع "حلفائها" للعدوان. فعن أي حلفاء يدور الحديث إذا لم يكن لديها حتى 11 تشرين الأول الماضي حلفاء حقيقيون؟ ومما زاد في الغموض ان موسكو لم تعدم "علاقات تحالف" معلنة اعلامياً من زمان. فالعسكر الروس يمكن عند الاقتضاء ان يستشهدوا بمعاهدة طشقند للأمن الجماعي 1992 التي وقعتها دول الكومنولث السوفياتي التسع، أو بالاتفاق الروسي - البيلوروسي في شأن ما يسمى ب "المجال الدفاعي الموحد". لكن تلك الاتفاقات، خصوصاً معاهدة طشقند 1992، ليست سوى مشاهد من مهزلة ساخرة. فكيف يدور الكلام عن "التحالف" إذا كانت دولتان على الأقل اذربيجان وارمينيا من الدول الموقعة على المعاهدة في حال حرب غير محسومة نهائياً مشكلة قره باخ؟ وهذا ما جعل وزارة الدفاع الروسية تعترف بعدم وجود علاقات تحالف عسكري كاملة مع أية دولة من تلك الدول. إلا أن وثائق "الحلف الثلاثي" الجديد لا تشير إلى الاعتبارات النووية، ثم ان "جدته" ليست بالشيء الجديد. فخلال زيارة إسلام كريموف إلى موسكو في أيار مايو الماضي جرت مشاورات لم يحضرها رحمانوف أيضاً في شأن تأليف الترويكا في آسيا الوسطى ل "مقاومة الاصولية العدوانية والتطرف الديني في المنطقة" على حد تعبير مهندسي محور موسكو - طشقند - دوشنبه. وقد يكون الهدف الأول من "توثيق" هذا المحور خطياً بصيغة "الحلف الثلاثي" الحالي هو اضفاء مزيد من "الصدقية والشرعية" على المساعدات العسكرية التي دأبت روسيا وأوزبكستان على تقديمها إلى الجارة طاجيكستان منذ أكثر من ست سنوات في صراعات سلطاتها ضد المسلمين. تركمانستان واحة الرخاء؟ ولعل قرار الأممالمتحدة في 12 كانون الأول ديسمبر 1995 في شأن حياد تركمانستان انعكاس لموقع هذه الجمهورية "الانعزالي" في آسيا الوسطى. ولهذا "الانعزال" حسب الظاهر ما يبرره. فالجمهورية تستفيد من المزايا المتوافرة لديها بالمقارنة مع جارتيها أوزبكستان وكازاخستان. وتؤكد القيادة التركمانية أن الدولة تمتلك احتياطاً هائلاً من الطاقة 5،6 بليون طن من النفط و21 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وهذا الاحتياطي في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 62،6 مليون نسمة إنما يشكل قاعدة متينة لاقتصاد وطني مزدهر. وعلى خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية في الجمهوريات السوفياتية السابقة تبدو تركمانستان واحة للرخاء. ولوحظ أن الجمهورية انتقلت بهدوء من الحكم الشيوعي إلى النظام الرئاسي المطلق. وأجرى الرئيس صفر مراد نيازوف انتخابات واستفتاءات عدة كان يفوز فيها كل مرة. وعلى رغم ذلك يواجه صعوبات كثيرة تكمن خصوصاً في العلاقات العشائرية وغياب الكيان القومي الناجز. ففي الجمهورية أكثر من مئة قبيلة تتنافس في ما بينها على الزعامة. وفي تركمانستان يقيم أقل من نصف تركمان العالم البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، ومعظمهم موزع على جاليات كبيرة في إيران وأفغانستان والعراق وسورية وتركيا والصين وجمهوريات آسيا الوسطى الأخرى. إلا أن نيازوف نجح حتى الآن في محاولاته لتفادي التوجه المباشر نحو العالم الإسلامي على رغم تعزز العلاقات بين عشق آباد وطهران والجزائر. ومعظم الخلافات بين تركمانستان وجيرانها مصلحية، ونفطية أساساً، كالنزاع الاقليمي مع اذربيجان في أواسط العام 1977. أما الموقف من روسيا فيتصف بالتحفظ والاعتدال. غير ان سياسة روسيا في التعاون مع تركمانستان فاترة ومتشنجة، ما ينطوي على احتمال فقدان الروس مواقعهم في المنطقة تدريجياً. وعلى عكس تركمانستان وضعت الحكومة في قرغيزستان اليوم بين أولوياتها خفض مستوى الفقر وزيادة العمالة. فالفترة الانتقالية التي تجتازها هذه الجمهورية التي لا تملك ثروات طبيعية تذكر عصيبة للغاية. وكان استبدال الروبل السوفياتي بالسوم القرغيزي في العام 1993 قد قلل مستوى التضخم النقدي الفائق من 1259 في المئة العام 1992 إلى 8،14 في المئة العام 1997. وبعبارة أخرى كانت الجمهورية طوال هذه الفترة تعاني من أزمة اقتصادية خانقة. وإلى ذلك كان ثمة خلل في التوازن الاجتماعي والعشائري، ما جعل رئيس الجمهورية عسكر أكايف يزيد من عدد "الجنوبيين" في المراكز العليا للسلطة 54 في المئة من سكان الجمهورية يقيمون في الجنوب. وهناك مشكلة الأقليات القومية الأوزبكية والروسية بخاصة، والأوضاع العصيبة التي يعاني منها المسلمون في جلال آباد وأوش الواقعتين في وادي فرغانة على حدود قرغيزستان مع أوزبكستان وطاجيكستان. ثم ان البطالة والفقر يشكلان كارثة وطنية حقاً. فهناك 60 في المئة من القرغيزيين على شفير الفاقة و20 في المئة منهم فقراء مدقعون، وكل ذلك يجعل الناس تتطلع إلى الإسلام أملاً في الخلاص. وفي شأن كازاخستان يقول رئيس الجمهورية نور سلطان نزاربايف إن التطرف الإسلامي ليس صفة ملازمة لبلاده ولآسيا الوسطى ما عدا طاجيكستان. فالتطرف حيثما كان ينشأ عادة على خلفية من الهزات السياسية العنيفة والتناقضات والأزمات كالحرب الأهلية في أفغانستان والنكسة في العالم العربي والحرب الشيشانية. وليس في آسيا الوسطى عموماً وكازاخستان خصوصاً خلفية من هذا النوع، فسكان كازاخستان لا يبدون حماساً دينياً مفرطاً. والكازاخ المسلمون لم يتقيدوا تاريخياً بأصول الشريعة أكثر من تقيدهم بالعادات والتقاليد التي هي منظومة أقدم للتوجهات الاجتماعية ولا مكان فيها للتطرف الديني. وتتميز أوزبكستان بكثافتها السكانية الملحوظة، مساحتها 4،447 ألف كيلومتر مربع وسكانها 2،21 مليون نسمة. وهي الوحيدة بين دول آسيا الوسطى التي تشهد الآن انفجاراً سكانياً. فخلال الفترة 1990 - 1996 ازداد تعداد السكان بنسبة 3،13 في المئة، وبلغت وتيرة الزيادة السنوية في العام 1996 حوالي اثنين في المئة، أي 450 ألف نسمة، وإذا أخذنا في الاعتبار ان عدد السكان يتضاعف كل 25 سنة، فسيكون في أوزبكستان في العام 2015 حوالي 35 مليون نسمة. وعلى الصعيد السياسي، أقر البرلمان الأوزبكي قانون الأحزاب ومبدأ التعددية فتألفت أربعة أحزاب سياسية هي الحزب الشعبي الديموقراطي وحزب الترقي الوطني وحزب العدالة الاشتراكي الديموقراطي وحزب الاحياء القومي، إضافة إلى حركة الوحدة الشعبية. أما المعارضة فلا يمثلها سوى حزب الاحياء الإسلامي الأوزبكي المحظور منذ تأسيسه في العام 1991 ويمارس نشاطه سراً حتى الآن. وعلى رغم التدابير المتعسفة يواصل الاسلاميون تعزيز مواقعهم في وادي فرغانة وسمرقند وحيوي. وتقول المصادر الرسمية ان قاعدتهم الجماهيرية تقيم علاقات مع المجاهدين الطاجيكيين، وانهم تدربوا في قواعد عسكرية شرق طاجيكستان وفي مقاطعة اوش القرغيزية. وفي محاولة لتطويق نشاط الاصوليين يعتمد المسؤولون الاوزبكيون على الفرق الصوفية والادارات الدينية المحلية في اطار بناء ما يسمونه "الدولة الاسلامية المستنيرة". ولا يستبعد المحللون احتمال انتشار الدعوة في اوزبكستان على غرار عدد من الدول العربية او باكستان. وفي التطبيق يعني ذلك القبول بأحد خيارين، فاما النموذج الايراني - السوداني دولة اسلامية ونظام اسلامي وإما النموذج الباكستاني دولة اسلامية ونظام علماني قبل تطبيق الشريعة. والاحتمال الاكبر نسبياً هو التوجه الباكستاني في حال تفاقم الازمة الاقتصادية والانفجار السكاني وفوز الاسلاميين في الجارة طاجيكستان وتصاعد نشاطهم في وادي فرغانة، وازدياد الضغوط من جهة الحدود الافغانية واشتداد الاحتكاكات القومية الاوزبكية الطاجيكية في بخارى وسمرقند وسورفانداريا وكاشكاداريا. وفي حال اعتزال اسلام كريموف السياسة لسبب او لآخر يزداد هذا الاحتمال بخطى متسارعة. قبل سنوات لم تكن ترى في طشقند الأوروبية الطراز سوى القليل من المحجبات، اما اليوم فإن ثلث الاوزبكيات يرتدين الحجاب، ما يدل على تعمق الايمان او سعة انتشار الدعوة في اقل تقدير. وتزداد مخاوف غير المسلمين، ومعظمهم من الروس الاورثوذكس الروم الشرقيين، الا ان مخاوف السلطات الاوزبكية من تصاعد الوعي الاسلامي شديدة هي الاخرى. ففي العام 2000 ستجرى انتخابات رئاسة الجمهورية، ويستعد الرئيس الحالي اسلام كريموف منذ الآن، فهو يدرك أن منافسه هذه المرة سيكون من الاسلاميين. ويقول الروس المقيمون في طشقند ان مرشح الاسلاميين كان سيفوز في الانتخابات بنسبة تقرب من 70 في المئة لو انها جرت اليوم. غير ان المسؤولين في اوزبكستان يدركون ان اعلان الحرب على الاسلاميين مجازفة لا تحمد عقباها. ولذا فهم يموهون اهدافهم معلنين ان تدابيرهم موجهة ضد جماعات منهم تشكل باعتقادهم، خطراً على الدولة العلمانية. وبهدف مكافحة الاسلاميين المتطرفين تأسس بقرار من مجلس الوزراء الاوزبكي المركز الدولي لدراسة الاسلام برئاسة محمود حاج نور الدينوف، تمول الدولة 50 في المئة من نفقاته بينما تتحمل دار الافتاء باقي نفقاته. ويقول نور الدينوف ان المركز عبارة عن جسر بين السلطات ودار الافتاء. ويضيف: "عقب سقوط الاتحاد السوفياتي تكاثرت المساجد عندنا، فيما ظل عدد الأئمة والخطباء على حاله، واختلفت آراء المسلمين من مسجد لآخر. وما يجري اليوم هو تنسيق تلك الآراء. فنحن نعمل في سبيل الاسلام وليس ضده". وفي اطار هذا "التنسيق" تم تدقيق ومراجعة المساجد، وسرعان ما تقلص عددها الى النصف !. وصدر قرار عن الادارة الدينية يمنع اذاعة الآذان من مكبرات الصوت !. كما منع حضور المراجعين الى الدوائر الرسمية في الزي الديني. وفصل من المعاهد 21 طالباً ووجهت انذارات بالفصل الى 58 طالباً آخرين بسبب الزي الديني المفصولون طلاب ملتحون وطالبات محجبات. وبلغ الأمر حداً جعل احد الاداريين يعمد شخصياً الى حلق لحية شاب بالمقص. ولا يرى المرء في الشوارع ملتحين في سن اقل من الاربعين. فالشرطة تلقي القبض عليهم رأساً. وكان وزير الخارجية الاوزبكي عبدالعزيز كميلوف اتهم الجماعات الاسلامية الباكستانية باعداد وارسال المجاهدين الى اوزبكستان لاثارة البلبلة فيها. وذكر الوزير على وجه التحديد "حزب حركة الجهاد" و"دولة الارشاد" و"جمعية العلماء المسلمين الباكستانيين". ففي هذه المنظمات يجري تدريس طلبة من انديجان ونامنغان وفرغانة الاوزبكية. وتفيد بعض المعلومات ان 400 شخص من اوزبكستان وطاجيكستان يدرسون حالياً في باكستان، خصوصاً في "الجامعة السنية" في اسلام اباد، وان المجاهدين الاسلاميين يتدربون في معسكرات متواجدة بين بيشاور وكراتشي. الا ان الوزير نوه بأن كل ذلك يجري في اعتقاده من دون علم المسؤولين. فرغانة - البقعة الساخنة وادي فرغانة بقعة مثلثة الابعاد، تفصلها جبال تيان - شان عن باقي اراضي اوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان. والكثافة السكانية فيها تمثل اعلى مستوى في آسيا الوسطى، فالقرى على امتداد الوادي متداخلة الواحدة في الاخرى. وأهم مدن الوادي لينين آباد وفرغانة وقوقند وأنديجان ونامنغان. ويرى المستشرقون ان السبب الأول للصدامات في الوادي هو قلة الأراضي المروية. الا ان الوقائع تشير الى العامل الاسلامي ايضاً. فقد اشتهرت نامنغان من زمان بوصفها اكبر مركز ديني مستقل عن السلطات في الاتحاد السوفياتي. وفي مطلع التسعينات تلقى مئات الشيشانيين والداغستانيين التحصيل في المدارس الدينية السرية في نامنغان. وكان بينهم القائد الميداني الشيشاني الشهير في ما بعد سلمان رادويف. وفي العام 1992 ظهرت في نامنغان حركة جديدة باسم "عدولات" العدالة على غرار "حراس الثورة الاسلامية" في ايران. وكان شباب بعصائب خضراء يجوبون المدينة ويعاقبون المخالفين على هواهم، ما ادى الى تصفية الاجرام تماماً. وكان رئيس الجمهورية اسلام كريموف ينظر بعين الرضا الى نشاط المنظمة، لكنه سرعان ما ادرك ان نامنغان لم تعد خاضعة له. وعندما زارها استقبله جمهور الاسلاميين الجدد وحمله على تحويل مبنى لجنة الحزب الشيوعي الى مستشفى نسائي اسلامي. وعاهد كريموف اهالي المدينة على بناء دولة اسلامية في اوزبكستان! وبعد اسابيع تعرض اعضاء "العدالة" للاعتقال وحكم على بعضهم بالسجن سنوات طويلة. وفي العام الماضي اصدر كريموف مرسوماً بغلق عدد من المساجد والمدارس الدينية في وادي فرغانة. وفي مقاطعة نامنغان التي يبلغ عدد سكانها مليوناً وثمانمئة الف نسمة، 1300 مسجد. وتأخذ السلطات العلمانية على تلك المساجد ان 60 في المئة منها غير مسجل رسمياً وان معظمها لا يسدد الضرائب على رغم وجود حسابات ضخمة لها في البنوك. ويؤكد المسؤولون ان تلك الأموال تصرف على تمويل الحركات الاسلامية المتطرفة، مثل جماعة "اسلوملاشكارلاري" جند الاسلام التي أسسها طاهر يولداشيف وحاولت الاستيلاء على السلطة لاحياء امارة قوقند. وجرت محاكمة اعضاء هذه الجماعة قبل شهور بتهمة محاولة اسقاط نظام الحكم الدستوري في اوزبكستان. الا ان التدابير القسرية التي شلت نشاط الاصوليين في اوزبكستان ادت الى هجرتهم الى الأراضي الطاجيكية والقرغيزية المتاخمة لوادي فرغانة، ما جعل كريموف يغلق الحدود مع طاجيكستان، ويعهد الى قوات الأمن الاوزبكية باعتقال الاسلاميين في قرغيزستان واعادتهم الى اوزبكستان على مرأى من السلطات القرغيزية. ولم تكن تلك التدابير كافية فطرحت في ايار مايو الماضي فكرة تأليف "الحلف الثلاثي" الآنف الذكر لمكافحة التيارات المتطرفة في آسيا الوسطى. موقف طشقند واختلفت بلدان آسيا الوسطى في تقويم الاحداث الافغانية. وهذا ما كشف عنه لقاء وزراء الخارجية والدفاع لدول المنطقة الذي عقد في طشقند في 22 آب اغسطس الماضي ولم تحضره روسيا. ويبدو ان موقف دوشنبه وبشكيك من الاحداث المرتبطة بتوسيع منطقة نفوذ "طالبان" اقرب الى موقف موسكو، فتأييدهما لحكومة برهان الدين رباني ناتج عن رغبتهما في استقرار الحدود. وخلافاً لذلك تتحفظ اوزبكستان وتركمانستان عن إبداء تقويم صريح لحركة "طالبان". اما كازاخستان فتعبر عن قلقها من الاحداث لكن حدودها بعيدة عن افغانستان. ومعروف ان عشق آباد اعلنت حيادها منذ البداية، فيما اخذت طشقند الآن فقط تتصرف على نحو محايد. ففي صيف العام 1996 عندما احتلت قوات "طالبان" بعض المناطق الشمالية في افغانستان اتخذت طشقند تدابير فعالة لحماية حدودها، وتعاونت وزارة الدفاع الاوزبكية مع اركان الجيش الروسي في وضع مخططات صد الهجوم المحتمل من جانب "طالبان". وقدمت موسكو مساعدة فنية للقوات الاوزبكية، وتحدث كثيرون عن دعم عسكري اوزبكي للجنرال الافغاني عبدالرشيد دوستم الاوزبكي الاصل. واليوم تحتل قوات "طالبان" شمال افغانستان من جديد، لكن الوضع يختلف عن العام 1996 تماماً. قوات الحكومة المطاحة تمنى بهزائم والمناطق التي يقيم فيها الافغان من أصل أوزبكي تحت سيطرة "طالبان". ولا تحرك طشقند ساكناً، وعشية لقاء آب أعلن الأوزبكيون ان الحرب في افغانستان قضية داخلية ولا يشغل بالهم منها سوى قوافل اللاجئين الى أقطار آسيا الوسطى، حتى انهم بحثوا في موضوع الاعتراف بسلطات "طالبان"، لكنهم أكدوا ان القرار في هذا الشأن لا بد ان يتم بالتنسيق مع روسيا. ويرى معلقو جريدة "نيزافيسمايا" المستقلة الصادرة في موسكو ان موقف طشقند هذا يسوق الدليل على إقرارها احتمال سيطرة "طالبان" على شمال افغانستان الأوزبكي وعدم رغبتها في دعم الجنرال دوستم ناسية انها هي التي أقنعته العام 1996 بالتحالف مع أحمد شاه مسعود الافغاني الطاجيكي الأصل. وكتبت "نيزافيسمايا" ان حركة "طالبان" قامت آنذاك بمحاولات لاستمالة دوستم للتحالف معها وليس مع مسعود ورباني. وحاولت ذلك أيضاً باكستان من دون ان تكشف النقاب عن مساعيها. ففي ايلول سبتمبر 1996، كما تقول الجريدة، وصل وفد باكستاني الى مزار شريف وعرض على دوستم 50 مليون دولار للتنمية في شمال افغانستان في مقابل الاعلان عن الولاء لحركة "طالبان"، الا ان الجنرال رفض. ووجد المراقبون تفسيراً آخر لتبدل موقف طشقند. فالخطط الاستراتيجية والاقتصادية التي تلوح من وراء استيلاء "طالبان" على الشمال الافغاني تتضمن توصيل النفط والغاز عبر وادي مرغاب التركماني الى هرات وقندهار في افغانستان ومنها الى باكستان. وهذا المشروع يعود بالنفع على تركمانستان واوزبكستان اللتين تفتقران الى أسواق التصريف الكافية لوقودهما. ولعل ذلك هو السبب الأول في لا مبالاة عشق آباد وطشقند بالنزاع في افغانستان. ومن مفارقات الموقف الراهن في طاجيكستان ان المعارضة الطاجيكية الموحدة بزعامة سيد عبدالله نوري، على رغم طابعها الاسلامي، مضت بعيداً في التعاون مع نظام إمام علي رحمانوف العلماني، وأصدرت مع الحكومة الطاجيكية إنذاراً مشتركاً في الأول من تشرين الأول اكتوبر الماضي الى التشكيلين المسلحين المتواجدين في أطراف العاصمة دوشنبه لتسليم السلاح وحل تنظيماتهما العسكرية من دون قيد أو شرط، وإلا لن تضمن "السلامة والحرية" لآمريهما الميدانيين سيد مختار بروف وراوشان غفوروف. وبعد اسبوعين من الانذار شنت القوات الحكومية حملة فاشلة لتصفية "المتمردين" وقع ضحيتها سبعة من رجال سيد مختار اضافة الى عدد من الجرحى في القوات الحكومية. وإلى ذلك أصدرت المحكمة في دوشنبه قبل أيام الحكم بالاعدام على الملا عبدالغفوروف وعلى بهرام صديروف وعدد من رجاله بعدما تمكنت القوات الحكومية من اخماد حركتهم في جبال طاجيكستان، حيث قتل رضوان صديروف الشقيق الأكبر لبهرام في العام الماضي. ومن جهة اخرى مارست المعارضة الطاجيكية ضغوطاً لتنفيذ بقية بنود اتفاقية المصالحة التي وقعت بينها وبين حكومة دوشنبه قبل أكثر من عام، وكان بينها اعادة توزيع المناصب بحيث تكون حصة المعارضة 30 في المئة منها. واسفرت المحادثات الجديدة عن تعيين بعض المعارضين في الحكومة. فقد تولى ممثل المعارضة الدكتور ذاكر وزيروف مهام نائب رئيس الوزراء للشؤون الاجتماعية والادارة المحلية، وبذلك صارت المعارضة تشغل 12 منصباً في المراكز السياسية لا العليا، بما فيها نائبان لرئيس الوزراء، حيث كان خوجه أكبر طوراجان زاده تولى مهام النائب الأول لرئيس الوزراء منذ شباط فبراير 1998. والواضح ان "المصالحة الوطنية" في طاجيكستان تتعثر، فالمعارضة الاسلامية عادت من افغانستان خريف العام 1997، بعدما امتنع زعيمها سيد عبدالله نوري عن تأييد أحمد شاه مسعود ضد "طالبان". وهي اليوم تستولي على السلطة في دوشنبه تدريجاً وتزيح الصفوة السياسية الموالية للروس والمعادية للأصولية من مواقعها في الحكومة وفي رئاسة الجمهورية. ويسعى عبدالله نوري الى تعيين أشد انصاره بأساً في المناصب الحساسة التي يكسبها يوماً بعد يوم، فقد عين لرئاسة مديرية الضرائب الملا عبدالله كريموف الذي ينسبون اليه تدبير هجوم على القوات الحدودية الروسية في طاجيكستان راح ضحيته 25 جندياً، كما عين وزيرا للاقتصاد دولت عثمانوف الذي يتهمه الروس بتدبير مجزرة راغون ربيع 1992 التي قتل فيها أكثر من 40 شخصاً. ويقول الرئيس إمام علي رحمانوف ان الدولة العلمانية في طاجيكستان تعترف بجميع حقوق المؤمنين وحرياتهم الدينية والسياسية. ويؤكد ان في طاجيكستان اكثر من 5000 مسجد و200 جامع، وان عدد حجاج بيت الله الحرام من طاجيكستان في العام 1995 بلغ 1290 حاجاً، وفي العام 1996 بلغ 2600، فيما ازداد في العام الماضي الى 5016 حاجاً. سيناريو رحمانوف وإلى ذلك يقول القوميون الروس المتطرفون في موسكو ان رحمانوف صار يميل اكثر الى المعارضة الاسلامية والأوساط الأصولية في الخارج، بهدف الخروج من الأزمة التي تواجهها بلاده. وهناك 90 في المئة من الطاجيكيين يعانون من الفقر المدقع، وبلغ متوسط الأجور الشهرية خمسة دولارات، فيما حددت الحكومة راتب رئيس الجمهورية الشهري بما يعادل 12 ألف دولار. وأغلقت أبواب معظم المدارس والمستشفيات في البلاد، وتسيطر المعارضة الاسلامية على ثماني مناطق تشكل ثلث أراضي البلاد. ويخشى الروس ان تتطور الاحداث بشكل يفقدون معه طاجيكستان نهائياً. فقد سرت اشاعات، ساعدوا هم في ترويجها، تقول ان رحمانوف "تواطأ" سراً مع زعماء المعارضة وفقاً لمعادلة "السلطة في خدمة الاسلام". وحسب "المخطط" الجديد يعمد رحمانوف الى تصفية الحزب الشيوعي الطاجيكي والجبهة الشعبية اليسارية ويعلن طاجيكستان دولة اسلامية ويبعد القوات الروسية ورجال الحدود الروس من البلاد ويحصل في المقابل على القيادة السياسية لهذه الدولة وتأييد المعارضة في الداخل ومساعدات المراكز الأصولية العالمية في الخارج، بحيث تتحمل باكستان مع دول عربية جزءاً من ديون طاجيكستان الخارجية، فيما يصار الى شطب الديون المترتبة عليها لروسيا بعد تصفية "النظام العميل الموالي للسوفيات". الا ان في طاجيكستان قوى قادرة على مواجهة الاسلاميين. فأنصار الجبهة الشعبية والحزب الشيوعي، حسب صيحفة "زافترا" الغد الصادرة في موسكو، يتحكمون في 30 في المئة من الناخبين انتخابات رئيس الجمهورية المقبلة في العام 2000. وفي المناطق الجنوبية من أوزبكستان المتاخمة لطاجيكستان تحتشد فصائل العقيد الطاجيكي محمود خودابيردييف الذي انسحب من مدينة كورغان تبه بعد معارك ضد القوات الحكومية في أيلول سبتمبر 1997. والى ذلك يلتف حول خودابيردييف كثير من النازحين من طاجيكستان ومعظمهم من الروس والناطقين بالروسية. ويبدو ان راديكالية علماء الدين الافغان تروق لبعض زعماء الاسلاميين في طاجيكستان. ولعل ذلك هو أساس الاتصالات الوثيقة التي بدأت قبل أكثر من عام ونصف بين ممثلي الجناح الراديكالي في المقاومة الطاجيكية الموحدة وحركة "طالبان". وعلى رغم ان احتمال دخول "طالبان" أراضي طاجيكستان مستبعد في الفترة القريبة المقبلة الا ان المحللين يفترضون ان قوات "طالبان" بعدما تحكم السيطرة على افغانستان بكاملها ستمد يد العون الى اشقائها في طاجيكستان التي هي الميدان الأكثر ملاءمة للاستفادة من طاقات القوات "الطالبانية" المتفرغة، لا سيما ان تشكيلات المقاومة الطاجيكية الموحدة ذات تنظيم جيد من الناحيتين العسكرية والسياسية، وهي مستعدة لتسلم مقاليد الحكم بالكامل في أية لحظة، خصوصاً بعد دخول عملية المصالحة الوطنية في مأزق وفقدان حكومة رحمانوف امكانية السيطرة على الموقف في البلاد. وليس لزاماً ان تأتي مساعدات "طالبان" بشكل تدخل مسلح، فثمة سبل كثيرة اخرى لنصرة المعارضة الطاجيكية. واللافت ان حزب "الاحياء الاسلامي" الطاجيكي يواصل عملاً هادفاً ونشيطاً بىن السكان حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وقد أسس خلايا له في كل مسجد طاجيكي. وفي هذه الظروف قد تغدو انتصارات "طالبان" حافزاً لاشعال فتيل الحرب الاهلية مجدداً في طاجيكستان. وفي حال تعززت مواقع الاسلاميين في هذه الجمهورية المرشحة لتكون بوابة شمالية لحركة "طالبان" فإن تأثيرهم لا بد ان ينتشر في الجارتين اوزبكستان وقرغيزستان ويواصل المسيرة الى أبعد